يتعامل ضباط جهاز الأمن الوطنى – معظمهم من قيادات جهاز أمن الدولة المنحل – مع أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين بعقيدة ثابتة، إن الجماعة لا تلتزم بالعهود التى تقطعها على نفسها، وقد أثبتت التجارب ذلك قبل الثورة وبعدها.. فالجماعة تلعب لمصلحتها أولا.. وليذهب الجميع بعد ذلك إلى الجحيم. ورغم ذلك لم يتردد ضباط جهاز الأمن الوطنى فى عقد لقاءات مع عدد من قيادات جماعة الإخوان، وهى اللقاءات التى تم الاتفاق فيها على فتح صفحة جديدة، طلب فيها الأمن من الجماعة الالتزام بالعهود المبرمة وتنفيذ الاتفاقيات دون أى تلاعب أو خيانات.. وفى المقابل تعهد ضباط الجهاز بعدم ملاحقة أعضاء الجماعة على جميع المستويات أمنيا وعدم مضايقتهم بأى شكل من الأشكال.. والكف عن تلفيق الاتهامات لهم.. بل التعهد بحمايتهم من أى مخاطر قد يتعرضون لها فى المستقبل. لم يصمد اتفاق الأمن مع الإخوان كثيرا، فالجماعة انقلبت على المجلس العسكرى، وأصبحت تناصب الحكومة العداء، طمعا فى السلطة المطلقة. اعتقد الإخوان أنهم يمكن أن يواصلوا التحدى إلى النهاية، لكن عندما أعلن المجلس العسكرى تحديه للجماعة وأنه لا يقبل عملية الابتزاز السياسى التى تمارسها الجماعة، كان أن حاولت القيادات الإخوانية أن تتواصل مع قيادات الأمن الوطنى بحثا عن مخرج من المأزق الذى وجدوا أنفسهم فيه. مصادر أمنية أكدت لنا أن أحاديث ولقاءات تمت على مدار الأيام الماضية بين قيادات من جهاز الأمن الوطنى وقيادات من حزب الحرية والعدالة – الجناح السياسى وقيادات من مكتب إرشاد الجماعة. فى هذه اللقاءات استنكرت قيادات الأمن الوطنى وبشدة موقف الإخوان الأخير من المجلس والحكومة، بل اتهموهم بالتلاعب مرة أخرى والعودة لسابق عهدهم بعدم الالتزام بالاتفاقات والعهود، التى كانت تلزم الإخوان بعدم مهاجمة حكومة الدكتور كمال الجنزورى.. بل وعدم الانقلاب على المجلس العسكرى ودعمه خلال هذه الفترة الحرجة التى يشن فيها معظم القوى الثورية الهجوم والنقد عليه وعلى أعضائه. قيادات الأمن الوطنى ذكرت قيادات الإخوان المسلمين، أنه تم بالفعل الإفراج عن عدد كبير من جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك أبناء التيارات الإسلامية الأخرى، وقامت أجهزة بحماية الجماعة وتوفير الرعاية لها. أحد قيادات جهاز الأمن الوطنى قال لقيادات الجماعة: أنتم خالفتم الاتفاق بيننا ولم تصمدوا كثيرا، وهذا الهجوم على المجلس والحكومة سوف يكلفكم الكثير من المشاكل التى كان من الممكن تجنبها. قيادات الإخوان قالوا إنهم طالما دافعوا عن المجلس العسكرى، ولم يشتركوا فى أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، كما أنهم دافعوا أيضا عن وزير الداخلية والدكتور كمال الجنزورى فى أحداث بورسعيد رغم أن موقفهم كان ضعيفًا جدا، ولو كان الإخوان اشتركوا فى الهجوم عليهما لكان الموقف أصبح أكثر سوءا، ورغم أن الإطاحة بهما كانت حتمية فى هذا الوقت إلا أن للإخوان الفضل فى بقائهما. قيادات الجماعة أكملت أنه كانت لهم أدوار إيجابية طيلة الشهور الماضية، وحتى خلال أزمة البنزين لم ينتقدوا الحكومة بشكل صريح، ولكنهم مصدومون الآن من موقف المجلس العسكرى معهم، كما أنهم التزموا بالاحتفال بذكرى 25 يناير ولم يجعلوه استكمالا للثورة كما فعلت القوى الأخرى. ورغم وصلة «المعايرة» هذه إلا أن ردود قيادات الأمن الوطنى لم تظهر أى تعاطف أو تقدير لمواقف جماعة الإخوان أو ما يقولونه عن التزامهم السابق بعهود واتفاقيات الأمن معهم، فقد هددوهم بفتح ملفاتهم القديمة التى كانت موجودة فى أمن الدولة وانتقلت للجيش عقب قيام الثورة واقتحام مقرات أمن الدولة فى المحافظات، وتمت إعادتها مرة أخرى للأمن الوطنى بمدينة نصر. هذه الملفات –كما تشير قيادات الأمن الوطنى- تضم كل قيادات جماعة الإخوان المسلمين والأعضاء البارزين ومنهم على سبيل المثال محمد بديع المرشد العام، وخيرت الشاطر، ومحمد مرسى، وسعد الكتاتنى، ومحمد البلتاجى، عصام العريان ومحمد سليم العوا، ويضم ملف كل منهم جميع المعلومات والتحريات الخاصة به من منذ ولادته وحتى الآن، وجميع علاقاته واتصالاته ونقاط القوة والضعف عند كل منهم وتقارير خاصة بالتنصت على الهواتف الخاصة به وبعائلته وبالمقربين منه، والبيزنس الخاص به وحجم أمواله فى الداخل والخارج. كما تضم هذه الملفات أيضا التقارير الخاصة بعلاقاتهم مع أمن الدولة، سواء كانت علاقات صداقة تجمع بين الكادر الإخوانى بكادر أمنى، أو أن العلاقة كانت «تجنيد» وتتسم بالعمالة للأمن بمقابل أيا كان هذا المقابل سواء ماديًا أو غير ذلك. هذه الملفات – فى حال الإفراج عنها - من الممكن أن تفضح بعض الشخصيات الإخوانية التى لها صوت مرتفع الآن وهو ما قاله ضباط الأمن الوطنى بشكل واضح للقيادات الذين اتصلوا بهم على مدار الأيام الماضية، وهو ما سوف يحدث فى حين عدم تراجع جماعة الإخوان عن موقفهم السلبى من المجلس العسكرى وحكومة الجنزورى واستمرارهم فى استفزاز المجلس العسكرى. قيادات الأمن الوطنى هددت قيادات الإخوان أيضا بأنهم يمكن أن يعودوا إلى سابق عهدهم مع أعضاء الجماعة، خاصة ما يتعلق بملاحقة أعضاء الجماعة والحزب أمنيا، وأكدوا لهم أن ذلك «فى منتهى السهولة» على حد تعبير المصدر الأمنى، لأن الجماعة الآن فى موقف صعب وتختلق المشاكل وقوى كثيرة ترحب بذلك، ولن يقف معهم أحد على الرغم من أنهم يمثلون الأغلبية فى البرلمان، لأن مسألة أغلبية البرلمان جاءت بمباركة من العسكرى ومن الأمن الذى دعمهم كثيرا بعد قيام الثورة وحتى الآن، فلم يتم القبض على إخوانى واحد طوال العام الماضى.. وتم تجاهل أمور كثيرة كان من الممكن أن تزج ببعض منهم فى السجن، ولكن مسألة التجاهل هذه لن تدوم طويلا ومن الممكن اصطياد الأخطاء لهم وهى كثيرة. مصادر أمنية – ورغم التهديدات المتواصلة لقيادات الجماعة – أكدت أن الأمن الوطنى لن يكف عن محاولة لم الشمل مرة أخرى بين العسكرى والجماعة، ومعالجة الأزمة الدائرة الآن، التى من المتوقع حلها سريعا خلال الفترة القادمة فى حالة استجابة جماعة الإخوان المسلمين لما تطلبه الأجهزة الأمنية منهم.. وهو فى الغالب ما سيحدث