فى خارج قاعة المؤتمرات كان آلاف المتظاهرين يتوجهون بغضبهم وهتافهم ضد مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع ورئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتنى، كل الهتافات كانت ترفض خطف الاسلاميين للدستور مثلما خطفوا من قبل الثورة. الهتافات تتوالى «بيع بيع الثورة يابديع».. «قولوا لبديع والكتاتنى أنتم بقيتوا الحزب الوطنى».. «قال إيه 70% فكرناها لسه تكية» كانت أنباء تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور تتوالى، استبعاد أهم الاسماء والشخصيات فى الوطن وتكويش مطلق من الاخوان والسلفيين. كانت هذه الأنباء كفيلة بأن تفجر الغضب المشروع. بعد ساعتين امام قاعة المؤتمرات قررت الدخول للقاعة ومتابعة بعض ما يجرى من مسرحية الجمعية التأسيسية، فى نفس هذه القاعات كان جمال مبارك وأحمد عز يقيمان مسرحيتهما الهزيلة تحت عنوان «من أجلك أنت». وعندما أنهى الحزب الوطنى على جيل بأكلمه طور شعار «من أجل أولادك». ولكن اعترف بأن الاخوان فاقوا كل مؤتمرات ومسرحيات الحزب الوطنى جديده وقديمه وأن بعض أسرار المفاوضات بين الاخوان والقوى السياسية تكشف عن حقيقة مهمة هى أن الإخوان بدأوا من حيث انتهى عز وجمال مبارك. قاد عملية التفاوض مع القوى السياسية الاخرى القيادى بحزب الحرية والعدالة النائب محمد البلتاجى، ويملك البلتاجى صلات طيبة مع معظم النشطاء والسياسيين فى مصر، وللوصول إلى مرحلة المفاوضات النهائية اضطر البلتاجى إلى إجراء أكثر من مائة وخمسين اتصالا هاتفيا مطولا، واستخدم عبارات براقة من نوع التوافق والدستور التوافقى والاستفادة من الخبرات. لكن مراحل المفاوضات والتى جرى الجانب الاهم منها فى قاعة المؤتمرات يوم السبت الماضى وصلت لطريق مسدود. تمسك حزبا المصرى الديمقراطى والمصريين الاحرار بضم مجموعة من الشخصيات العامة صاحبة الخبرة والتاريخ الوطنى، والتى لا يمكن أن تخلو جمعية تأسيسية لدستور منها. كانت أهم هذه الاسماء الدكتور حسام عيسى والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والدكتور حازم الببلاوى والدكتور جلال امين والدكتور أحمد زويل وغيرهم، وبعد المفاوضات تمسكت الكتلة بضرورة ضم ثلاثة اسماء كحد ادنى للتوافق، وهذه الاسماء هى الدكتور حسام عيسى والدكتور حازم الببلاوى والدكتور أحمد كمال أبوالمجد، لكن الإخوان رفضوا بحجة المحافظة على العدد الممنوح لكل حزب. ووصل الامر إلى طلب النائبين زياد بهاء الدين وأحمد سعيد برفع اسمهما من القائمة مقابل أن يتم ضم هذه الاسماء، وقوبل هذا الطلب بالرفض، وفى مكتب الدكتور الكتاتني بقاعة المؤتمرات ظهر أغرب اقتراح لحل الازمة، وكان الاقتراح أن الاخوان لا يمانعون فى ضم هذه الاسماء المحترمة والوطنية ولكن ليس كأعضاء فى الجمعية التأسيسية، لكن كأعضاء فى الامانة الفنية، «على بلاطة» موظفين فى لجنة تأسيسية الإخوان. وقد كان هذا الاقتراح كفيلا بوقف المفاوضات السرية بين ممثلى القوى السياسية والليبرالية مع الاخوان، خلال المفاوضات المكومية تسرب اليأس برجل المفاوضات الدكتور البلتاجى، وفى احد اللقاءات فى مكتب الكتاتنى قال بحزن «الحكاية إخراجها وحش قوى، ومش ممكن تمريرها».. وسرعان ما تحولت كلمات البلتاجى إلى واقع، وبدأت الانسحابات تتوالى، ووصل قطار المقاطعة إلى حزب الكرامة، وهو احد الاحزاب التى تحالفت مع الاخوان فى الانتخابات. طبخة الجمعية التأسيسية كانت بالفعل مسمومة، واكتشف الجميع باستثناء الاخوان والسلفيين استحالة بلعها. بعد إعلان المقاطعة والانسحاب وفى الوقت الضائع بدأت جولة اخرى من المفاوضات السرية. ولكن مهما عقدت اجتماعات وجرت مفاوضات فالنتيجة واحدة وكاشفة. الاخوان بدأوا من حيث انتهى الحزب الوطنى، تعليقاتهم على الانسحاب تذكرك بمقولة الرئيس المخلوع «خليهم يتسلوا» فى إشارة للبرلمان الشعبى الذى تكون فى مواجهة آخر برلمان مزور قبل الثورة، فهل من قبيل المصادفة أن رموز هذا البرلمان قرروا اطلاق الجمعية الشعبية لكتابة الدستور. لجنة دستور بديلة وموازية ردا على تأسيسة دستور الاخوان الاحتكارية. ربما.. فقد علمتنا التجارب أن ثمن الاحتكار فادح وأخرته «سودا» على المحتكرين