أمس حدث خطأ أنا المسؤول عنه، حيث اختلط علىَّ الأمر، وأنا أرسل مقالى وعنوانه «الخضوع المطلق للنظام»، بينما أرسلت مقالا آخر «إعلان الولاء للرئيس»، ليلة أمس وأنا فى الشارع أطل كعادتى على العدد عند بائع الجرائد اكتشفت الخطأ، ولم أكمل العمود، سارعت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واتصلت بزميلى الكاتب الصحفى الشاب محمد توفيق، مدير تحرير الموقع، وأرسلت المقال الصحيح، فقط غيَّرت العنوان إلى «الكلام إلك يا جارة». تساءلت كيف لم يلحظ زملائى فى «الديسك»، وهم يراجعون المادة الصحفية قبل النشر أنى أتناول مهرجان الإسماعيلية، الذى عقد فى شهر يونيو الماضى؟ وقرأت المقال كاملًا فوجدت أنه يتناول خضوع المثقفين للرئيس وإعلان الولاء المطلق، والتمست العذر، لأنهم لم يجدوا شيئًا يشير إلى الماضى، فمعدل الولاء فى ازدياد، كأننى أكتبه اليوم. قراء الموقع لن يجدوا صعوبة فى استدعاء المقال القديم من الأرشيف، ولقراء النسخة الورقية أقول لهم إنى كتبت أمس عن قرار رئيس الإذاعة المصرية الرسمية عبد الرحمن رشاد، باستبعاد أغانى المطرب حمزة نمرة، لأن له موقفًا مغايرًا للرئيس السيسى، وبالطبع تشم رائحة الرعونة فى القرار، وربما، (أرجو أن تضع خطًّا تحت كلمة ربما) أن هناك من وجد فى القرار خطأ سياسيا، ولن أعيد عليكم نشر ما كتبته أمس إلكترونيا، وذلك لأن رئيس الإذاعة أصدر قرارًا تاليًا للتمويه على القرار الأول، ومنحه غطاء أخلاقيا، وهو منع أغانى كل من هيفاء وهبى وأوكا وأورتيجا، ولا أدرى لماذا لم يضف إليهم محمود الليثى وسعد الصغير وطارق الشيخ وغيرهم؟ الغريب فى القرار أن الإذاعة المصرية لم يسبق أن صرحت باسم أىٍّ من هؤلاء من قبل كأصوات حتى تمنع تداولهم. نفى النفى، كما هو معلوم، إثبات، ومنع الممنوع يصبح طبقًا لهذه المعادلة إباحة، فهل الإذاعة المصرية صارت تملك بالفعل القدرة على المنع؟ فى الماضى مثلًا عندما قامت ثورة يوليو قرر أحد الضباط إقصاء صوت أم كلثوم بحجة أنها غنت للملك، ومحسوبة على العهد البائد، وتدخل عبد الناصر بمقولته المشهورة: إذن امنعوا أيضًا النيل والأهرام، فهم محسوبون على العهد الملكى. كانت الإذاعة فى مطلع الخمسينيات هى سيدة الموقف، وبالفعل لو لم يتدخل عبد الناصر فى التوقيت المناسب لتعثرت خطوات أم كلثوم. بعد هزيمة 67 كتب نزار قبانى قصيدة «هوامش على دفتر النكسة» اعتبرها شاعر منافس تحمل سخرية من عبد الناصر، فقررت الإذاعة المصرية بسبب تلك الوشاية أن تمنع قصائد نزار المغناة، وعلم عبد الناصر بتلك المؤامرة بعد أن تلقى رسالة من نزار، فأعاد قصائده إلى الأثير. فى مطلع السبعينيات شهدت مصر صعودًا مدويا لصوت أحمد عدوية، ورددوا له «السح الدح إمبوه»، ومنعت الإذاعة صوته، بحجة أن أغانيه بيئة، إلا أن تلك السنوات شهدت بداية انتشار للكاسيت، فصار عن طريق الكاسيت هو المطرب الأول فى الشارع، رغم أنف الإذاعة المصرية، وغنى له حليم فى حفل خاص «السح الدح إمبوه» بينما غنى عدوية لحليم «خسارة خسارة»، والغريب أن عدوية ظل ممنوعًا من الإذاعة حتى مطلع الألفية الثالثة. المنع من القنوات الرسمية لم يعد سلاحًا تُشهره الدولة، بل هو الآن أقرب إلى مسدس الماء، الذى كنا نلهو به ونحن صغار، ومثل تلك القرارات تُصبح مثل هذا الرذاذ، الذى يثير الضحك والانتعاش، لإضفاء مذاق أخلاقى على قرار سياسى لتحسين الصنف، ومنحه مكسبات لون وطعم ورائحة. أراد رئيس الإذاعة عقاب حمزة نمرة فأضاف إليه هيفاء، كأنه توابع زلزال فستانها «جى يكحلها عماها».