إن الثورة المصرية المباركة التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 نجحت في أن تعيد للمواطن المصري الأمل والحلم من جديد بعد أن أفقده النظام الديكتاتوري البائد – الذي تجرد من لباس الوطنية وتخلى عن الأمانة والشرف – حريته وكرامته وجرده من أبسط حقوقه الإنسانية, وأصابه بالفقر والجهل والمرض. كما أن الأوضاع المأساوية التي عاشها هذا الشعب العظيم, هي ما دفعته للثورة على هذا النظام وإسقاطه ومحاكمته على ما اقترفت يداه من جرائم يندى لها جبين البشرية جميعها, وقد نجحت الثورة بتضحيات شبابها ورجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها في أن تؤسس لدولة ديمقراطية حديثة, تسود فها الحريات ويحصل فيها كل فرد على حقوقه كاملة.. دولة الجميع فيها سواسية أمام القانون.. دولة مؤسسات حقوقية تقوم بدورها الذي حدده لها القانون والدستور دون تعدٍ أو تغول من مؤسسة على أخرى تمامًا مثلما كان يحلم الشعب المصري العظيم. وقد عملت الثورة منذ اليوم الأول لنجاحها على بناء مؤسسات الدولة المصرية بشكل ديمقراطي سليم, إذ شهدنا خلال العام الماضي وبدايات العام الحالي, إجراء انتخابات برلمانية ونقابية شهد بنزاهتها وشفافيتها العالم أجمع, ولا تزال الثورة مستمرة لاستكمال بناء تلك المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة التي شهدنا الجولة الأولى من انتخاباتها، والتي شارك فيها الشعب المصري لأول مرة في تاريخه، دون أن يعلم شخص الرئيس الفائز . واليوم ونحن على أعتاب جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بعد أن مرت الجولة الأولى بكل ما فيها، لا يسعنا إلا أن نشير إلى طلباتنا المتكررة إلى اللجنة العليا للانتخابات، بتمكين المرشحين من الحصول على ال CD المتضمن قاعدة بيانات الناخبين، ( والذي تم تجاهله في الجولة الأولى، وحتى الآن بتعمد واضح وغير مبرر وبالمخالفة الصارخة للقانون ومعايير الشفافية والنزاهة)، خاصة وأنه قد ثبت وجود آلاف الأسماء المكررة بقاعدة البيانات، فضلاً عن تضمنها أسماء متوفين وجنود وضباط شرطة وجيش، بل وتصويت بعض هؤلاء بالمخالفة للقانون والدستور، وهو ما تم ضبطه وتحرير محاضر بشأنه في العديد من اللجان الانتخابية خلال الجولة الأولى من الانتخابات. يضاف لما سبق ضرورة اضطلاع اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بدورها وتفعيل قراراتها الخاصة بتمكين مندوبي المرشحين من المبيت داخل مراكز الاقتراع وإلزام قوات الأمن بعدم عرقلة تنفيذ تلك القرارات مثلما حدث في الجولة الأولى. كما أن عليها أن تفعل القانون بأن تسمح لوكلاء المرشحين بحضور عملية الفرز حضورا فعليًّا وليس صوريًّا أو شكليًّا، يضاف إلى ذلك ضرورة تمكين مندوبي ووكلاء المرشحين من استلام كشوف نتائج الفرز في جميع اللجان الفرعية والعامة كاملة غير منقوصة، لاسيما وأنها تعهدت بتلافي جميع هذه السلبيات وغيرها في جولة الإعادة .. وإنا لمنتظرون. والحقيقة أننا ندخل جولة الإعادة وكلنا ثقة في قضاة مصر الذين كانوا ولا زالوا على العهد دائماً، فدورهم الرائد في حماية الحقوق وصون الحريات والوقوف كحائط صد أمام النظام الديكتاتوري السابق الذي أذاق الشعب المصري صنوفًا من العذاب، لا يمكن أن ينكره أحد، وكذلك دورهم المشرف في بناء مؤسسات الدولة المصرية الحديثة من خلال الإشراف على الانتخابات البرلمانية والمهنية والرئاسية في جولتها الأولى، يشهد به الشعب المصري بكامله. ونؤكد أن محاولات بعض أعضاء النظام السابق الخاصة بالعمل على توتير العلاقة بين القوى الثورية وبعض مؤسسات الدولة ورجال القضاء، واصطناع معارك وهمية لا أساس لها، لن تؤتي ثمارها، لأن الجميع يحترم مبدأ الفصل بين السلطات، ويحرص على وحدة الصفوف في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الوطن. إن مسئولية إجراء جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بشكل ديمقراطي سليم، إنما تقع في المقام الأول على عاتق المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عليه مسئولية سياسية وقانونية ودستورية، في الحفاظ على نزاهة وشفافية تلك الانتخابات، وتأكيد التزامه بما سبق وأن تعهد به من رعاية الانتقال السلمي للسلطة، وإتاحة الفرصة كاملة للشعب المصري لاختيار مرشحه للرئاسة بإرادته الحرة ودون تدخل من قبل أي جهة، وبشكل يحوز احترام العالم، ويعيد مصر للريادة في محيطها الإقليمي والدولي من جديد، لأن هذه الانتخابات ستكون البداية الحقيقية لإقامة مصر الجديدة التي يحلم بها الشعب المصري ويتوق لرؤيتها على أرض الواقع. ودور الإعلام المصري الذي ساهم بفاعلية في نجاح الثورة المصرية المباركة لا يقل أهمية وخطورة عن دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة في رعاية تلك الانتخابات وحمايتها وإخراجها بشكل يليق بمصر، خاصة وأن الشعب المصري ينتظر من وسائل الإعلام المختلفة التزام الحياد والموضوعية والبعد عن الإثارة والتشويش والتشويه ونشر الشائعات دون دليل أو برهان، بعد أن مارس البعض منهم تجاوزات ضد مرشحنا لا يمكن أن يتحملها بشر، وسط صمت ملفت من قبل اللجنة العليا للانتخابات التي غضّت الطرف عن تلك التجاوزات. وأخيرًا نؤكد في هذه اللحظة التاريخية الحرجة والفاصلة في تاريخ الوطن، أن كل من يحاول العبث في العملية الانتخابية، أو يعرقل مسيرتها أو يسعى للتأثير في إرادة الناخبين، أو يرتكب أي مخالفات أو تجاوزات، سنلاحقه قضائيًّا، ولن يفلت من عقاب القانون، ونحن على ثقة في أنه سيناله ما يستحقه من عقاب الله سبحانه وتعالى. ( وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )