الآن.. رابط نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها رسميًا (استعلم مجانًا)    بعد ارتفاعها 400 جنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    واشنطن تطلب من مواطنيها مغادرة لبنان فورًا    حزب الله يعلن استهداف قاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرق حيفا    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    يوسف أيمن: جماهير الأهلي الداعم الأكبر لنا.. وأفتقد محمد عبد المنعم    خالد جلال: قمة الأهلي والزمالك لا تخضع لأي لحسابات    أحمد فتحي يوجه رسالة مؤثرة إلى جماهير الأهلي بعد اعتزاله.. ماذا قال؟    «عيب اللي قولته واتكلم باحترام».. نجم الزمالك السابق يفتح النار على أحمد بلال    عاجل- أمطار ورياح.. تحديثات حالة طقس اليوم الأحد    أستاذ مناخ: نتوقع حدوث السيول في فصل الخريف بنسبة 100%    نقل آثار الحكيم إلى المستشفى إثر أزمة صحية مفاجئة    إسماعيل الليثى يتلقى عزاء نجله بإمبابة اليوم بعد دفن جثمانه ليلا بمقابر العائلة    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    أحمد سعد يعلن عودته لزوجته علياء بسيوني.. ويوجه رسالة للمطلقين (فيديو)    احتفالية كبرى بمرور 100سنة على تأسيس مدرسة (سنودس) النيل بأسيوط    اليوم.. محاكمة مطرب المهرجانات مجدي شطة بتهمة إحراز مواد مخدرة بالمرج    أضف إلى معلوماتك الدينية | حكم الطرق الصوفية وتلحين القرآن.. الأبرز    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 سبتمبر بعد الانخفاض بالبنوك    الدفاعات الإسرائيلية تحاول التصدي لرشقات صاروخية أطلقها حزب الله.. فيديو    وزير الدفاع الأوكراني: الغرب وعدنا بأموال لإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة    الموزب 22 جنيهًا.. سعر الفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024    أحمد شكري: كفة الأهلي أرجح من الزمالك في السوبر الإفريقي    لاعبو الأهلى يصطحبون أسرهم خلال الاحتفال بدرع الدورى 44.. صور    مواجهة محتملة بين الأهلي وبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال إفريقيا    وزير الشباب والرياضة يشيد بحرص القيادة السياسية على تطوير المنظومة الرياضية    عاجل.. بدء حجز وحدات سكنية بمشروع «صبا» للإسكان فوق المتوسط بمدينة 6 أكتوبر    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأوزبكستاني أوجه التعاون وعلاقات البلدين    الخارجية الأمريكية تطالب رعاياها بمغادرة لبنان    مش كوليرا.. محافظ أسوان يكشف حقيقة الإصابات الموجودة بالمحافظة    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    نشأت الديهي: الدولة لا تخفي شيئًا عن المواطن بشأن الوضع في أسوان    نشأت الديهي: الاقتصاد المصري في المرتبة ال7 عالميًا في 2075    صيادلة المنوفية تُكرم أبنائها من حفظة القرآن الكريم    محمد حماقي يتألق في حفل بالعبور ويقدم «ليلي طال» بمشاركة عزيز الشافعي    «موجود في كل بيت».. علاج سحري لعلاج الإمساك في دقائق    جثة أمام دار أيتام بمنشأة القناطر    اندلاع حريق بمحال تجاري أسفل عقار ببولاق الدكرور    خبير يكشف عن فكرة عمل توربينات سد النهضة وتأثير توقفها على المياه القادمة لمصر    الصين وتركيا تبحثان سبل تعزيز العلاقات    محافظ الإسماعيلية يناقش تطوير الطرق بالقنطرة غرب وفايد    رئيس شعبة بيض المائدة: بيان حماية المنافسة متسرع.. ولم يتم إحالة أحد للنيابة    شاهد عيان يكشف تفاصيل صادمة عن سقوط ابن المطرب إسماعيل الليثي من الطابق العاشر    استدعاء ولي أمر يرفع لافتة كامل العدد بمهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي ال14    أخبار × 24 ساعة.. طرح لحوم مجمدة ب195 جنيها للكيلو بالمجمعات الاستهلاكية    احذر تناولها على الريق.. أطعمة تسبب مشكلات صحية في المعدة والقولون    نشرة التوك شو| انفراجة في أزمة نقص الأدوية.. وحقيقة تأجيل الدراسة بأسوان    د.حماد عبدالله يكتب: "مال اليتامى" فى مصر !!    5 أعمال تنتظرها حنان مطاوع.. تعرف عليهم    خبير لإكسترا نيوز: الدولة اتخذت إجراءات كثيرة لجعل الصعيد جاذبا للاستثمار    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    الحكومة تكشف مفاجأة عن قيمة تصدير الأدوية وموعد انتهاء أزمة النقص (فيديو)    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل حمودة يكتب : مشاهد شخصية من كواليس يناير الخفية
نشر في الفجر يوم 28 - 01 - 2013


مؤامرة الكبار على ثورة الصغار!

■ كتبنا: يذهب مبارك وتبقى مصر.. فقال لى زكريا عزمى غاضباً: سوف نعلق رقبتك فى ميدان التحرير

■ عمر سليمان سأل طنطاوى: عاوزين منى حاجة: فقال له: شكرا إحنا خلاص قفلنا قصر الاتحادية ■ سمع سليمان خبر استبعاده من انتخابات الرئاسة فقال لى: طنطاوى بيخلص الحسابات القديمة

فى وقت ضيق مخنوق كان على مجلس تحرير «الفجر» تجهيز عدد جديد للنشر.. لم يكن تحت يدنا صفحة واحدة جاهزة.. فلا أحد منا جاء بما عليه من أخبار وتحقيقات.. ولا كتب ما يلتزم به من مقالات.. بل.. لا أحد فكر فيما سيكتب.. فيما سنخرج به إلى القارئ الذى ينتظرنا بعد ساعات قليلة.

كان ذلك مساء الثلاثاء 25 يناير 2011.. وواضح من التاريخ الذى يمر عليه اليوم عامان السبب.. الثورة التى أيقظت التاريخ من سباته.. قبل أن تخرجنا من حيرتنا.. ونفخت عروقنا بدماء الغضب.. بعد أن سدت بدهون سامة من اليأس.

كنا نعرف أن اليوم سينفجر بتظاهرات دعت إليها صفحات إلكترونية مثل «كلنا خالد سعيد» وحركات احتجاجية مثل «6 إبريل».. تعمدت أن تكون فى عيد الشرطة.. كراهية.. وانتقاما.. وتدميرا.. ولكن.. انتصف النهار.. ودخلت الشمس بيت العصر.. واستعدت للغروب وليس فى الشوارع حسا أو خبرا.. هتافا أو بشرا.

بل.. إننى عندما اتصلت برموز معارضة تعودت التظاهر.. أسألها واستفسر منها.. وجدتهم فى بيوتهم يتناولون طعام الغداء.. وسمعت منهم.. أنهم خرجوا.. وتظاهروا.. واحتجوا.. وعادوا إلى فراشهم يجهزون اللحاف الذى سيواجهون به برد الليل.

لكن.. ما أن عاد الكبار إلى البيوت حتى خرج الصغار إلى الشوارع.. التقوا فى تجمعات متناثرة.. عند أماكن محددة.. ثم مشوا فى مسيرات أخذت طريقها إلى التحرير.. الفرد أصبح جماعة.. والجماعة أصبحت مظاهرة.. والمظاهرة أصبحت ثورة.. ثورة لم يتوقعها أحد.. لا الذين فجروها.. ولا الذين قاوموها.. ولا الذين تابعوها.. جنين كامن سنوات طويلة فى أحشاء الأمة.. ولد مكتملا.. بعد أن شخص الأطباء حالة الانتفاخ بأنه حمل خارج الرحم.

لم تكن الصورة واضحة.. ولا الثورة مؤكدة.. وهو موقف حرج على من يمسك العصا من النصف.. يؤيد.. يسكت.. يراقب.. يعارض.. اختيار صعب.. لكننا.. بلا تردد خرجنا بموقف واضح.. لا لبس فيه.. وكان المانشيت الرئيسى للعدد الذى طبع بعد ساعات قليلة: «يوم القيامة فى مصر».. «النظام يدفع فاتورة ثلاثين سنة فقرا وقهرا وتعذيبا وفسادا».. وكان ما خرجنا به.. متوقعا منا.. فقد كنا أكثر الصحف المستقلة مواجهة للنظام.. وكان محررونا أكثر الصحفيين ترددا على النيابات والجنايات.. وعقابا بالغرامات.. ملفات الأرشيف القضائى لا تكذب.. ولا تزور.

فى يوم الثلاثاء التالى.. تكرر نفس الموقف الصحفى الصعب.. نجح مبارك فى جذب مشاعر مساحات عريضة من الشعب.. بخطاب لم يزد عن 400 كلمة.. تحدث فيه عن عطاء خمسين سنة منحها لوطنه حربا وسلما.. وكان كل ما طلب أن يموت ويدفن فى ترابه.. مس وتر الموت الذى يغفر المصريون ما قبله.. فشم النظام نفسه من جديد.. وتراجعت المواقف المعارضة عشرات الخطوات.. لكن.. لم يتخاذل عضو واحد فى مجلس التحرير.. واتفقنا على مساندة الثورة.. ولندفع نحن أيضا جزءا من الفاتورة التى على شباب التحرير سدادها.. فكان مانشيت العدد الذى صدر بعد ساعات أسخن وأشد: «ليذهب مبارك وتبقى مصر».

لكن.. ما أن وصل العدد إلى مؤسسة الأهرام كى يطبع حتى تدخل ضابط أمن الدولة المسئول ورفض أن تدور به الماكينات.. وطلب منى فى مكالمة تليفونية عاجلة أن نسحب العدد ونغير المانشيت.. لكنى.. رفضت.. ولم أعبأ بتهديد المصادرة.. وتكرر الحوار نفسه مع كل قياداته الأعلى .. مع تهديد خفى أحيانا.. وتلميح مريب أحيانا أخرى.. ولم يكن هناك مفر من طبع العدد.. فرد فعل المصادرة بالنسبة لهم فى هذه الظروف أسوأ من غيرها.

وما أن صدر العدد حتى تلقيت مكالمة لم يظهر فيها رقم التليفون (بريفت).. لكان.. جاء صوت الطرف الآخر حادا.. غاضبا.. صارخا.. كان المتحدث هو زكريا عزمى.. وتعجبت من انفعاله.. فهو رجل يتجنب المواجهة.. ويتآمر على خصومه من تحت لتحت.. ويكتفى بإلقاء كلمة عابرة موحية وهو يمشى فى طريقه.. فما الذى جرى له؟.. هل وصلت أزمة النظام إلى هذا الحد؟.. هل وصلت إلى حد خروج أقرب الرجال إلى الرئيس عن طبيعته.. لقد رفض بشدة المانشيت.. رفض أن نطالب برحيل رئيسه فى وقت لم يكن أحد يفكر فى ذلك.. فكان التهديد صريحا.. «سترى من الذى سيرحل».. «ستعلق من رقبتك فى ميدان التحرير».

وأعترف بأننى خفت على أسرتى.. فالأسد الجريح لا يرحم.. وفكرت فى أن تسافر عائلتى إلى الخارج.. كى أواجه مصيرى دون ضغوط شخصية عاطفية يصعب تجاهلها.. لكنى.. وجدت نفسى أطلب منه أن يستمع لى بهدوء بعض الوقت.. قائلا: «إن ما يدور بيننا من حوار الآن سوف يكون شئنا أم أبينا جزءا من التاريخ سواء شنقت.. أم دفع غيرى ثمن بقائه الطويل فى السلطة نفيا أو سجنا».

وأضفت: «يا دكتور قل لمبارك إن ما يجرى فى الشارع حقيقة جادة هذه المرة.. ولو كنت منه لانسحبت فى هدوء.. لعل الشعب يتعامل معه باحترام وتقدير لن ينالهما لو أصر على عناده الشهير».. « دعوه يخرج بكرامته».. على أننى أحسست فجأة أننى أكلم نفسى.. فقد أنهى المكالمة.. دون أن يمتلك الشجاعة الكافية لسماع ما تبقى منها.

وفيما بعد.. بعد أن رحل مبارك.. وفقد زكريا عزمى شحنات القوة التى كان يستمدها من نظامه.. وجدته يتصل بى تليفونيا.. لكن.. هذه المرة جاء صوته رقيقا.. ناعما.. مستنجدا بما بيننا من علاقة فرضتها ظروف عملى الصحفى.. طالبا ألا أتعرض له إلا إذا كان لدى شىء موثق ضده.. تغير النظام.. تغيرت النغمات.. الطاووس فقد ريشه الملون الذى كان يزهو به.. والصاروخ الذى كان ينطلق إلى السماء نفد وقوده وسقط على الأرض ليصبح خردة.

فى نفس اليوم.. وجدت فى مكتبى بعضا من شباب التحرير الذين أصبحوا نجوما فيما بعد.. طلبوا أن أنزل الميدان.. بل تعجبوا.. كيف يكون موقف «الفجر» بهذه الجرأة.. ولا ينزل رئيس تحريرها إلينا.. وكان رأيى.. أن الضوء يجب أن يكون من « نصيبكم وحدكم لا يشارككم فيه أحد ممن يمكن أن يتجه إليهم بحكم أنهم معروفون للكاميرات التى لا تصوب عادة إلا لمن تعودت عليه».. وأضفت.. إن دورى أهم فيما أكتب مساندا للثورة.. وفيما أرد به على أعداء التغيير وأنا متحدث على شاشات الفضائيات ليلا.

كنت أستكثر على نفسى سرقة لقطة تليفزيونية فى الميدان هى من حق أصحابها.. لكن.. فيما بعد.. خرج من الكهف من سرق الثورة كلها.. بدعوى أنهم أهل الله.. وأصحاب الله.. والمتحدثون باسم الله.. وهم فى الحقيقة لا يتحدثون إلا باسمهم.. لقد سقط نظام قديم.. واستولى على السلطة تنظيم أقدم.. خرجنا من حفرة لنقع فى بئر.

فى اليوم الثانى للثورة كنت ضيفا على برنامج معتز الدمرداش على قناة المحور.. واقترحت أن يقيل الرئيس الحكومة فورا.. وأن يحاكم أحمد عز.. وأن ينفذ أحكام محكمة النقض فى تزوير انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.. وأن يعين نائبا له.. وأن يضمن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كل ما يصدر من قرارات كى نطمئن أنه لن يتراجع عنها.

لم تكن مطالب الثورة تزيد عن نفس ما اقترحت.. ولخصت ذلك فى شعارها الذى لم يتحقق حتى الآن: «عيش حرية عدالة اجتماعية».. لكن.. مبارك الذى كان فى غيبوبة سياسية منذ أكثر من خمس سنوات سلم فيها البلد للوريث والهانم وشبكة المصالح لم يستوعب شيئا مما وصل إليه.. فضعف السمع الذى أصابه بسبب سنوات الطيران الحربى انتقل من الصحة إلى السياسة.

ولم تمر عدة أيام حتى دعانى عمر سليمان إلى لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المختلفة فى القصر الرئاسى.. وعند مرورى بالبوابة الإلكترونية التى وضعت لأول مرة صافحنى الضابط الذى يقف بجانبها.. مشيدا بمواقفى.. بما يخجل التواضع.. وعندما قلت له: «لقد نصحت النظام بما يمكن إنقاذه.. فى فرصة أخيرة».. قال بصوت مرتفع: «أحسن أنه لم يسمع ولم يستجب».. وعندما ارتسمت علامة الدهشة على وجهى تصور أننى لم استوعب كلامه.. فأضاف موحيا: «طبعا فاهمنى».

كان سر دهشتى أن ضباط الحرس الجمهورى الذين يحمون مبارك ويقفون على بعد أمتار قليلة من مكتبه وبيته لا يريدونه.. بل لا يطيقونه.. ويعبرون عن ذلك بوضوح.. فى عقر حكمه.. دون أن يخشونه.. فكيف ينتحر الرئيس بالصمت.. وكل هذه الأصوات الصاخبة الرافضة تزأر من حوله.. فهل كان مبارك مثل سيدنا سليمان يجب أن يأكل النمل عصاه التى يتكئ عليها فيسقط ونعرف أنه مات؟.. أم كان مثل فرعون موسى الذى لم يؤمن بأن الله حق إلا بعد الغرق فى البحر.. أو الرحيل إلى شرم الشيخ.. أو الوصول إلى ليمان طرة راقدا على ظهره؟!

تابعت كل ما جرى فى الكواليس من مصادر مباشرة عاشت التفاصيل وشهدت الوقائع وشاركت فى الأحداث.. ونشرت ما عرفت على صفحات «الفجر» .. طوال العامين الماضيين.. ويسهل الوصول إليه عبر موقع الصحيفة الإلكترونى.. لكنى.. أتوقف هنا عند ما يمكن وصفه بالمحطات المفصلية فى الثورة.. وأولها.. ما جرى عندما قرر مبارك التنحى عن السلطة.

لقد وافق مبارك بسهولة على التنحى.. ولكنه.. طلب أن يبقى رئيسا بلا صلاحيات فى منفاه فى شرم الشيخ.. لأن خروجه من الحكم يعنى قيام فتحى سرور رئيس مجلس الشعب بأعمال رئيس الدولة إلى أن تجرى انتخابات رئاسية.. يجب أن تكون عاجلة.. وكان رأيه أن الظروف أصعب من أن يحتملها هذا السيناريو الذى لا يصلح إلا لأجواء سياسية مستقرة.

وجاء اقتراح آخر بأن يتولى عمر سليمان صلاحيات الرئيس إلى أن تأتى الانتخابات الرئاسية.. لكن.. كان رأيى الذى قلت له مباشرة: « لابد من ضمان من المؤسسة العسكرية كى لا يرجع مبارك فى قراره.. فهو يملك حق إقالتك كما يملك حق تعيينك.. وأنت تعلم جيدا أن الهانم والوريث لا يقبلان بوجودك فى السلطة ولو لنصف يوم».

وجاء اقتراح أخير.. أن تسلم السلطة للجيش.. وهو ما قرره مبارك شخصيا وهو يغادر مطار ألماظة فى الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 11 فبراير.. وكان فى وداعه عمر سليمان إلى أن صعد إلى الطائرة.. والغريب أن المشير حسين طنطاوى رفض قائلا: «إنه لا يريد توريط الجيش فى السياسة».. وعندما سمع أنها تعليمات الرئيس طلب من النائب أن يسمع التكليف من مبارك نفسه.. وهو ما كان.

وفى الوقت نفسه طرحت فكرة القيادة الجماعية.. بواسطة مجلس رئاسى.. أو مجلس أمن قومى.. يضم حسين طنطاوى وعمر سليمان ورئيس الحكومة أحمد شفيق ورئيس المحكمة الدستورية فاروق سلطان.. بجانب وزيرى الخارجية أحمد أبوالغيط ووزير الداخلية محمود وجدى.. ولكن.. ما أن انتهى عمر سليمان من إلقاء بيان التنحى الذى سجله فى إحدى طرقات المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى تراجع المشير عما وافق عليه وإن لم يعلنه فى تلك اللحظة صراحة.. وما يثير الدهشة أنه كان الوحيد الذى لا يصدق أن مبارك سيتنحى.. وعبر عن ذلك صراحة عندما طلب أحمد شفيق من عمر سليمان أن يبلغ الرئيس وهو فى شرم الشيخ بأن عليه التقاعد.

ما أن انتهى عمر سليمان من إلقاء البيان حتى فوجئ بالمشير يشد قامته وينظر إليه من طرف عينه وهو يصافحه قائلا: «مع السلامة».. ووصلت الرسالة بسهولة إلى رجل عاش غالبية سنوات خدمته فى المخابرات.. وعرف أن الصراعات القديمة بينهما ستفرض نفسها دون تردد.. فلن ينسى له المشير أنه وهو قائد الفرقة (18) أنه أوصى بعدم توليه قيادة الفرقة من بعده.. ولن ينسى مواقف أخرى من هذه العينة.. وحان وقت تصفية حساباتها.. ولو دفع الوطن الثمن.. فالانتقام الخاص فرض نفسه على المصلحة العامة.

كان طنطاوى وسليمان وشفيق وسلطان قد اتفقوا على أن يلتقوا فى منتصف نهار اليوم التالى لمناقشة خطوات تنفيذ المجلس الرئاسى.. وما أن تركوا مبنى وزارة الدفاع حتى هرع المشير ليحصد تأييدا شعبيا لم يسع إليه.. وألقى فى حجره مثل ورقة يانصيب أو مثل تفاحة نيوتن.. طلب الذهاب إلى التحرير لمبايعته شعبيا.. ولكن.. الحشود التى سدت الشوارع كلها حرمته من الفوز بهذه النشوة.. فاكتفى بحى مصر الجديدة القريب.

تأجل الاجتماع إلى السابعة مساء.. لكن.. بدا من إهمال المشير لضيوفه أن الأمر تغير.. وفكرة القيادة الجماعية تبخرت.. فأمسك عمر سليمان بيد أحمد شفيق قائلا: «الجماعة طمعوا فى الحكم».. ثم استدار للمشير ليسأله الذهاب إلى مكتبه فى القصر الجمهورى.. فكانت إجابته: «قفلناه خلاص».. وخروجا من الحرج الذى وجد عمر سليمان نفسه فيه أضاف: «أردت فقط أن أجمع متعلقاتى الشخصية».. وخرج الرجل ليقول لى فيما بعد.. «عرفت فى هذه اللحظة أن مصر وضعت على طريق الضياع».

سألته مزيدا من الشرح والتفسير.. فقال: إن طنطاوى ليس بالجرأة التى يتصورها الناس.. إنه يدارى ما فى داخله من تردد بعدم التورط فى الكلام.. طبقا للقاعدة الفلسفية الشهيرة: «تكلم حتى أراك».. وهو لا يتكلم.. ومن ثم لا يكشف نفسه لأحد.

واستطرد: إنه يخشى كل الأطراف.. الإخوان.. والثوار.. والأمريكان.. وسوف يتفق الإخوان والأمريكان عليه.. لقد قابلت عام 2003 رئيس المخابرات المركزية الأمريكية جورج تنت.. وكشف لى عن الخطة التى تعد للمنطقة.. تغيير النظم القائمة وإضعافها.. وإن كانت هناك رغبة فى أن تقف مصر فى منطقة وسطى بين الضعف والقوة.. كما أنهم قرروا توفير نفقات الحرب الباهظة التى يواجهون بها الإرهاب.. تاركين الفرصة للتيارات والجماعات والتنظيمات الإسلامية المختلفة والمتصارعة أن تصفى نفسها بنفسها.. وهو ما أتوقع حدوثه فور أن يصل الإخوان إلى السلطة.

وعندما سألت: هل يثق الإمريكيون فى الإخوان الآن؟.

أجاب بلا تردد: كل الثقة.. فقد حصلوا منهم على تطمينات موثقة بعدم المساس بمعاهدة السلام.. أو الاقتراب من أمن إسرائيل.. وهى خطوة لم تكن الولايات المتحدة تحلم بها.. أن يوافق المتشددون دينيا على دولة يهودية.. تحتل مقدسات إسلامية.

وأضاف: وبالمناسبة.. وافق وزير الدفاع الإسرائيلى شاؤول موفاز على تعديل بعض بنود الملاحق العسكرية والأمنية لمعاهدة السلام بما يتيح زيادة قوات الحدود المصرية عددا وعتادا.. دون أن يتأثر الأمن الإسرائيلى.. لكن.. المشير لن يشأ أن يدخل فى متاهات المراجعات.. ومنذ أن اقترب الإخوان من السلطة لم نسمع منها كلمة واحدة عن المعاهدة.. بل وأتحدى أن يطالبوا فيما بعد بتعديل كلمة واحدة فيها.

كان ذلك بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التى فازت فيها التيارات الإسلامية بالأغلبية.. وهى نتائج كانت صادمة للمشير ورجاله.. فقد كانت تقديراتهم أن الإخوان ورفاقهم لن يحصلوا على أكثر من (15 %).. وسبق ذلك شعور بالغرور سيطر على بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى حد أن أحدهم سحب نفسا من «الشيشة» التى كان يدخنها قائلا: «تختاروا ده» مشيرا إلى الرتب التى على كتفيه.. ويقصد العسكريين.. أم «تختاروا دى» مشيرا إلى لحية الإسلاميين.

والحقيقة أننا لم نكن نملك حق الاختيار.. فقد سلموا السلطة بأنفسهم على طبق من كريستال للإسلاميين.. ربما لفشلهم فى استيعاب الثورة.. ربما لتصورهم أنهم هم الذين أسقطوا مبارك.. ربما لعجزهم عن إدارة البلاد فى فترة حكمهم.. ربما لاستسلامهم لضغوط الإدارة الأمريكية.. ربما لقصر سماعهم على المنافقين.. وكراهيتهم للناقدين الناصحين.

لقد سئلت هيلارى كلينتون فى اجتماع مع قيادات مسيحية عن رأيها فى المشير فقالت: «هو رجل مريض وعليه أن يتقاعد».!

وفى الوقت الذى كان فيه كبير الجنرالات يبلع لسانه وهو يسمع ما نقل إليه على لسان الوزيرة الأمريكية فإن رجاله تصرفوا بحماقة وصلت إلى حد إهانة بنات الثورة فيما عرف بكشف العذرية.. وأحال شبابها إلى السجن الحربى بتهم التمرد.. ودهست مدرعاتهم الأقباط فى ماسبيرو.. وكشف جنودهم عورات النساء فى فضيحة سجلت فى التاريخ الأسود ولن تمحى بسهولة منه.

وعلى المستوى الشخصى فوجئت بإحالتى للنيابة العسكرية أنا وزميلتى رشا عزب بتهمة نشر أخبار كاذبة وهى حقيقية حدثت فى اجتماع بين اللواء حسن الروينى وشباب وبنات من الثورة.. وتعجبت أن تأتى الضربة من رجل أعرفه جيدا.. وكان لا يمر أسبوع إلا وأجلس معه ساعات طويلة.. يستمع فيها لى ولغيرى من آراء وأفكار تخرجهم مما هم فيه.. ولم يكن ليتردد فى تسجيلها.. لكننا.. والشهادة لله كنا نجدهم يتصرفون عكسها تماما.

وذات يوم من أيام يناير الماضى والانتخابات البرلمانية على أشدها.. جلست على مائدة عشاء ضمت أعضاء من المجلس العسكرى بجانب شخصيات إعلامية وقانونية وسياسية يمكن الثقة فيها.. فقلت موجها حديثى للجنرالات بمن فيهم من عبر عن غضبه منى واستيائه للهجوم على المشير ونشر الشعارات التى تطالبه بالرحيل بعرض صفحاتنا الأولى:

لقد انتكست الثورة بما فعلتم بشبابها.. تنكرتم لجيل جديد.. فى يده مفاتيح التغيير.. وتحالفتم مع جيل قديم سيعيد البلاد إلى عصر الكهف.. أنتم الوجه الآخر للإخوان.. السمع والطاعة عندهم هو تنفيذ الأمر ولو كان خطأ عندكم.. ومن ثم فالصراع سيكون بينكم وبينهم.. ولأنهم الأكثر خبرة.. والأشد مناورة.. فسوف ينتصرون عليكم.. مدافعكم ومدرعاتكم ومعسكراتكم لن تحميكم منهم.. لن تنجوا.. لن يخرجوكم خروجا آمنا.. سترتدون بدل السجن الزرقاء بعد أن تخلعوا ملابسكم العسكرية الخضراء.

لكن.. لا أحد استوعب ما قلت.. واكتفى أحدهم بالقول فى ثقة لا أعرف من أين أتى بها: « ليس بيننا وبين الإخوان صراع ولا خلاف».

فسألت: هل هناك وفاق واتفاق؟.

أجاب: لن يأكلوا وحدهم!.

سألت: لو تصورت أنهم سيتركون قطعة لكم فأنت واهم.. إنهم لا يثقون إلا فى أنفسهم.. ولا يأمنون إلا لمن ينتمى إليهم.. كل التحالفات نسيوها.. كل الوعود رجعوا فيها.. كل التصريحات الطيبة لحسوها.. فهم فى المحنة مهاجرون.. طيبون.. متسامحون.. وفى السلطة.. متمكنون.. باطشون.. مسيطرون.

وعاد الرجل إلى التدخين فى عصبية ظاهرة أنهت الحوار.. وفى اليوم التالى اتصلت به متسائلا: هل قرأت فى الصحف تصريحات الإخوان بأنهم لن يقبلوا باستمرار حكم العسكر؟.. ولم أكن فى حاجة لرد منه.. وإن اعترف فيما بعد بأننى كنت على حق.. لكن.. ما باليد حيلة.. والرجل الذى سلمت له مقادير البلاد لم يكن ليقدر على شىء.. وكان أقل اعتراف منه يمس الرجل الذى كان معجبا به.. ويشيد بكل ما يفعل.. لكنه.. اعتراف جاء بعد فوات الأوان.. بعد أن وقعت الفأس فى الرأس.. ونجح الرئيس الإخوانى المنتخب فى التخلص من الجنرالات بمجهود أقل من الذى يبذله لخلع ثيابه.

صحيح أن الجيش لم يخرج من اللعبة السياسية بعد.. وصحيح أنه لا يزال فى يده مفاتيح القوة.. لكن.. صحيح أيضا أنه لن يحكم مباشرة.. وسيظل يتحكم فى القرار من وراء الستار.. بالريموت كنترول.. وهو ما حدث عندما لجأ إليه محمد مرسى لدعمه فى مواجهة التظاهرات القوية التى حاصرت القصر الجمهورى وأجبرته على الخروج خوفا على حياته قبل سلطانه.

وتجددت تصفية الحسابات بين المشير وعمر سليمان بعد أن ذهب إليه عارضا عليه ترشيح نفسه للرئاسة.. ورحب المشير فى عبارات لا تزيد عن المجاملة.. فما فى القلب فى القلب.. وهو على ما يبدو كان مستعدا أن يقبل حكم الجماعة ولا يقبل بأن يكون مرؤوسا لسليمان بعد أن انتقمت له الأيام.. وسمحت له بالسيادة عليه.

كان عمر سليمان قد طلب من مؤيديه جمع التوكيلات المطلوبة فى زمن قياسى لا يزيد على 36 ساعة.. فإما أن ينجحوا فيترشح بتأييد شعبى واضح.. وإما أن يفشلوا فيرحم نفسه من شر القتال.. والحقيقة أن أنصاره لم يخذلوه.. فجمعوا من التوكيلات ما يزيد على العدد المطلوب.. وإن كانت هناك توكيلات قليلة ناقصة قادمة فى الطريق من الصعيد.. فطلب من المشير الاتصال بلجنة الانتخابات كى تنتظر السيارات المحملة بالتوكيلات ويقبلوا بها.. فطلب المشير من سامى عنان تنفيذ هذه المهمة.. لكن.. فيما بعد اتضح أن مثل هذا الاتصال لم يحدث.

وفى اللحظة التى تلقى فيها عمر سليمان خبر خروجه من سباق الترشيح كنت معه فى مقره الانتخابى المطل على قصر البارون إمبان فى مصر الجديدة.. ولحظتها لم يقل سوى جملة واحدة: «الرجل يقبل عمى الإخوان ولا يقبلنى».. ولم أكن فى حاجة لمعرفة من المقصود.

بتداعيات الأحداث.. وتطورها من سيئ إلى أسوأ.. وصلنى إحساس بأن ما حدث فى 25 يناير ليس ثورة وإنما مؤامرة.. صحيح أن الصغار فجروها ببراءة.. وماتوا فى سبيلها بشجاعة.. ولكن.. صحيح أيضا أن الكبار سرقوها واستغلوها وركبوها.. إن الثورة لم تحقق هدفا واحدا مما سعت إليه وقامت من أجله.. الحرية مهددة.. العيشة مهببة.. والعدالة الاجتماعية مهجورة.. والفوضى تنافس الفشل على تخريب البلاد.. وإضعافها.. وتقسيمها.. بما يتفق مع ما قاله جورج تنت قبل عشر سنوات لعمر سليمان.

هل تحمسنا لوهم.. هل ساندنا سرابا.. هل ضاع حلمنا هدرا.. هل يستحق الحكم كل ما نعانى منه من انهيار؟.. لعنة الله على السلطة التى يكون ثمنها ضياع أمة وخروجها من الزمن بعد شطبها من على الخريطة.

ليست هذه بلادى التى أعشقها.. ليس هذا وطنى الذى تمنيت أن يحافظ على حريتى كى أموت فى سبيل الدفاع عن حدوده.. ليس هؤلاء شعبى الطيب المتسامح الشهم الذى يكره الحرام ولا ينطق مشايخه بالفحشاء.. ولا يرمون الناس بالباطل.. ليست هذه مصر التى فى خاطرنا وفى خيالنا.. نحن الآن نعيش ميليشيات العراق.. وانقسامات أفغانستان.. وإرهاب مالى.. ومحاكم الصومال.. نحن الآن لعبة من لعبة الأمم.. يحركونها بتليفون.. ويغرونها بقرض.. ويهددونها بتصريح.. ويخدعونها بحكايات ساذجة عن مؤامرات تدبر لخطف الرئيس ونقله إلى الخارج.. وكأنه مدرس ألعاب فى روضة أطفال.. لا حاكم مصر المحصن بجيش يحميه.

لكن.. إيمانى بالثورة سرعان ما عاد إلى عقلى وصدرى وضميرى.. وإن امتزج بدموعى وألمى وأحزانى.. فقد استيقظت ذات صباح اليوم التالى لتظاهرات الاتحادية على خبر إطلاق الرصاص على زميلى فى الفجر الحسينى أبوضيف.. فجرت الطلقات رأسه.. وهشمت مخه.. وبعد أيام فى الغيبوبة لقى ربه.. ووجدتنى أشارك زملاءه فى المهنة ورفاقه فى الثورة مشاعرهم وتظاهراتهم.. وساعتها اكتشفت أن الثورة متجددة فى دمائهم.. وأنهم لن ينصرفوا عنها إلا بعد أن يحققوا أهدافها.

فى هذه اللحظة وجدتنى أتجه إلى التحرير.. الطريق الوحيد للثورة الذى لا يقبل بوجود اتجاه آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.