«الخروج الآمن» هذا هو شعار المرحلة الذى تفرضه حالة تخبط واضحة للقائمين على إدارة شئون البلاد، كانوا يحتاجون إلى «خروج آمن» من السلطة، والآن يحتاجون إلى «خروج آمن» من مآزق قضية التمويل الأجنبى، تلك القضية التى توقعوا أن تكون طوق النجاة للإفلات من حالة الغضب الشعبى التى تطاردهم، لكن الضجة التى صاحبتها على المستوى الداخلى والخارجى جعلت منها طوفاناً لا تقوى أيديهم المرتعشة على مواجهته، والأهم أن القضية لم تعد تصلح كشماعة لأخطاء كثيرة اقترفوها، خاصة بعدما تبين أن المنظمات الأجنبية الخمس التى تحوم حولها الشبهات فى تلك القضية، كانت توجه ما لديها من دعم إلى الحزب الوطنى المنحل.. ثم تحول دعمها بعد الثورة لأحزاب وكيانات يتصدرها أصحاب المرجعية الدينية التى تحظى أيضا بثقة ودعم القائمين على إدارة شئون البلاد. المنظمات الخمس التى وجهت لها التهم وهي: المعهد الجمهورى الدولى، والمعهد الديمقراطى، و«فريدم هاوس»، والمركز الدولى للصحفيين، جميعها أمريكية، بالإضافة إلى «كونراد أديناور» الألمانية، جميعها كانت تمارس أنشطتها تحت سمع وبصر النظام السابق، الذى رفض منحها التراخيص حتى يضمن خضوعها لرغباته، وكلما تقدمت بطلب للترخيص يأتى الرفض لدواع أمنية بناء على توصيات هيئة الأمن القومى. وكشفت المصادر المطلعة أن المنظمات الأجنبية لم تكن بحاجة إلى تراخيص، لأن فساد النظام السابق كان يمنحهم كل سبل التعاون الرسمى وغير الرسمى، مادامت لم تخرج عن الإطار المحدد لهم، وهو ما جعل تلك المنظمات تكتفى بتقديم طلب ترخيص مرة واحدة فقط عام 2005 ورغم رفضه استمر عملها بصورة طبيعية. اندلاع الثورة وتغيير النظام دفع المنظمات الخمس، التى وجهت لها التهم فى القضية إلى تقديم طلبات جديدة للحصول على ترخيص، قدموها لوزير الخارجية نبيل العربى ورفضها، وقدموا غيرها لوزير الخارجية محمد العربى ورفضها أيضا، فما كان منها إلا أن زادت من أعداد مقاراتها لأكثر من 20مقرا، وزيادة مبالغ الدعم المخصص لها ليصل إلى 55 مليون دولار، ثم تحملت نصفها وزارة الخارجية الأمريكية والنصف الآخر تم استقطاعه من المعونة الأمريكية لمصر. وذكرت المصادر أن نشاط هذه المنظمات تحول من دعم الحزب الوطنى إلى تمويل وتدريب أحزاب أخرى خاصة الدينية، وبلغ إجمالى الأحزاب السياسية التى انتقل لها التدريب والتمويل47 حزبا سياسيا.. فى مقدمتهم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفى.. وحصلا وحدهما على أكثر من60% من إجمالى التمويل الأمريكى البالغ 55مليون دولار، كانت تنفق لبرامج تدريب سياسى ودعم إعلامى لحشد الناخبين لصالحهما.. من خلال أنشطة وورش عمل ودورات تدريبية. كما كشفت المصادر أن «كونراد أديناور» الألمانية إحدى المنظمات الخمس المتورطة فى ملف القضية- لديها تعاون وثيق بالكيان الإسرائيلى، ومقرها الرئيسى فى تل أبيب، ولديها فرعان فى الشرق الأوسط أحدهما فى مصر والآخر فى الأردن، وكل ما يدور فيهما يصب فى النهاية لدى الإسرائيليين. من جانب آخر كشفت المصادر أن قاضيا التحقيق بملف قضية التمويل الأجنبى، أصدرا قرارا بتجميد مبلغ 95 مليون دولار الأسبوع الماضى.. تم إيداعها بالبنك الأهلى المصرى بعد الثورة، وتخص جمعية محمد علاء مبارك الخيرية والتى تدار بمعرفة الابن الأكبر للرئيس المخلوع وزوجته هايدى راسخ، وجاء القرار احترازيا لمنع التصرف فى تلك الأموال.. بعدما كشفت التحريات الأولية عن إدارة تلك الأموال فى أعمال مجهولة.. وربما تكون تخريبية. وذكرت المصادر أن التحريات أيضا تشير إلى تورط بعض الجمعيات الخيرية الشهيرة التى تعمل على جمع التبرعات لصالح الأيتام، ومن المتوقع أن تنتهى التحقيقات بالكامل فى القضية فى شهر مارس. وفى تصريحات خاصة قال المستشار أشرف العشماوى القاضى المنتدب من محكمة استئناف القاهرة للتحقيق فى ملف التمويل الأجنبى، إن التحقيقات بدأت فى الفترة من أول مارس عام2011 واستمرت حتى 29 ديسمبر الماضى، وأن المسئولية القانونية للمتهمين لم تتم بأثر رجعى. وأضاف أن التحقيقات جرت بناء على ما أسفرت عنه لجنة تقصى الحقائق، برئاسة المستشار عمر الشريف مساعد وزير العدل لشئون التشريع، وتم انتدابى للتحقيق وكذلك الزميل المستشار سامح أبوزيد، وتم طلب التحريات من جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطنى وهيئة الأمن القومى ووزارات الداخلية والخارجية والتعاون الدولى والشئون الاجتماعية، حتى ثبتت إدانة المنظمات الخمس المحالة للجنايات بناء على مواد القانون «98ج،د،ه» والتى تصل العقوبة بناء عليها إلى الحبس لمده 5 سنوات.. وغلق المقار ومصادرة الأجهزة والمضبوطات التى استعملت فى الجريمة. وعن الخرائط المضبوطة بالمعهد الجمهورى الدولى بالدقى، والتى قيل إنها جزء من مخطط نشر الفوضى وتقسيم مصر إلى 4 دول، قال قاضى التحقيق إن تلك الخرائط ضبطت بالفعل، وبعضها يحمل تعديلاً باليد بقلم أحمر، وتم إرسالها إلى «هيئة المساحة الجغرافية» لتضع تقريراً بخصوصها، وجاء فيه أن هذا التعديل اليدوى يقسم مصر لأربع دول، بخلاف تعديل لحدود مصر الجنوبية، لكن التقرير ذكر أن هذه الخرائط «عادية» يمكن اقتناؤها، ولأننا لم نعثر على تقارير تدعو لتقسيم مصر باستثناء الخريطة وهى ليست محل جريمة أو اتهام، خاصة أنه تمت مواجهة المتهمين بالخريطة فأنكروا جميعا علمهم بأى شىء عن هذا التعديل أو التقسيم الموجود بها. وشدد قاضى التحقيق على أن مصطلح «مخطط تقسيم مصر» هو مصطلح إعلامى، لكنه ليس جرماً موجه للمتهمين، وذلك لانتفاء القصد من الخريطة وعدم تحقيقه وهو تعديل الحدود والتقسيم، وبالتالى لا يمكن توجيه مثل هذا الاتهام لهم. فى المقابل نفى قاضى التحقيق أن يكون للقضية أى بعد سياسى قائلا «إن السياسة لو تدخلت فى القانون تفسده والقانون إذا حكم السياسة يصلحها»، وأكد أن لجنة التحقيق لم تلتفت لما ينشر عن القضية فى الداخل أو الخارج وتمت إحالة المتهمين إلى المحكمة التى لها أن تحكم بالحبس أو البراءة. السنة الخامسة - العدد 433 - الاثنين - 03/05 /2012