التقطت هذه الصورة منذ أيام في صحراء مصر الغربية وفيها تشاهدون ما يشبه سحابةً كبيرة هي في الحقيقة قلب مجرتنا درب التبانة، أما ما يظهر على يسارها فهو شروق القمر وليس الشمس. نَشرت الصورة على فيسبوك حينها ولفت انتباهي تعليق متكرر (إذا استثنيت تعليقات أن الصورة “فوتوشوب!”)، فقد لفت انتباهي أن الكثيرين فوجئوا بمصطلح “شروق القمر” حتى ظنه البعض خطأ مطبعي، لذا سنتعرف في هذا الموضوع على جارنا الكوني الأقرب “القمر” لنعرف ما هو “شروق القمر”:
قد يكون من المفاجئ لك أن تعلم أن القمر يشرق ويغرب تماماً كالشمس، لكن أغلبنا لا يألف هذا المصطلح إلا مع الشمس فقط، والسبب في ذلك أن شروق الشمس وغروبها مرتبط بظاهرة واضحة هي الضياء! فتشرق الشمس في الصباح لتضيء ما حولنا وتغرب في المساء فتظلم المنطقة التي نعيش فيها، أما في حالة القمر فيختلف شروقه وغروبه باختلاف طوره ولا نلحظ أثر ذلك في أوقات كثيرة. ولتوضيح ذلك لنتعرف أولاً على أطوار القمر: يمر القمر بأشكال مختلفة فيطل علينا كل ليلة بوجه جديد نتيجة دورانه حول الأرض وموقعه من الشمس، وتسمى هذه الوجوه “أطوار القمر”، وتكمل هذه الأطوار دورة كاملة كل 29 يوم، فيبدأ القمر بالظهور تدريجياً حتى يصبح قرصاً مستديراً (قمر 14) ثم يبدأ بالاختفاء شيئاً فشيئاً حتى يصبح معتماً تماماً لأيام ثم يعاود الظهور مجدداً. ولنمر سريعاً على أطوار القمر بتفصيل أكثر: 1. المحاق: يسمى أيضاً بالقمر الجديد وفيه يكون وجه القمر المقابل للأرض معتماً لذا لا نراه خاصةً أنه يظهر من الأفق بعد شروق الشمس. 2. الهلال المتزايد: وفيه يكون القمر مضاءاً بنسبة 1-49٪ ويظهر من الأفق وقت الظهيرة ويختفي بعد الغسق. 3. التربيع الأول: وفيه يظهر نصف القمر 50٪ ويظهر من الأفق وقت الظهيرة ويختفي في بدايات الليل. 4. الأحدب المتزايد: يكون القمر مضاءاً بنسبة 51-99٪ ويظهر في نهايات النهار ويبقى طوال الليل. 5. البدر: يظهر فيه القمر بتمامه وكماله وهو الذي يُضرب به المثل في الجمال (قمر 14!)، ويظهر القمر فيه بعد غروب الشمس ويختفي عند شروقها. 6. الأحدب المتناقص: وفيه يبدأ القمر في التناقص مرة أخرى من 99٪ وحتى 51٪، وفيه هذا الطور يظهر القمر أغلب الليل وبدايات النهار. 7. التربيع الثاني: هو عكس التربيع الأول فيضيء 50٪ من القمر ويظهر من أواخر الليل وحتى بدايات النهار. 8. الهلال المتناقص: يكون القمر مضاءاً في هذا الطور بنسبة 49٪ وحتى 1٪، وفي هذا الطور يظهر القمر قبل شروق الشمس ويبقى بدايات النهار. 9. المحاق: وفيه يختفي القمر مرة أخرى لفترة قبل أن يبدأ دورته من جديد. وهذه رسمة توضيحية لشكل كل مرحلة من اليمين إلى اليسار: إذاً ما قصة شروق القمر وغروبه؟! ذكرنا في أطوار القمر المختلفة أن القمر يظهر في وقت معين ويختفي في آخر (حسب كل طور)، لذا يُسمى ظهور القمر في الأفق بشروق القمر، وعند اختفائه في الناحية المقابلة يطلق على ذلك “غروب القمر”. ولو لاحظتم من الأطوار السابقة أن القمر لا يشرق مثل الشمس في أوقات ثابتة بل يختلف موعد شروقه (ظهوره) من طور لآخر. تلاحظون كذلك أننا لن نلحظ عملية الشروق إلا في الأوقات التي يشرق فيها القمر بعد غروب الشمس (حين تكون السماء مظلمة) كالأحدب المتزايد والبدر. أعود الآن للصورة التي بدأت بها الموضوع: سألني كثير من الأصدقاء: هل هذا ما كنت تراه في الحقيقة؟ وأجيب عن ذلك السؤال بسؤال آخر: ماذا تقصد بالحقيقة؟ إن كنت تقصد ما تراه أعيننا فلن ترى هذا المشهد بهذه الصورة، لكن سترى صورة قريبة من هذه: ما شاهدته الكاميرا كان أكثر سطوعاً من ذلك لأن حساسية الكاميرا للضوء (في التعريض الطويل) تكون أكبر من حساسية العين البشرية. في الصورة التي بالأعلى استخدمت تقنية التعريض الطويل لتظهر النجوم والمجرة، وزدت على ذلك زيادة إشباع الألوان لتظهر بالصورة النهائية التي شاهدتموها بتلك الألوان. بقي أن أشير لمعلومة سريعة بمناسبة حديثنا عن السماء وهي النجمان اللذان يظهران بجوار القمر هذه الأيام. إن تساءلت عن سر هذين النجمين فهما في الحقيقة كوكبي الزهرة والمشتري وهذه صورة التقطتها منذ يومين: وفيها تلاحظون حركة القمر بينهما بالسهم الأصفر حيث أصبح بينهما أول أمس، ثم أصبح على امتدادهما منذ أمس. وختاماً إليكم هذا الفيديو الرائع من ناسا لتطور القمر:
