60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 2 أكتوبر    عاجل - أوفينا بالتزامنا.. هذه رسالة أميركية بعد هجوم إيران على إسرائيل    انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    ترتيب دوري أبطال أوروبا قبل مباريات يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    محمد إبراهيم: الزمالك تواصل معي وفضلت الإستمرار في سيراميكا عن الإنضمام إلى بيراميدز    مدير مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية يكشف ل"فيتو" تفاصيل حفل الافتتاح    أمين الفتوى: الأكل بعد حد الشبع حرام ويسبب الأمراض    على غرار الذهب، ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 2-10-2024 مع بداية التعاملات الصباحية    محمد إبراهيم: صدمت بمستوى إمام عاشور في السوبر ورفضت عرض بيراميدز    إصابة 5 أشخاص في مشاجرة بالشوم لخلافات المصاهرة في سوهاج    مصرع قائد تروسيكل في حادث تصادم سيارة ب صحراوي سوهاج    كسوف الشمس 2024، البحوث الفلكية توجه نداء للمواطنين قبل ساعات من حدوث الظاهرة    قفزة في سعر الكتكوت.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    إيران تكشف عدد الصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل    طريقة عمل الطحينة في البيت، بأقل التكاليف    دراسة خطرة: 740 مليون طفل ومراهق يعانون من قصر النظر في منتصف القرن    6 شهداء و17 مصابا في قصف إسرائيلي لمدرسة بمدينة غزة    7 قتلى في إطلاق نار في مدينة يافا بإسرائيل    نجم الزمالك السابق: هذا اللاعب كان يستحق التواجد في منتخب مصر    لحظات مؤثرة بتكريم نيللي ولطفي لبيب في مهرجان الإسكندرية.. صور    موعد مباراة يوفنتوس ولايبزيج في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    احتفالات في بيروت بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا في بيروت    بدء فحص طلاب المدارس بكفر الشيخ ضمن حملة القضاء على البلهارسيا    طريقة حل تقييم الأسبوع الثاني علوم للصف الرابع الابتدائي بعد قرار الوزير بمنع الطباعة    إليسا تسخر من إيران عقب الهجوم الصاروخي على إسرائيل.. ماذا قالت؟    محافظ أسيوط يؤكد أهمية المتابعة الدورية للقطاعات والمشروعات وسير العمل    برج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024: العند يهدد صحتك    تذكر أن الأمور ليست بهذا التعقيد.. برج الحمل اليوم 2 أكتوبر    بعد كشف هويته.. تفاصيل العثور على جثة شاب ملقاة بالزراعات في الأقصر    إيران: الرد على إسرائيل انتهى إلا إذا استدعت الأمور مزيدا من التصعيد    غرق طفل بترعة في العياط    "السقف ولع".. سيارتا إطفاء تواجه نيران شقة ببولاق أبو العلا    عبدالغفار: «100 يوم صحة» قدمت 97 مليون و405 آلاف خدمة مجانية في شهرين    لمرورها بأزمة نفسية.. التصريح بدفن جثة فتاة سقطت من أعلى عقار في المرج    أديمي يقود دورتموند لاكتساح سيلتك.. وإنتر يتجاوز ريد ستار برباعية في دوري الأبطال    عبد الواحد: تجديد زيزو في يده.. واستبعاد عمر جابر من المنتخب غريب    الداخلية يضم ميدو العطار لاعب الترسانة    سلمى أبو ضيف تهدد بمقاضاة المتنمرين على حملها (تفاصيل)    بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في رتبة التوبة    حازم إيهاب مازحا مع مخرج مسلسل انترفيو: "بيقول عليا غلبان ورغاي"    «أغنية كل أسبوعين».. ماذا حققت أغاني عصام صاصا التي طرحها خلال حبسه؟    إلهام شاهين: سعيدة بالتكريم في مهرجان المونودراما وأكره الحروب وأنادي بالسلام    المركزي: الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية في البنوك تتجاوز 7 تريليونات جنيه بنهاية أغسطس    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها بعد قرار وزارة المالية الجديد    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    ختام كورس ألف مُعلم كنسي "طور" بحلوان    عقوبة التحريض على الفسق والفجور وفقا للقانون    تقترب من النصف، زيادة جديدة في سعر دواء شهير لزيادة سيولة الدم ومنع الجلطات    هل الأكل حتى الوصول لحد الشبع حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    في اليوم العالمي للمُسنِّين .. كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟    خالد الجندى: من يؤمن بأن "السحر يضر" وقع فى الشرك بالله    رئيس جامعة المنوفية يستقبل المحافظ وسفير الاتحاد الأوروبي بالجامعة الأهلية    الرئيس السيسي يؤكد التزام الدولة الراسخ باستقلال القضاء بوصفه ركيزة دستورية أساسية    لشبهة الكيدية، النواب يرفض طلبا برفع الحصانة البرلمانية عن أحد الأعضاء    الرئيس السيسي: القضاء ركيزة دستورية أساسية والدولة ملتزمة باستقلاله    أذكار الصباح والمساء مكتوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضمير في القرآن الكريم
نشر في الفجر يوم 12 - 08 - 2014

الضمير من الأدوات الرابطة لأجزاء النص، يقوم مقام اللفظ الظاهر، فيُغني عن تكراره، ويصل الجُمَل بعضها ببعض، ويحيل ما هو لاحق على ما هو سابق، فيربط آخر الكلام بأوله.

والقرآن الكريم جاء على سَنَن العرب في نظم الكلام، فاستعمل الضمير بحسب لسانهم. وفيما يلي نقف على استعمال (الضمير) في القرآن، مبينين أغراضه، وقواعده، وأنواعه، ممثلين لكل ذلك من آيات الذكر الحكيم.

الغرض من استعمال الضمير

من المفيد أن نشير بداية إلى ابن الأنباري صنف كتاباً في تعيين الضمائر الواقعة في القرآن، وهو تصنيف فريد في بابه، ذكره الزركشي في "برهانه"، وتابعه السيوطي في "إتقانه".

وقد ذكر أهل اللغة أن الغرض الرئيس من استعمال الضمير هو الاختصار؛ قالوا: إن قوله سبحانه: {أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} في ختام آية: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} (الأحزاب:35) قام مقام عشرين اسماً لو أتى بها مظهرة. ونحو هذا ما نقله ابن عطية عن مكي قال: "قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} (النور:31) الآية، إنه ليس في كتاب آية اشتملت على ضمائر أكثر منها، وهي مشتملة على خمسة وعشرين ضميراً".

ومن أغراض استعمال الضمير تفخيم شأن صاحبه؛ حيث يُجْعل لكثرة شهرته كأنه يدل على نفسه، ويُكتفى عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته، والمثال عليه قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} (الدخان:3)، يعني: القرآن. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {فإنه نزله على قلبك} (البقرة:97).

ومن أغراض استعمال الضمير التحقير، كقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين} (البقرة:168)، يعني: الشيطان. وقوله: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف:27)، وهذا كثير، وهو من باب التحقير.

قواعد استعمال الضمير

استعمال الضمير في كلام العرب يخضع لقواعد لا بد من مراعاتها واعتبارها، وهي على النحو التالي:

- لا بد أن يتقدم على الضمير اسم ظاهر يدل عليه، ويعود إليه، فقوله تعالى في آية الدين: {فاكتبوه}، الضمير هنا يعود على (الدين) في بداية الآية، وهو قوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (البقرة:282)، وفي قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض} (الأنعام:112)، فقد أُخر المفعول الأول {شياطين الإنس والجن} ليعود الضمير {بعضهم} عليه لقربه.

وتأسيساً على هذه القاعدة قرر اللغويون أن الضمير إما أن يعود على اسم ملفوظٍ به سابقٍ له، نحو قوله تعالى: {ونادى نوح ابنه} (هود:42)، وقوله سبحانه: {وعصى آدم ربه فغوى} (طه:121).

أو يعود على لفظ متضمِّنٍ له، نحو: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة:8)، فإن الفعل {اعدلوا} يتضمن الاسم العائد إليه الضمير، وهو (العدل). ونحو هذا قوله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}، فأعاد الضمير في {منه} على {القسمة}؛ لما كانت بمعنى المقسوم؛ لدلالة {القسمة} عليه.

أو يدل عليه اللفظ بدلالة الالتزام، نحو قوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} (القدر:1)، أي: القرآن، فإن (الإنزال) يدل عليه التزاماً. ومنه قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} (البقرة:178)، ف {عفي} يستلزم (عافياً)، أعيد عليه الهاء من {إليه}.

وقد يأتي الاسم متأخراً لفظاً لا رتبة، نحو قوله عز وجل: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} (طه:67)، التقدير: فأوجس موسى خيفة في نفسه. نظيره قوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} (القصص:78)، والتقدير: ولا يُسأل المجرمون عن ذنوبهم.

وقد يأتي الاسم متأخراً مدلولاً عليه بدلالة الالتزام، نحو قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} (الواقعة:83)، فقد أُضمِرت (الروح) لدلالة {الحلقوم} عليها. نظيره قوله تعالى: {حتى تواترت بالحجاب} (ص:32)، أي: الشمس؛ لدلالة (الحجاب) عليها.

وقد يدل السياق على الاسم الذي يرجع إليه الضمير، فيُضمر ثقة بفهم السامع وعلمه، نحو قوله تعالى: {كل من عليها فان} (الرحمن:36)، أي: الأرض والدنيا. ومثله قوله سبحانه: {ما ترك على ظهرها من دابة} (فاطر:45). ونحو هذا قوله عز من قائل: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس} (النساء:11)، فالضمير يعود على الميت، ولم يتقدم له ذكر.

وقد يعود الضمير على لفظ المذكور دون معناه، نحو قوله سبحانه: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} (فاطر:11)، أُعيد الضمير على (غير المُعَمَّر)؛ لأن ذكر (المُعَمَّر) يدل عليه لتقابلهما. فكان يصاحبه الاستحضار الذهني. ومثله قوله عز وجل: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان} (يس:7)، فأعاد الضمير للأيدي؛ لأنها تصاحب الأعناق في الأغلال، وأغنى ذِكْرُ الأغلال عن ذكرها.

وقد يعود الضمير على بعض ما تقدم نحو قوله: {فإن كن نساء} وهو بعض من كل، وهو يعود على قوله سبحانه: {يوصيكم الله في أولادكم} (النساء:11). ومثله قوله عز وجل: {وبعولتهن أحق بردهن}، فإنه عائد على قوله سبحانه: {والمطلقات} (البقرة:228)، فإنه خاص بالرجعيات، والعائد عليه عام فيهن وفي غيرهن.

- ومن قواعد الضمير أيضاً عَوْده على لفظ شيء، والمراد به الجنس من ذلك الشيء؛ كقوله تعالى: {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} (النساء:135)، أي: بجنسي (الفقير) و(الغني)؛ لدلالة غنياً أو فقيراً على الجنسين، ولو رجع إلى المتكلم به لأفرد الضمير. نظيره قوله عز وجل: {وأتوا به متشابها} (البقرة:25)، فإن الضمير في {به} يرجع إلى (المرزوق) في الدارين جميعاً؛ لأن قوله سبحانه: {هذا الذي رزقنا من قبل} مشتمل على ذكر ما رزقوه في الدارين.

- ومن قواعده أيضاً أن يُذكر شيئان، ويُعاد الضمير إلى أحدهما، والغالب كونه الثاني، نحو قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة} (البقرة:45)، فأعيد الضمير ل {الصلاة}؛ لأنها أقرب. ونحوه قوله سبحانه: {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} (التوبة:62)، فأفرد الضمير في {يرضوه}، ولم يقل: (يرضوهما)؛ لأن الرسول هو داعي العباد إلى الله، وحجته عليهم، والمخاطِب لهم بأمره ونهيه، وذكر الله تعالى في الآية تعظيماً، والمعنى تام بذكر الرسول وحده.

قال ابن الأنباري: ولم يؤثر عود الضمير إلى الاسم الأول في القرآن كله إلا في موضع واحد، وهو قوله عز وجل: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} (الجمعة:11)، فخص (التجارة) بعَوْد الضمير {إليها}؛ لأنها كانت سبب (الانفضاض) عنه، وهو يخطب. قال: فأما كلام العرب فإن الضمير تارة يعود على الثاني، وتارة على الأول. وقد رد الزركشي قول الأنباري هذا، فانظره في "البرهان".

- ومن قواعده أيضاً أن يُذْكَرُ شيئان، ويعود الضمير جمعاً؛ لأن الاثنين جَمْعٌ في المعنى، كقوله تعالى: {وكنا لحكمهم شاهدين} (الأنبياء:78)، يعني حكم سليمان وداود، فعاد الضمير في {لحكمهم} جمعاً، وهما اثنان.

- ومن قواعده أيضاً أن يثنى الضمير، ويعود على أحد المذكورين نحو قوله سبحانه: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}، وإنما يخرج من أحدهما. نظيره قوله عز وجل: {نسيا حوتهما} (الكهف:61)، الحديث عن موسى وفتاه، فأعاد الضمير عليهما، وإنما نسيه الفتى.

- ومن قواعده أيضاً مجيء الضمير متصلاً بشيء، ويعود لغيره، نحو قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} يعني آدم: ثم قال: {ثم جعلناه نطفة} فهذه لولده، لأن آدم لم يُخْلق من نطفة. نظيره قوله سبحانه: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا} (الحج:78)، يتبادر إلى الذهن إن الضمير في قوله: {هو} عائد لإبراهيم عليه السلام؛ لأنه أقرب المذكورَين، وهذا غير مستقيم؛ لأن الضمير في قوله {هذا} راجع للقرآن، وهو لم يكن في زمن إبراهيم، ولا هو قاله. والصواب أن يقال: إن الضمير راجع إلى الله سبحانه، يعني هو سبحانه {سماكم المسلمين من قبل}، يعني في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلكم، وفي هذا الكتاب الذي أُنزل عليكم، وهو القرآن.

- ومن قواعده أيضاً أنه إذا اجتمعت ضمائر، فحيث أمكن عودها لواحد فهو أولى من عودها لمختلف؛ ولهذا لما جوَّز بعضهم في قوله تعالى: {أن اقذفيه في التابوت} (طه:39)، أن الضمير في {فاقذفيه في اليم} ل {التابوت} وما بعده، وما قبله ل موسى عابه الزمخشري، وجعله تنافراً ومُخْرِجاً للقرآن عن إعجازه، فقال: "والضمائر كلها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى {التابوت} فيه هجنة؛ لما يؤدي إليه من تنافر النظر"، قال: "فإن قلت: المقذوف في البحر هو {التابوت}، وكذلك المُلقى إلى الساحل. قلت -الزمخشري-: ما ضرك لو جعلت المقذوف والملقى إلى الساحل هو موسى في جوف التابوت؛ حتى لا تفرق الضمائر، فيتنافر عليك النظم، الذي هو قِوام إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدي، ومراعاته أهم ما يجب على المفسر". وقد عقب الزركشي على قول الزمخشري بقوله: "ولا مزيد على حسنه".

ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} (الفتح:9)، قال الزمخشري: "والضمائر لله عز وجل، والمراد بتعزيز الله: تعزيز دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فرق الضمائر فقد أبعد".

وقد يأتي من الضمائر ما تختلف مراجعه، كما في قوله سبحانه: {قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} (الكهف:22)، فإن الضمير في الجار والمجرور {فيهم} عائد على أصحاب الكهف، والضمير في الجار والمجرور {منهم} عائد لليهود.

- ومن قواعده أيضاً أنه إذا اجتمع في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى، بُدئَ باللفظ ثم بالمعنى، قال السيوطي: "هذا هو الجادة في القرآن"، والمثال عليه قوله سبحانه: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} (السجدة:18)، ف {مؤمنا} و{فاسقا} محمولان على لفظ (من)، و{لا يستوون} محمول على المعنى، بدليل قوله تعالى بعد: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (السجدة:19)، وقوله عز وجل: {وأما الذين فسقوا} (السجدة:20). ونحو هذا قوله تبارك وتعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} (الحج:19)، ف {هذان} محمول على اللفظ، و{اختصموا} محمول على المعنى.

ومن أمثلته أيضاً قوله سبحانه: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا} (الأحزاب:31)، بعودة الضمير {يقنت} مذكراً؛ رعياً للفظ {من}، ثم قال: {وتعمل} رعياً للمعنى، وهذا كثير.

قال العراقي: ولم يأتِ في القرآن البدء بالحمل على المعنى إلا في موضع واحد، وهو قوله سبحانه: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} (الأنعام:139)، فأنَّث {خالصة} حملاً على معنى {ما}، ثم راعى اللفظ فذكَّر، فقال {ومحرم}، ولم يقل: (محرمة). قال ابن الحاجب: إذا حُمِل على اللفظ، جاز الحمل بعده على المعنى، وإذا حُمِل على المعنى ضَعُف الحمل بعده على اللفظ؛ لأن المعنى أقوى، فلا يبعد الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ، ويضعف بعد اعتبار المعنى القوي الرجوع إلى الأضعف، وقال ابن خالويه: "وليس في كلام العرب الرجوع من المعنى إلى اللفظ إلا في حرف واحد استخرجه ابن مجاهد، وهو قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا} (الطلاق:11)، فقد وحَّد في قوله: {يؤمن} {ويعمل} و{يدخله}، ثم جمع في قوله: {خالدين}، ثم وحَّد في قوله: {أحسن الله له رزقا}، فرجع بعد الجمع إلى الإفراد".

وذكر بعضهم أن من هذا القبيل قوله تبارك وتعالى: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} (النساء:13) فقد أفرد {ومن يطع}، {ومن يؤمن} وجمع في قوله: {خالدين فيها}، فرجع بعد الجمع إلى الإفراد. وهذا التنويع في الحمل على اللفظ أو المعنى من بلاغة القرآن الكريم، ومن مظاهر تماسك نصه وانسجامه.

أنواع الضمير

الضمير على الجملة ثلاثة أنواع:

الأول: الضمير المتصل: وهو الضمير المتصل بالاسم، كالضمير المفرد المذكر والمؤنث، والمثنى والجمع. والأمثلة عليه ما تقدم.

الثاني: الضمير المنفصل: هو ضمير بصيغة المرفوع، مطابق لما قبله تكلماً وخطاباً وغيبة إفراداً وجمعاً، يقع بعد مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وقبل خبر كذلك، نحو قوله سبحانه: {وأولئك هم المفلحون} (البقرة)، وقوله تعالى: {وإنا لنحن الصافون} (الصافات:165)، وقوله عز وجل: {كنت أنت الرقيب عليهم} (المائدة:117)، قوله تبارك: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (هود:78). والأمثلة كثيرة في القرآن.

هذا، ولا محل للضمير المنفصل من الإعراب. وله ثلاثة فوائد: الإعلام بأن ما بعده خبر لا تابع. والتأكيد. والاختصاص.

الثالث: ضمير الشأن: ويسمى ضمير المجهول: قال في ابن هشام: "خالف القياس من خمسة أوجه. أحدها: عوده على ما بعده لزوماً؛ إذ لا يجوز للجملة المفسرة أن تتقدم عليه، ولا شيء منها. الثاني: أن مفسَّره لا يكون إلا جملة. الثالث: أنه لا يُتبع بتابع، فلا يؤكد، ولا يعطف عليه، ولا يبدل منه. الرابع: أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو ناسخه. الخامس: أنه ملازم للإفراد". ومن أمثلته قوله سبحانه: {قل هو الله أحد} (الإخلاص:1)، وقوله تعالى: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} (الأنبياء:97)، وقوله عز وجل: {فإنها لا تعمي الأبصار} (الحج:46). وفائدته الدلالة على تعظيم المُخبَر عنه وتفخيمه، بأن يذكر أولاً مبهماً ثم يُفَسَّر.

قال ابن هشام: "ومتى أمكن الحمل على غير ضمير الشأن، فلا ينبغي أن يُحمل عليه"، ومن ثم ضَعَّفَ قول الزمخشري في قوله سبحانه: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف:27) قال الزمخشري: "والضمير في {إنه } للشأن"، قال ابن هشام: "والأولى كونه ضمير الشيطان، ويؤيده قراءة (وقبيلَه) بالنصب، وضمير الشأن لا يُعطف عليه".

هذه جملة من أحكام الضمير والغرض منه وأنواعه، مع التمثيل لها من الآيات القرآنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.