عادل خشبة أسطوانة البوتاجاز ب13 جنيهاً و«جركن» المياه ب2 جنيه والأراضى الزراعية نهبتها الأبراج بمجرد دخولك حيز محافظة الفيوم ستشعر وكأنك انتقلت إلى أحد العصور القديمة.. فالمشهد مؤلم بحق حيث المعاناة فى أوضح صورها.. تلمحها فى مظاهر الفقر والبطالة التى أجبرت مئات الشباب على السفر إلى الخارج بشكل غير شرعى.. المعاناة تتجلى أيضا فى غياب أبسط الحقوق للمواطن هناك، كحقه فى كوب ماء نظيف، حيث مياه الشرب تمتلئ بالشوائب والديدان، إلى جانب اختلاطها فى بعض الأحيان بمياه، كل هذا لم يشفع لتلك المحافظة باستدرار عطف الرئيس والذى قام بزيارتها مرة واحدة دون افتتاح مصنع أو شركة أو مدرسة، بالرغم من كونها من المحافظات التى حصل فيها محمد مرسى على أعلى نتيجة فى انتخابات الرئاسة وهى 78% وذلك بعد استخدام منابر المساجد وسيارات الأجرة لنقل الناخبين إلى صناديق الانتخاب. تبعد محافظة الفيوم حوالى 96كيلو متر تقريباً عن القاهرة وتصل مساحتها 6086 كيلو متراً مربعاً وتعتبر الزراعة عمودها الفقرى حيث تبلغ مساحة الأراضى الزراعية 500 ألف فدان وتضم الفيوم 7 مراكز كبرى، هى مدينة الفيوم ومركز الفيوم وأطسا وأبشواى ويوسف الصديق وسنورس وطامية.. كما يوجد بها 63 وحدة محلية، وتضم المحافظة بحيرتين هما بحيرة قارون التى تشتهر بمياهها المالحة وبحيرة وادى الريان ذات المياه العذبة والتى تتميز بثروة سمكية عن بحيرة قارون، بسبب إهمال إدارة شرطة المسطحات التى فشلت فى ضبط صيد الزريعة وتصريف مياه الصرف الصحى فى البحيرة. الغريب أن الفيوم هى المحافظة الوحيدة غير المستقرة فى تعريفة الأجرة الرسمية، حيث إنك فى ذهابك للفيوم عليك أن تستقل سيارة أجرة بتعريفة من 3 إلى 5 جنيهات وفى حالة العودة للقاهرة ستفاجأ بأن الأجرة 12 جنيهاً، ولك أن تعترض كما تشاء فلا حياة لمن تنادى فالبلطجة وفرض النفوذ هى السلاح المسيطر على تلك المواقف بحماية العاملين بإدارة مواقف الفيوم والتى تفرض إتاوات على السيارات مما يجعل السائق يرفع الأجرة ليخصمها من الراكب. لا تندهش عندما تعرف أن الفيوم من المحافظات الوحيدة التى ظلت 30 عاماً لا تلقى بالاً ولا اهتماماً من مسئول بعد غضب الرئيس السابق عليها الذى جعل منها محافظة مهمشة، فلم يخصص لها زيارة واحدة لمراكزها، يرجع أهلها ذلك لأنها معقل التيارات الدينية وعلى رأسها الإخوان المسلمون والسلفيون والجماعات الإسلامية التى زرع فيها الشيخ عمر عبدالرحمن فكره والذى حاربه الأمن بشدة بعد أن نظم جماعات كبرى بقرى مركز الفيوم وطامية ويوسف الصديق وبالأخص قرية كحك التى اقتحمها الأمن بالمدرعات والأسلحة الثقيلة لتطهيرها من الإرهاب التكفيرى فى عصر الرئيس المخلوع. ثم نشطت جماعة الإخوان المسلمين هناك وانتشر عملها وأصبحت تتغلغل فى مراكز الفيوم حتى أصبحت قوة تسيطر على مناطق بعينها ومن أشهر القرى والأحياء المحسوبة والمصنفة على جماعة الإخوان المسلمين حى قحافة ببندر الفيوم وقرية قوتة بمركز يوسف الصديق وقريتى منشأة عبدالله وزاوية الكرادسة بمركز الفيوم، وقد سيطر قيادات جماعة الإخوان المسلمين بالفيوم على مشاريع البيزنس، حيث ظهر ذلك جلياً فى تملك قيادات الحرية والعدالة مستشفيات خاصة ومدارس خاصة كمدرسة الصفوة الخاصة والتقوى الإسلامية والتى يرأس إدارتها النائب الإخوانى السابق كمال نور الدين والقيادى بجماعة الإخوان المسلمين. يقول أبوبكر عبد المجيد 29 سنة مدرس: إن مدرسة الصفوة اكتفت بعد الثورة بمدرسين من الإخوان والعمال من أعضاء الحرية والعدالة وأصبحت العمالة معظمها تتم من خلال أعضاء بحزب الحرية والعدالة، كما أصبحت تلك المستشفيات والمدارس تقوم على فقر المؤسسات الحكومية وعلى رأسها مستشفيات الفيوم العام بمراكز المحافظة، حيث سيطر القيادى أحمد عبدالرحمن، أمين عام حزب الحرية والعدالة، على مستشفى مكة الخاص وسيطر مجدى عرفة على مستشفى عرفة التخصصى وهو من قيادات الإخوان البارزين بالمحافظة كما تدخل ثلاثة من الإخوان بينهم مجدى عرفة وقاموا بشراء مستشفى الزهراء التخصصى وتلك المستشفيات تعرف بأسعارها المرتفعة مما جعل أطباء المستشفيات بالفيوم يحاولون الالتحاق بالعمل بتلك المستشفيات لتوفير حياة معيشية أفضل وأصبح الحال يسير من سيئ إلى أسوأ داخل مستشفى الفيوم العام ومستشفى التأمين الصحى التى فقدت كثيراً من المرضى بسبب الإهمال الطبى، كما تخصص قياديون بحزب النور السلفى بالتربح من وراء إقامة الأسواق الشهرية لبيع المنتجات بسعر الجملة وامتلك أشهرهم مطاعم الدجاج البروست والمشوى ويلاحظ المواطنون فى المستشفيات والمطاعم أن العمال معظمهم محسوبون على التيار الدينى من الإخوان والسلفيين. يقول محمد عبدالعزيز 34 سنة محامٍ: إن سيطرة الإخوان على المستشفيات الخاصة بالفيوم تسبب فى إهمال المستشفيات الحكومية فأصبحت تعانى الأهمال الطبى وعدم حضور الأطباء لعملهم بالمستشفيات الخاصة للحصول على راتب أكبر. مركز أطسا وسنورس من مراكز الفيوم التى تتكدس بالآلاف من المواطنين ويعانى سكانها تجاهل أحمد على أحمد، محافظ الفيوم باستمرار، حيث تغرق المنازل فى مياه الصرف الصحى إلى جانب أزمة مياه الشرب. يضيف أيمن الصفتى، المسئول بالحزب المصرى الديمقراطى بالفيوم: إن الدولة لم تتغير كثيرا بعد الثورة بل بالعكس احتدت الأزمات وأصبحنا نعانى يوميا خلف رغيف العيش ومياه الشرب والتى اصبحت تباع بسعر 2 جنيه ( للجركن ) الواحد كما يحدث بقرية المقطع إحدى قرى الوحدة المحلية بجبلة وأكد الصفتى أن المحافظة اهملت كل شىء حتى البناء على الأراضى الزراعية فأضاعت رقعة زراعية كبرى بلغت 8 آلاف فدان وأصبح المواطنون يقومون ببيع أراضيهم للبناء عليها فأصبح طريق الفيومالقاهرة الزراعى اليوم متحولاً إلى أبراج وعمارات سكنية تضم أكثر من عشرة طوابق واصبح لا يتم الزراعة على تلك الأراضى التى تم تبويرها للبناء. وفى يوسف الصديق لاتزال أزمة مياه الشرب مستمرة فلن ينسى أهالى مركز يوسف الصديق ما جاء على لسان مسئولة بهيئة كير الدولية عند زيارتها لتفقد قريتى قارون وقوتة عندما قدم لها أحد المواطنين كوب ماء لترى طبيعة مياه الشرب التى يشربونها ليفاجأ الجميع بها بعد أن تذوقته متسائلة : هل المواشى التى تشرب من تلك المياه لا تزال على قيد الحياة؟ ليصدمها المواطنون أنها مياه الشرب التى يشربها الأهالى ولكن الحيوان يشرب من الترع. نفس الأمر يتكرر مع القرى الأولى والثانية والثامنة بيوسف الصديق فيتعاون الأهالى مع بعضهم للتوجه بسيارة نقل إلى مركز ابشواى لملء العبوات بمياه شرب ويتم بيعها لمواطنى قرية قوته ويوسف الصديق بسعر 3 جنيهات للعبوة. يقول محمد مفتاح 37 سنة مدرس بمدرسة قوتة الابتدائية: إن المسئولين يعطوننا حبوب تسكين للصبر على تلك الأزمات والتى تتفاقم بين الحين والآخر مؤكدا أنه يقوم بشراء عبوات المياه من التجار حتى لا يشرب وأسرته من مياه قوتة لكونها مياه تمتلئ بالشوائب والجراثيم والديدان البيضاء الصغيرة. كما أكد محمد أبوياسين أن الدولة فشلت فى التصدى للبناء على الأراضى الزراعية رغم أن الأراضى الزراعية أصبحت ثروة تم إهدارها والتى تعتبر العمود الفقرى فى محافظة الفيوم واضاف ياسين أن ما تم البناء عليه من أخصب اراضى مصر، مؤكدا أن الدولة والمحافظة توقفت تماما عن بناء وحدات سكنية متميزة للشباب مما جعلهم يلجأون إلى شراء أراض زراعية ويقومون بالبناء عليها. ويؤكد محمد ابراهيم، إمام مسجد المعلمين والموظف بإدارة الأوقاف، أن من يقوم بالبناء على الأرض الزراعية آثم وحرام شرعاً، مشيرا إلى أن محافظ الفيوم يتجاهل تلك الأبنية ويقوم بهدم بيوت المواطنين الغلابة ويتم ترك الأبراج التى بلغت 10 و12 طابقاً وتقع تلك الأبراج بقلب المناطق الزراعية بالفيوم. كما يتجاهل أحمد على أحمد محافظ الفيوم الوقفات الاحتجاجية للفلاحين والمزارعين والذين يتم منعهم من دخول المحافظة لعرض مطالبهم، ومنها على سبيل المثال أنهم لا يستطيعون رى أراضيهم بعد أن قام البعض بسد الترع وردمها من خلال أعمال البناء. نأتى لأزمة اسطوانات الغاز والتى بسببها توجه أهالى قرى طامية وابشواى إلى ديوان عام المحافظة للمطالبة بتوفير حصص تلك القرى من أسطوانات البوتاجاز والتى سيطر عليها الإخوان المسلمون ويقومون بشرائها منهم بسعر 13 جنيها للأسطوانة فيما يأخذها الإخوان بأربعة جنيهات وعندما تجمهر المواطنون للمطالبة ببيعها بسعرها الأصلى وتسليمها للوحدة المحلية بدلا من الإخوان المسلمين، اكد الإخوان للمسئولين أن الزيادة تأتى نتيجة نقل الأسطوانات إلى أماكن التوزيع، فيما وصلت أسطوانة الغاز إلى 45 جنيهاً فى بعض الأماكن. فى الفيوم ستفاجأ بوجود قرية تطون بمركز إطسا القرية التى أصبحت قطعة تشبه مدن إيطاليا بعد أن تأثر معظم الشباب فيها بإيطاليا ممن سافروا إلى الدولة الأوروبية، وتعتبر قرية تطون أحسن حالاً من باقى القرى حيث يظهر أحيانا اليورو بين سكانها ورغم ذلك لا تزال القرية أيضا تعطى الضحايا للهجرة غير الشرعية والذين كان آخرهم من لقوا مصرعهم فى المركب الأخير حيث استشهد 5 من أبناء أطسا بالفيوم، رغم كل ما مر فالبعض يتساءل عن سبب تمسك مرسى بهذا المحافظ، وهو ما يرد عليه البعض بأن المحافظ نال رضا مرسى خلال صلاة الجمعة بالفيوم بعدما أظهر الاهتمام بمشروع النظافة، رغم أن الأهالى خرجت عشرات المرات ضده لتغييره لتسببه فى صناعة الأزمات وقلة الموارد.