فتح سقوط جماعة الإخوان فى مصر الباب من أجل البحث حول حقيقة هذه الجماعة بمختلف أنحاء العالم. وبعد عقود من الترويج لنفسها فى الغرب باعتبارها الجماعة التى تمثل الاسلام المعتدل، بدأ الغرب فى إعادة النظر فى طبيعة التنظيم الدولى للجماعة، وقد اتخذت بريطانيا هذا الأسبوع مجموعة من الخطوات لمحاصرة التنظيم الدولى الذى اتخذ لندن كمركز له.
وبحسب جريدة الديلى تليجراف البريطانية أن الحكومة البريطانية بصدد وضع حد لأنشطة المنظمات التابعة للتنظيم الدولى للإخوان فى لندن ومنع النشطاء من الانتقال إلى لندن، بعد أن أثبت التقرير الذى أعدته الحكومة البريطانية بشأن الجماعة عن علاقة التنظيم الدولى بالمتطرفين فى الشرق الأوسط.
وكان رئيس الوزراء البريطانى قد طلب إعداد تقرير لتحديد ما إذا كانت جماعة الإخوان فى بريطانيا جماعة إرهابية أم لا، وأشرف على التقرير السفير البريطانى فى السعودية السير جون جنكيز، ومع الانتهاء من التقرير، أعلن جنكيز أنه لا يوجد سوى أدلة قليلة تشير إلى أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية، فى أعقاب الانتهاء من التقرير، نشرت جريدة فايننشال تايمز خبرًا أشارت فيه إلى أن الوزراء بالحكومة البريطانية اختلفوا بشأن هذا التقرير مما دفع ديفيد كاميرون إلى اتخاذ قرار بتأجيل نشر التقرير الذى يبدو أنه لن يرى النور قريبا، وبحسب جريدة الديلى تليجراف فإن عددًا من المسئولين الذين اطلعوا على تقرير السير جون جنكيز قد أكدوا أن النتائج النهائية للتقرير سوف يتم نشرها قبل نهاية هذا العام.
وتواصلت جريدة الفجر مع السفارة البريطانية فى القاهرة، وأكد لنا رئيس الاتصالات بالسفارة ديفيد كينا أن التقرير تم الانتهاء منه فى يوليو الماضى كما طلب رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، ويجرى العمل حاليا فى الحكومة البريطانية للنظر فى الآثار المترتبة على النتائج التى تم التوصل إليها.
أما فيما يتعلق بإصدار قرار بحظر أنشطة التنظيم الدولى للإخوان، أكد دبلوماسى من وزارة الخارجية البريطانية أن بريطانيا لن تتخذ قرارًا بحظر الجماعة ولكن فى المقابل هناك إجراءات أخرى من الممكن اتخاذها. كما صرح مسئول بريطانى آخر على دارية بتطورات هذا الملف بأن هناك أجزاء من تقرير الحكومة البريطانية عن تنظيم الإخوان تتسم بالحساسية الشديدة، وأضاف قائلا: «إن هذا التقرير بمثابة نظرة شاملة جدا على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين فى الكثير من الدول. وقد تم منحنا وثائق شديدة الحساسية، ولا يمكن لنا العودة لهذه الأماكن مرة أخرى إذا تم نشر هذه المعلومات». بحسب الديلى تليجراف، فإن المنظمات الخيرية والمنظمات الإعلامية التابعة للإخوان شكلت أحد المحاور الرئيسية فى تقرير السير جون جنكيز. وتتعرض هذه الجمعيات حاليا لعملية تدقيق من جانب لجنة الأنشطة الخيرية التابعة للحكومة البريطانية، وقد فتحت هذه اللجنة باب التحقيق مع ثلاث جمعيات على الأقل تابعة للإخوان فى لندن بشأن شكوك تتعلق بتمويل هذه الجمعيات للمنظمات الإرهابية فى الخارج. وبحسب المتحدث الرسمى للجنة فإن السير جون جنكيز طلب الاطلاع على نتائج هذه التحقيقات.
ومن المعروف أن جماعة الإخوان تملك آلة إعلامية ضخمة فى بريطانيا تساعدها فى الترويج لنفسها. وكانت جريدة الجارديان البريطانية والقريبة من الجماعة قد نشرت إعلانًا مدفوعًا لصالح جماعة الإخوان، وقد تضمن الاعلان خطابًا مفتوحًا لرئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون تم توقيعه من قبل أكثر من خمسين شخصية من مختلف الخلفيات والمستويات كرد فعل على قيام الحكومة البريطانية بالتحقيق فى أنشطة التنظيم الدولى، الجهة المسئولة عن هذا الاعلان هى مؤسسة قرطبة للاعلام، وهى مؤسسة تقع فى لندن وتعلن أن هدفها الترويج للحوار بين الأديان، وتعد مؤسسة قرطبة هى إحدى الواجهات الاعلامية المتعددة التى تملكها الجماعة فى لندن. والجدير بالذكر أن التنظيم الدولى كان قد أعلن فى العام الماضى اختياره للندن كمركز إعلامى للتنظيم. ويحظى رئيس منظمة قرطبة أنس التكريتى بعلاقات واسعة النطاق سواء فى بريطانيا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولعبت علاقة جماعة الإخوان بتيار اليسار السياسى فى بريطانيا دورًا كبيرا فى توفير آلة إعلامية غير متربط بشكل مباشر بالجماعة ولكنها تروج للجماعة وتدعمها على طول الخط، ولعل جريدة الجارديان التى تحولت للمدافع رقم واحد عن الإخوان هى أفضل مثال عن التحالف بين جماعة الإخوان وتيار اليسار فى بريطانيا.
تهديدات إخوانية
تواجه بريطانيا مشكلة تحولها إلى مركز للجماعات الجهادية ومصدر رئيسى للجهاديين الأجانب الذين ينضمون للجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط. بحسب الجارديان فى تقرير تحت عنوان «الجهاد فى عصر التواصل الاجتماعى» هناك 2800 مواطن أوروبى من ضمنهم خمسمائة من بريطانيا فقط انضموا لحركات الإرهابية فى سوريا والعراق على مدار السنوات الثلاث الماضية.
فى هذا الإطار، نشرت جريدة التايمز تقريرًا تحت عنوان «حظر جماعة الإخوان سوف يزيد من مخاطر الارهاب» فى شهر إبريل الماضى، حيث التقت الجريدة البريطانية مع الأمين العام للتنظيم الدولى إبراهيم منير والذى صرح قائلا بأن إصدار الحكومة البريطانية قرار بحظر جماعة الإخوان سوف يعرض بريطانيا لخطر التهديدات الإرهابية. وأضاف إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان قائلا: «إن حظر جماعة الإخوان سوف يدفع الناس فى المجتمعات الإسلامية إلى التفكير فى أن قيم المسلمين السلمية لم تأت بنتيجة مع تصنيفهم كجماعة إرهابية مما سيفتح الباب أمام جميع الاحتمالات،» وعندما سألته جريدة التايمز إذا كان يقصد بذلك اللجوء إلى العنف، رد قائلا: «أى احتمال»، كما صرح منير القيادى الإخوانى والمصرى الأصل بأن مثل هذا الحظر سوف يزيد من حجم المشاكل على نحو لا يمكن توقعه ليس فقط فى بريطانيا ولكن لكل المنظمات الاسلامية فى مختلف أنحاء العالم، وأشار إلى أنه فى حالة إقدام بريطانيا على مثل هذه الخطوة سيكون من الصعب التنبؤ برد فعل المسلمين فى مختلف أنحاء العالم خاصة المنظمات الاسلامية القريبة من جماعة الإخوان والتى تشاركها نفس الإيديولوجية.
وهذا التهديد الإخوانى بتعرض بريطانيا لهجمات إرهابية فى حالة إصدار قرار بحظر الجماعة ما هو إلى وجه واحد من حالة الجدل التى أثيرت حول هذا التقرير، ومن الوجوه الأخرى التى لاحقت وضع الجماعة فى بريطانيا، تلك التقارير التى تشير إلى أن بريطانيا لا تختلف كثيرا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن الجماعة تربطها بالحكومة البريطانية علاقات وثيقة. وفى تصريح خاص لجريدة الفجر، علق ديفيد كينا رئيس الاتصالات فى السفارة البريطانية بالقاهرة على تلك المزاعم المتعلقة بعلاقة حكومة ديفيد كاميرون بجماعة الإخوان مشيرا إلى تصريحات المتحدث الرسمى لرئيس الوزراء البريطانى والذى أكد أن عندما كان الإخوان فى الحكم بمصر، فإن الحكومة البريطانية مثل غيرها من الحكومات فى مختلف أنحاء العالم قد تواصلت معهم بهدف فهمهم بشكل أفضل ومحاولة التأثير الإيجابى على أفعالهم أثناء وجودهم فى السلطة. منذ ذلك الحين، طلب رئيس الوزراء البريطانى بمراجعة فلسفة، أنشطة، نفوذ وتأثير جماعة الإخوان المسلمين على المصالح الوطنية لبريطانيا فى الداخل والخارج، كما طلب أيضا مراجعة سياسة الحكومة تجاه الجماعة، كما أشار ديفيد كينا إلى ما قاله السفير البريطانى الجديد فى القاهرة جون كاسن بشأن رغبة بريطانيا فى رؤية مصر تنجح، وأنه سيعمل جاهدا مع الشعب والحكومة المصرية من أجل أن تكون مصر مزدهرة، نشطة، آمنة وديمقراطية.