حياة غير آدمية، ينقصها كل احتياجات الإنسان حتى يستطيع أن يعيش حياة كريمة، فبدون مياه وكهرباء أو صرف صحي أوحتى جدران تأويهم يعيش سكان "المقابر"، فيعيشون فقط بين رائحة الموتى والقمامة . انتقلت "الفجر تي في" إلى مقابر "الإمام الشافعي" كنموذج لمعاناة سكان المقابر الذين يعانون الفقر والقهر والظلم، من عدم الاعتناء والالتفات إلى ظروفهم الصعبة من قبل المسئولين، فكأنهم يعيشون في كوكب آخر اختص لهم فقط بسبب عدم استطاعتهم المعيشة كغيرهم من المصريين. دخلنا إلى المقابر ولكننا تفاجأنا حينما التقينا بسكانها بالسعادة والرضا بما قسمه الله لهم في أعينهم وحتى في حديثهم، مؤكدين أنهم يعيشون في سعادة أكثر ممن هم يسكنون القصور. البداية كانت لقائنا بالحاج "نادي" وابنته المتزوجه ولديها أربعة أبناء، وهم يعيشون جميعاً داخل "حوش" تملكه احدى العائلات بترب الإمام الشافعي، ويجزئون هذا الحوش إلى ثلاثة أجزاء، فواحد منهم به غرفة المعيشة والنوم، والآخر به المطبخ، أما الجزء الثالث والأخير فهو عبارة عن "عشة" لا تختلف عن الجزئين السابقين سوى أنه أصغر في المساحة ويوجد به "بط وفراخ". ويعيش الحاج "نادي" في هذا المكان منذ 10 سنوات، وكذلك ابنته التي تزوجت من "تُربي" واختارت بنفسها أن تعيش باقي حياتها في المقابر، فقالت: "اتجوزت في الترب لأن دا نصيبي واللي جالي تُربي.. وجربنا نعيش برا وما قدرناش علشان الإيجار"، مضيفة أن لديها طفلين لا يتخطى عمر أكبرهم عشرة سنوات لم يستكملوا دراستهم حتى يعملوا ويساعدوا والدهم في الدخل. أما عن شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر فقالت: "مش بنروح في حته .. ومش بنعيد والناس كلها بتعيد ما عدا احنا لأننا بنضطر نستنا الموسم في العيد ونعيد آخر ناس". وبحديثنا مع ابنها محمد، الطفل الذي فرضت عليه ظروف الفقر أن لا يستكمل حياته كمن مثله، ويترك مدرسته وهو في الصف السادس الإبتدائي ليعمل في إنتاج وتجميع الخيوط، فقال: "أنا خرجت من المدرسة علشان أبويا معهوش فلوس .. وبكسب 100 جنية في الأسبوع بأديها لأمي وأصرف على أخواتي ". وبمرورنا بين حواري المقابر وجدنا سيدة ترتدي عباءة سوداء تجلس تحت شجرة تستظل بها من أشعة الشمس، واضعة يدها "تحت خدها" وكأنها تشكوا الزمان وحزنها، والتي روت لنا أنها تعيش في المقابر منذ 35 عام مع والدتها، التي تعيش في "عشة" . وأضافت وبداخلها حزن شديد ولكن بالرغم من ذلك كانت تحرص على أن ترتسم الابتسامة على وجهها: "احنا بنقضي أيامنا زي أي أيام علشان احنا خدنا على كده .. وحياتنا تعبانة ومش لائيين حتة نعيش فيها، مستكملة: "الظروف قاسية وكل واحد بيقول يلا نفسي .. عايزين نتستر بس". وعن وجود مرافق بالمقابر، أوضحت أنهم يحصلون على الكهرباء من خلال "عماويد النور" بالشارع، والمياه من خلال "سبيل" وضعه صاحب احد الورش بالمنطقة، أما عن الصرف الصحي فقالت: "بنروح المسجد نقضي حاجتنا وكمان بنستحمى هناك". وبسؤالها عن الاحتفال بأجواء شهر رمضان والعيد، ابتسمت بشدة وفي عينها نظرة رضا وسعادة بالغة، قائلة: "شهر رمضان بنحس بسعادة مع اننا بسطاء .. وأي حد يدينا حتة أكل بنفرح بيها وربنا بيعوضنا وبنتلم مع بعض في سعادة"، مستكملة حديثها عن فانوس رمضان: "من خمس سنين ما جيبتش فانوس لأولادي .. وبنبص على الفانوس اللي متعلق في الشارع ونفرح بيه". أما عن العيد أوضحت في سعادة بالغة: "في العيد الناس بتجيب قرص وبرتقال وتفاح وهو اليوم اللي بيفرحنا أوي هو يوم العيد دا وبحس بيه".