دعا البابا بنديكت السادس عشر، اليوم الأحد، الكنيسة إلى "تجديد نفسها" و"التوجه مجددًا إلى الله"، وذلك في القداس ما قبل الأخير في حبريته التي ستنتهي في 28 فبراير لدى دخول استقالته حيز التنفيذ. وقال البابا من شرفة القصر البابوي أمام أكثر من 50 الف شخص تجمعوا لحضور هذا القداس في ساحة القديس بطرس ان "الكنيسة الأم والمعلمة تدعو جميع أعضائها للتجدد في الروح، والتوجه مجددًا بعزم نحو الله، من خلال نبذ الكبرياء والأنانية للعيش في المحبة".
وأضاف بحسب الترجمة العربية لكلمته كما أوردها الموقع الرسمي لاذاعة الفاتيكان أن "الصوم في سنة الايمان التي نعيشها أيضا، يشكل زمنا ملائما لإعادة اكتشاف الإيمان بالله، كأساس لحياتنا وحياة الكنيسة. ويقتضي ذلك دوما جهادا روحيا، لأن روح الشر تسعى لإبعادنا عن طريق الله".
وتابع "ان المجرب ماكر، إذ لا يدفع مباشرة نحو الشر، إنما نحو خير مزيف باطل من خلال الايهام بأن الوقائع الحقيقية هي السلطة وما يلبي الحاجات الأولية".
واكد البابا انه "لا ينبغي الخوف من الجهاد ضد روح الشر: المهم أن نفعل ذلك مع المسيح، المنتصر. ولنطلب شفاعة مريم العذراء بثقة بنوية في ساعة التجربة، فهي ستجعلنا نشعر بقوة حضور ابنها الإلهي".
واضاف "في اللحظات الحاسمة للحياة، وفي كل لحظة، نحن أمام مفرق طرق: أنريد اتباع الأنا أم الله؟ المصلحة الفردية أم الخير الحقيقي، أي ما هو خير حقا؟".
وتدفق عشرات آلاف المؤمنين على ساحة القديس بطرس لحضور هذا القداس، وزاد عدد الحاضرين على 50 ألفا بحسب الفاتيكان في حين أكدت بلدية روما أن عدد المحتشدين فاق 100 الف، مشيرة الى ان الشرطة اغلقت جادة فيلا ديل كونسيلياسيوني المؤدية الى الفاتيكان.
وما ان اطل البابا من نافذة مكتبه الخاص في القصر الرسولي حتى رددت الحشود الغفيرة التي تجمعت تحت انظاره، وهي بغالبيتها من الايطاليين، اسمه بالايطالية "بينيديتو"، في حين اخذ بعضهم يلتقط صورا بكاميرات هواتفهم المحمولة لهذه اللحظة التاريخية.
ورفع العديد من الحاضرين في هذا الحشد الغفير الذي ضم خصوصا عائلات ومسنين وراهبات، لافتات كتب على بعضها "غراتزي" و"دانكي" اي شكرا باللغتين الايطالية والالمانية، اللغة الام للبابا الالماني. من جهتهم رفع شبيبة في الكشافة لافتات كتب عليها "نحبك حبا جما".
وبالنسبة الى البعض فان دعوة البابا هذه للكنيسة الى التجدد" و"الجهاد الروحي" مردها الازمة الراهنة التي تعيشها الكنيسة في مواجهة تحديات العالم الحديث والخلافات في صفوف السلك الكهنوتي.
ولم يتطرق البابا الى الاسباب التي دفعته الى اعلان استقالته، التي ستدخل حيز التنفيذ ليل 28 الجاري، ولكنه وجه تحيات إلى المؤمنين بلغات عدة وقال "أشكركم على حضوركم بأعداد كثيرة... إنها أيضا علامة محبتكم وقربكم الروحي الذي أظهرتموه هذه الأيام. أشكر جميع سكان مدينة روما الحبيبة".
وأضاف "سيبدأ هذا المساء أسبوع الرياضة الروحية: فلنتحد بالصلاة". الرياضة الروحية تعني خلوة صلاة تستمر اسبوعا اعتبارا من الساعة 17,00 تغ.
وقد حرص بنديكتوس السادس عشر على مغادرة الفاتيكان في 28 فبراير من دون احتفالات. فبحسب جدول اليوم الاخير لحبريته سيصل الى كاستل غندولفو على متن مروحية في الساعة الخامسة بعد الظهر، يتناول العشاء، يودع الموظفين ثم يتلو صلاة في الكنيسة الصغيرة. وفي الساعة الثامنة يصبح بابا سابقا.
وفي اليوم الاخير، بعد حوالى ثماني سنوات على كرسي بطرس، سيودع الكرادلة الموجودون في روما يوزف راتسينغر (85 عاما) في قاعة كليمنتين الفخمة في الفاتيكان. وفي بداية الاسبوع، قال الأب اليسوعي فيديريكو لومباردي المتحدث باسم الكرسي الرسولي "لا تتوقعوا وداعا احتفاليا رسميا جدا. لن يقام احتفال كبير تتخلله خطابات مسهبة".
ومواعيده في الايام الاخيرة من حبريته غير مثقلة. فيوم السبت في 22 فبراير، سيستقبل رئيس الجمهورية الايطالية الشيوعي السابق جورجيو نابوليتانو الذي تربطه به صداقة، في زيارة بروتوكولية. ويوم الاحد، سيخاطب من شرفة شقته المصلين في ساحة القديس بطرس في آخر صلاة تبشير. وسيلتقي يوم الاثنين بعض الكرادلة، ويخلو يوم الثلاثاء من اي نشاط.
اما يوم الوداع الحقيقي، فسيكون الاربعاء خلال اللقاء العام صباحا في ساحة القديس بطرس على رغم الطقس البارد، وفي هذا اليوم، دعا الفاتيكان الكاثوليك الى المجيء بأعداد غفيرة للاعراب عن محبتهم للبابا المستقيل.
وباستثناء بنديكتوس السادس عشر لم يسبق أن استقال أي بابا من كرسي القديس بطرس إلا البابا سيليستين الخامس في 1924 وذلك بعد خمسة أشهر على انتخابه، وقد عاد بعدها إلى حياته كراهب متنسك.
وبعد انتهاء صلاة التبشير الملائكي قرعت أجراس الفاتيكان في حين كانت الحشود الغفيرة تغادر المكان.
والأحد استمرت التكهنات بشأن هوية البابا المقبل، ففي حين يراهن البعض على ان الوقت حان لكي يتولى سدة الكنيسة بابا من افريقيا، القارة التي تضم مع أمريكا اللاتينية وآسيا القسم الأكبر من المؤمنين الكاثوليك في العالم، ورهانهم يذهب في هذه الحال الى الكاردينال الغاني بيتر توركسون (64 عامًا)، فإن آخرين يتوقعون انتخاب الكردينال الكندي مارك أوليت (68 عامًا) وهو محافظ افكاره قريبة من أفكار البابا المستقيل.