هيئة الدواء تشارك في حلقة نقاشية عن مواد الخام الصيدلانية بمعرض فارماكونيكس    أول تعليق من الخارجية الأردنية على حادثة إطلاق النار على جسر الملك حسين    اتحاد الكرة يعلن عدم مشاركة الأهلي في كأس مصر النسخة المقبلة.. ماذا تقول اللائحة؟.. عاجل    بعثة منتخب مصر تصل بتسوانا    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة    تصل ل 1000 جنيه.. تعرف على غرامات مترو الأنفاق بعد مخالفة الانتظار    برج الميزان حظك اليوم الاثنين 9 سبتمبر 2024: حفل زفاف ينتظرك    كرارة والعوضي والكدواني وعمرو يوسف في عزاء والد طارق الجنايني    استشاري جهاز هضمي: الدولة بذلت مجهودات جبارة للقضاء على فيروس سي    أول تعليق من وزارة الدفاع السورية على غارات الاحتلال.. ماذا قالت؟    الأردن: نرفض استهداف المدنيين ونؤكد ضرورة معالجة جذور العنف    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2024 بعد قرار مجلس الوزراء (7 أيام عطلة في سبتمبر مدفوعة الأجر)    مدير مركز "عدالة ": استثناء التيار الإسلامي من قوائم المخلى سبيلهم يؤكد تسييس القضاء    مودريتش: سأعتزل فقط في هذه الحالة    ملف يلا كورة.. وصول صفقة الزمالك.. مشكلة مباراة المنتخب.. وجلسة أكرم توفيق    فرنسا ضد بلجيكا.. جدول مواعيد مباريات اليوم الإثنين 9 سبتمبر    حمد إبراهيم يكشف تطورات حالة إيهاب جلال الصحية    تنسيق المرحلة الثالثة.. موعد وخطوات تسجيل الرغبات على موقع التنسيق    نائب محافظ البحيرة يقود حملة مكبرة لإزالة التعديات على أملاك الدولة بدمنهور    السيطرة على حريق في منزل بالكيلو 17 بالإسماعيلية    موعد بدء العام الدراسي الجديد بالمدارس الرسمية والخاصة والدولية    تموين المنوفية: ضبط وإعدام 3 أطنان مواد غذائية فاسدة وتحرير 40 محضرا    محافظ البحيرة تفتتح معرض «أهلاً مدارس» بكفر الدوار بتخفيضات 30%    سعر الخيار والطماطم والخضروات في الأسواق اليوم الإثنين 9 سبتمبر 2024    بعد 12 عاما من عرضه.. أنوشكا تكشف عن مفاجأة لها مع عادل إمام قبل تصوير «فرقة ناجي عطا الله» (فيديو)    لبنى ونس تكشف عن أدوار تتمنى إعادة تقديمها وعلاقة محمد سامي بنجاحها (فيديو)    الآن.. تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. الموعد الرسمي لتسجيل الرغبات عبر الرابط المعتمد    وكيل صحة القليوبية يتفقد إدارتي طوخ وشبين القناطر ويحيل المتغيبين للتحقيق    اليوم| الحكم على شريكة سفاح التجمع المتهمة باستقطاب الفتيات    كولر يطالب الأهلي بحسم صفقة المهاجم ورد مفاجئ من الخطيب.. مدحت شلبي يكشف    رسميا يتخطى 3800 جنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 9 سبتمبر بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    طلاب جامعة القناة يؤدون امتحانات الفصل الصيفي    المدن الجامعية بطنطا جاهزة لاستقبال الطلاب في بداية العام الدراسي    محافظ دمياط يستقبل نائب رئيس بعثة أندونيسيا بالقاهرة لبحث التعاون    شارك صحافة من وإلى المواطن    رئيس جامعة دمنهور يشهد ختام النسخة الثانية من دورة إعداد المدربين T.O.T    سجل الآن.. تنسيق الدور الثاني للثانوية الأزهرية 2024 عبر الرابط الرسمى المفعل    "أكسيوس": الشكوك تتنامى في البيت الأبيض حول إمكانية التوصل لاتفاق حول غزة    د.حماد عبدالله يكتب: عاصمة جمهورية مصر العربية "القاهرة"!!    حدث بالفن| الموت يفجع أيمن بهجت قمر وفنانة تستئصل المرارة وأخرى تدعم شيرين    أبو تريكة يطمئن الجماهير في أحدث ظهور له بعد إجراء العملية الجراحة (صور وفيديو)    إسبانيا تكتسح سويسرا برباعية في دوري الأمم الأوروبية    موعد طرح آيفون 16 iphone في سلطنة عمان    ننشر أسماء ضحايا بالوعات الصرف الصحي بأطفيح    متحدث الصحة: ضخ أكثر من 271 صنف من الأدوية خلال أسبوع    هيئة الدواء تشارك في حلقة نقاشية عن مواد الخام الصيدلانية بمعرض فارماكونيكس    حبس وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة التلاعب في تراخيص المشروعات    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 9 سبتمبر 2024    الاتحاد الأوروبي يدرس حظر أموال مخصصة لسلوفاكيا بسبب التراجع الديمقراطي    «الإفتاء»: النبي كان يحتفل بمولده بصيام يوم الاثنين    علماء الصومال يجددون استنكارهم للاعتداءات الإثيوبية    الثلاثاء القادم.. التصويت لاختيار أعضاء مجلس النواب    الأطباء في كوريا الجنوبية يرفضون زيادة نسب الدارسين بكليات الطب ويطلبون تعديل الخطط بعد 2026    تعرف على رسوم تراخيص مشروعك وفقًا للقانون    أكلات غنية بالمكملات الغذائية ضرورية لصحة العين    رسميًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2024 في مصر (مدفوعة الآجر للقطاع الحكومي والخاص)    أمينة الفتوى: الأصل في سفر المرأة تكون بمحرم لكن الظروف تغيرت    أمين الفتوى يوضح مدى جواز أن تمتنع الزوجة عن زوجها بسبب تدخينه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصام زكريا يكتب : الأكل والجنس.. مثل الماء والشيكولاتة!
نشر في الفجر يوم 04 - 02 - 2014

الطعام ليس مجرد طعام. إذا كانت هناك غريزة أقوى من الجنس فهى بالتأكيد الجوع، وإذا كان هناك نشاط غريزى لا يستطيع الانسان أن يعيش بدونه فهو بالتأكيد الأكل. لكن الطعام ليس مجرد أداة لتسكين الجوع. الطعام ثقافة، وسياسة، وتعبير عن الشخصية والمجتمع وعلاقات السلطة والنفوذ، وتناول الطعام هو أيضا بديل وحليف للغرائز الأخرى وعلى رأسها الجنس، وهو كذلك تعبير عن سلسلة لا نهائية من المشاعر مثل الحب والكراهية والرغبة فى الاندماج والتعاون.. إلخ الخ.

كل هذه الأفكار وغيرها هى محور كتاب طريف ومختلف صدر أخيرا عن المركز القومى للترجمة بعنوان «أنثروبولوجيا الطعام والجسد» للباحثة الأمريكية كارول كونيهان وترجمة سهام عبدالسلام.

الكتاب الذى يتكون من 11 فصلا فى 380 صفحة يغطى عددا من العادات والأفكار والإنتاجات الثقافية المتعلقة بالطعام فى أنحاء مختلفة من العالم، وبالأخص إيطاليا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى فصل إضافى يضم بعض وصفات الأطعمة الشعبية. وبجانب كونه دراسة علمية موضوعية ومتعمقة فهو أيضا عمل ذاتى لامرأة عاشقة للطعام ومتعة المختلفة، فيما يمكن وصفه بأنه قصيدة علمية فى مديح الطعام والجسد!

يتناول الفصل الأول عادات الطعام لدى الشعوب المختلفة باعتبارها تعبيرا عن «السلطة»، power، التى تترجمها المترجمة إلى «القوة»، وهى كلمة لا تعطى المعنى السياسى المقصود فى الدراسات الحديثة.

تكتب المؤلفة: «يعبر الناس عن تميزهم وتفردهم ويدركونه من خلال وسيط الطعام، فالإنجليز يسمون الفرنسيين «ضفادع» بسبب عادة أكل أرجل الضفادع لدى الفرنسيين، التى يراها الإنجليز عادة بربرية».

قس هذه الجملة على ثقافات وعادات أخرى، وسوف تدرك أن الناس دائما ما يستخدمون الطعام كوسيلة للتميز عن بعضهم البعض.

وتكتب أيضا: «من الدلالات المثيرة للانتباه التى تميز الطوائف فى الهند اختلاف عادات الطعام وحظر تناوله مع الطوائف الأدنى. ومن الطرق التى يميز بها الأغنياء أنفسهم عن الفقراء أنواع الاستهلاك المختلفة».

قس معدلات تناول اللحوم فى مصر مثلا لتدرك كيف يستخدم اللحم باعتباره رمزا للتفوق الطبقى.

إن الجوع المزمن وسوء التغذية، كما تكتب المؤلفة، كانا دائما جزءاً من إستراتيجية ثقافية يستخدمها أفراد الصفوة السياسية للحفاظ على «سلطتهم» بجعل الفقراء ضعفاء خائرى القوى.

انظر حولك وسوف تتبين صحة هذه المقولة على المستويين المحلى والدولى، ومن قبل ممثلى السلطة فى أصغر قرية وحتى الدول الاستعمارية الكبرى.

وتضرب المؤلفة عبر كتابها أمثلة من الشعوب القديمة والحديثة منها مثلا ما تكتبه عن تاريخ طعام السكر الذى كان فى بداية اختراعه حكرا على الأغنياء الاستعماريين وكانوا يستخدمونه لعمل تماثيل يتفاخرون بها، ومع الوقت أصبح الفقراء يتهافتون على السكر لتقليد الأغنياء ولو على حساب المأكولات الغذائية الأخرى ما تسبب فى مزيد من تدهور صحتهم.

فكر: لو هناك دراسة مماثلة عن تاريخ السكر فى مصر، كم ستكون مفيدة وملهمة؟!

تتعرض المؤلفة عبر كتابها أيضا لموضوع النحافة وال«ريجيم»، أو النظم الغذائية، التى تدمنها نساء الطبقات الوسطى والغنية باعتبارها رمزا للجمال للرقى الطبقى والثقافى.

يجسد الطعام كما تقول المؤلفة مجالات متعددة من المعانى، أروعها ما يركز على العلاقة بين الجنسين، والفروق بين الجنسين وطبيعتيهما الجنسية. الطعام فى الكثير من الثقافات يعامل باعتباره تجربة جنسية. والطعام والجنس متداخلان مجازيا وحرفيا فى معظم الثقافات. فلدى هنود الموهينباكو مثلا فإن التعريف الحرفى لفعل «ممارسة الجنس» هو «الأكل حتى التخمة»، وهم ينظرون إلى الأعضاء الجنسية باعتبارها طعاما للطرف الآخر!

تناول الطعام مع شخص، أو مجموعة ما، عمل حميمى يرمز للارتباط الجنسى أو العائلى، وفى بعض الأحيان يتحول إلى خطر كبير حين يتم مع الشخص غير المناسب، بل تمنع عادات بعض القبائل والشعوب الخطيب من تناول الطعام مع خطيبته قبل أن يتم الزفاف رسميا على اعتبار أن تناول الطعام معا أمر لا يقل حميمية عن ممارسة الجنس. ولدى كثير من الشعوب فإن إهداء الأطعمة المختلفة، اللحوم والطيور لدى المجتمعات الفقيرة والشيكولاتة لدى الشعوب المتمدينة مثلا، يعد وسيلة جذب واغواء يستخدمها الرجل لكسب حب خطيبته.

وتخصص المؤلفة الفصل الرابع من الكتاب لدراسة هذه العلاقة بين الطعام والجنس التى تتجاوز كون الأكل وممارسة الجنس غريزتين للحفاظ على الحياة واستمرارها إلى التشابهات بين العمليتين وأنواع المتع الناجمة عنهما.

أما الصوم والامتناع عن تناول الطعام فقد استخدم دائما كوسيلة للتعبير عن التعالى على الغريزة الجنسية والعفة، وبينما شاع الصوم فى العصور الوسطى لدى الرهبان والزاهدين، خاصة لدى النساء، فقد تحولت «الحمية» أو برامج التخسيس فى العصر الحديث إلى بديل مماثل تعبر من خلاله النساء عن قوتهن وقدرتهن على التحمل والإدارة وتولى الأعباء المهنية.

وفى مجال الأديان، الوثنية والإبراهيمية على السواء، يستخدم الطعام أو نوعيات معينة منه أو الامتناع عن تناوله كليا أو جزئيا أو تقديم القرابين والأضحيات إلى الآلهة، كوسائل للتعبير عن قيم دينية كثيرة، مثل المشاركة الوجدانية والجسدية مع الإله من خلال أكله حرفيا أو رمزيا، أو التعبير عن الزهد والتسليم له بالتنازل عن الطعام من أجله أو من أجل الفقراء، أو الاعتقاد بشكل عام أن هناك أطعمة مقدسة حلالا وأخرى مدنسة حراما.. الخ.

وقد أشار علماء الأنثروبولوجى– دراسة الشعوب- وعلم النفس إلى العادات المتعلقة بالأكل والجسد لدى بعض الشعوب البدائية، حيث تقوم بعض القبائل حرفيا بأكل الموتى، لتكريم ذكراهم أو للحصول على قوتهم، كما درسوا أيضا قواعد وآداب تناول الطعام لدى المجتمعات والطبقات المختلفة، حيث تعبر هذه القواعد عن ثقافة هذا المجتمع وانتمائه الطبقى والعرقى والجنسى.

إذا كان الطعام الموجود فى الطبيعة هو تعبير عن الطبيعة فقط، فإن «أنسنة» هذا الطعام من خلال طهيه ومزجه وأكله بطريقة معينة هو تعبير عن الثقافة والتطور البشرى.

تفحص المؤلفة أيضا الأمثلة الشعبية وحكايات الأطفال والاعلانات والأفلام التى تتناول الطعام والمعانى التى يرمز لها، ومن الأمثلة التى تفحصها بعناية فيلم «مثل الماء للشيكولاته» المأخوذ عن رواية مكسيكية شهيرة للأديبة لورا سكويفيل، والعنوان فى حد ذاته تعبير إسبانى مألوف يجسد العلاقة المتشابكة بين الأكل والجنس، على طريقة التعبيرات المصرية مثل « السكينة فى الزبدة»، وهو يشير إلى حالة الحب الذى يتملك النفس كلها مثل الشيكولاته التى تذوب فى الماء. والكاتبة تدرس تقنيات الرواية والكيفية التى استخدم بها الطعام كوسيلة لنقل العواطف العميقة من حب واهتمام وغضب وإحباط!

فى فصل مثير وجدير بالمقارنة مع مصر تدرس مؤلفة كتاب «أنثروبولوجيا الطعام والجسد» التغيرات الاجتماعية فى إحدى القرى الإيطالية الصغيرة والفقيرة من خلال رصد وسائل إنتاج وصنع الخبز الذى يعتمد عليه سكان القرية بشكل أساسى، الذين اعتادوا لقرون أن يخبزوه فى منازلهم ولكن مع غزو الحداثة انخفض دور الخبز الاقتصادى وحلت الأفران العامة محل الفران المنزلية وهو ما ترك تأثيرا كبيرا على حياة أهل القرية وعاداتهم وطقوسهم واحتفالاتهم الاجتماعية بل وأمثلتهم الشعبية أيضا.

العلاقة بين الطعام والسياسة والثورات الاجتماعية تتعرض لها المؤلفة عبر كتابها بشكل عابر، لكنه يذكرنا بشعار الثورة المصرية الذى احتل فيه رغيف الخبز الأولوية قبل الحرية والكرامة!

وفى فصل آخر تدرس انتاج الطعام فى مدينة إيطالية أخرى هى «فلورنسا» لتبين كيف أن النساء اللواتى يسيطرن تقريبا على عمليات إعداد الأطعمة وطهيها وتقديمها يعبرن من خلال هذه السيطرة عن قوتهن وأنوثتهن ووجودهن الاجتماعى. وكما يشير أحد الباحثين الذين تقتبس المؤلفة أفكارهم فإن «الطعام الذى يتدفق من الثدى أولا ثم من الفرن والموقد.. هو تذكرة دائمة بأن الأم وحدها هى التى تشبع الاحتياجات الأكثر بدائية.. وأنها حين تطعم الزوج والأطفال يكونون خاضعين لها وفى منزلة أدنى منها» ولو على المستوى النفسى فقط.

ومن إيطاليا إلى الولايات المتحدة تنتقل الكاتبة لدراسة الهوس بالنحافة لدى النساء المحدثات، وقواعد الطعام السائدة باعتبارها تعبيرا عن القيم الغربية الحديثة مثل الفردية والسيطرة والتراتب الطبقى، وتدرس المؤلفة مثلا الأفكار الشائعة حول الأطعمة الجيدة والأطعمة المضرة لدى طلبة الجامعة ومقارنتها بعادات الأجيال الأقدم والأكثر ريفية، كما تدرس العلاقة بين الطعام واللذة والاحتفال، حيث تعد العطلات والأعياد فرصة للأكل والشرب بدون حسابات أو موانع.

وفى واحد من أطرف فصول الكتاب تدرس المؤلفة الخيالات المتعلقة بالطعام لدى الأطفال، والتى تعبر بوضوح عن هويتهم الجنسية وحالاتهم النفسية وعلاقاتهم بالوالدين خاصة الأم.

الكتاب رحلة ممتعة من كل النواحى لا تقل عن تناول وجبة شهية أو إقامة علاقة حميمة، ذكرتنى شخصيا بالعلاقة بين المعرفة والكتب وبين الجنس والأكل وبالتعبير الشائع فى كثير من اللغات: «إنه يلتهم الكتب»، أو «إنه فأر كتب»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.