اهتم العلماء الربانيون بتعريف التقوى، فقال عنها: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل والرضا من الدنيا بالقليل". فتقوى الله -تعالى- هي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، وهي خلق إسلامي لا غنى لمؤمن عنه، فالذي يتخلق بالتقوى يراعي الله في كل أعماله، بل حتى في خواطر قلبه، ولو تمسك الناس جمعيًا بالتقوى لصلحت أحوالهم ومجتمعاتهم. فما من خير إلا وعلقه رب العزة -سبحانه- بالتقوى-: ففيها تفريج للكروب، سعة الأرزاق، قبول العمل، سداد في الرأي وتوفيق في النظر، وحسن العاقبة، قال -تعالى-، "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين". وقد قسم العلماء التقوى إلى مراتب عدة : 1) تقوى القلوب: بأن يجعل العبد قلبه على طريق الإستقامة وأن ينزهه عن أمراض القلوب كالعجب والكبر والرياء، وألا يحتقر أحدًا من خلق الله أو يحسدهم أو يحمل في قلبه ضغينة لأحد، وأن يعظم شعائر الله وكل ما أمر به، لقوله -تعالى-:"ذَ?لِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ". 2) تقوى الجوارح: وهي أن يكفّ الإنسان جميع جوارحه عن ارتكاب المحرمات والذنوب، فلا يستخدمها إلا لطاعة الله -تعالى- وما يرضيه، فيكفّ لسانه عن الكذب وفحش القول، وعينيه عن النظرة المحرمة، وأذنيه عن سماع الغيبة والنميمة وكل محرم، ويديه عن البطش وأكل أموال الناس بالباطل، ورجليه عن المشي بهما في معصية، وأن يحفظ فرجه عن ارتكاب المحرم، وكذلك في سائر الأعضاء والجوارح. 3) تقوى النفس: وهي أن يطهر الإنسان نفسه ويزكيها، لترتقي عن الشهوات واللذات، فيكون هوى الإنسان وميله النفسي وفقًا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووفقًا للشرع، بل الأكثر من ذلك أن يمنع قلبه عن التمني والفضول والابتعاد عن اللغو، وكل ما نهى عنه الله -تعالى-. كما على العبد أن يجعل نفسه وقاية للحق -تعالى- في الشر، فينسب الشر لنفسه أدبًا مع الله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-، "والخير بيديك، والشر ليس إليك"، وهذه المرتبة في التقوى من مراتب الأولياء والعارفين، الذين خصهم الله تعالى باكتساب الآداب، وهم الذين اتقوا وأحسنوا بدخول الإحسان، فحصلوا على محبته -تعالى-. وكمال تقوى النفس أن ينزه الإنسان نفسه وهواه عما سوى الله، ويتبتل إليه -سبحانه- بكليته، وهي التقوى الحقيقية المأمور بها في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِه". وأقصى مراتب هذا النوع من التقوى ما انتهت إليه همم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أجمعين، فالأنبياء لم يتعلقوا بشيء من الدنيا، بل كانوا بكليتهم متجهين لله -سبحانه وتعالى-، ويحفظوا قلوبهم ونفوسهم من التعلق بسوى الله -تعالى-.