طوقت القوى الأمنية أحد مطاعم شارع الحمراء وسط بيروت بعد العثور على "علبة معسل". ولم يكن الخبر صحيحا، لكنه جزء من سلسلة نكات طويلة أطلقها اللبنانيون الشغوفون بتدخين المعسل بالنراجيل المنتشرة في المقاهي والمطاعم اللبنانية بكثافة، بعد بدء تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة. ومن بين النكات أيضا أن عشيرة لبنانية اشتهرت خلال الأسابيع الماضية بخطف سوريين وأتراك قد افتتحت مقهى تقدم فيه النراجيل تحديا للقرار الحكومي. لكن النكتة الأخيرة لم تكن وليدة الصدفة، إذ يعتقد جزء من اللبنانيين أن الحكومة لم تكافح مسببات التلوث الدخاني الفعلي المنبعثة من إشعال الإطارات في الاحتجاجات المتنقلة دوما في مناطق لبنان المختلفة. وبدلا من أن "تجهز الدولة قوة لمكافحة الخطف وقطع الطرقات، قررت مكافحة المعسل بقوة ضخمة وغرامات تصل إلى مائة دولار" كما يقول ناجي لطفي الذي كان يدخن النرجيلة في أحد المقاهي البيروتية. ويعتبر جزء من الشباب اللبناني أن القانون تطاول على شيء "يعشقونه"، وتحول تدريجيا إلى وسيلة ترفيه وتمويه عن الأوضاع الاقتصادية وازدياد نسبة البطالة. ويقول أحدهم؛ وهو يبدل الجمر الموضوع على المعسل في مقهى بشارع الحمرا، إن القرار الحكومي سيحرمنا حتى من ترداد عبارة "نفخ عليها تنجلي". وأصبح تدخين المعسل جزءا من العادات والتقاليد اللبنانية، ولا تطول جلسات السمر إلا به، وبعد تبديل رأس المعسل الفخاري المحشو به مرات عدة. وبإمكان اللبنانيين أيضا طلب توصيلها مجانا للمنازل من خلال "دكاكين" غزت المدن والقرى اللبنانية بأسعار لا تزيد عن دولارين وتشمل المعسل والجمر. وليس عشاق المعسل فقط هم من يعترضون على قانون منع التدخين، بل أصحاب المقاهي والمطاعم أيضا، فهم يعتمدون في تشغيل مطاعمهم على تقديم النرجيلة التي تعتبر عامل جذب للزبائن. ويؤدي فرض قانون منع التدخين إلى إقفال 40% من المقاهي والمطاعم وفق النقابة التي ينضوي أصحابها تحتها. لكن هؤلاء بادروا إلى تحدي القرار، فجلسوا في اليوم الأول للقرار مدخنين المعسل في مكان مقفل حتى أن بعضهم دخن نرجيلتين دفعة واحدة، في إشارة إلى غضبه من قرار الحكومة اللبنانية. الاعتراضات والنكات التي اخترقت لبنان بطوله وعرضه أدت إلى تراجع وزير السياحة اللبناني عن بعض حماسه فقال إنه على استعداد للبحث في تعديل قانون منع التدخين. وينص القانون على منع التدخين في المقاهي والمطاعم والأماكن العامة المقفلة، كما يفرض غرامات تصل إلى 900 دولار على المؤسسات والشركات المخالفة و100 دولار على الأفراد. لكن الجامعة الأميركية في بيروت كانت من أكثر الجهات حماسا لتطبيق القانون، فهي تعتبر أن الأثر الاقتصادي السلبي الكارثي والأكبر يتأتى من جراء عدم تنفيذ القانون، إذ أظهرت دراسة قامت بها مجموعة البحث للحد من التدخين فيها أن خسارة الدولة السنوية من جراء عدم تطبيق سياسات قوية للحد من التدخين تبلغ ما لا يقل عن 55 مليون دولار أميركي سنويا، بما فيها ارتفاع الفاتورة الصحية. ويجزم رئيس لجنة الصحة البرلمانية، وهو الأكثر حماسا لفرض القانون، الطبيب عاطف مجدلاني بأن فرض القانون سيؤدي "إلى تراجع الفاتورة الاستشفائية في لبنان" مشيرا على سبيل المثال إلى أن الاصابة بجلطات قلبية ستتراجع بين 18 و 20 في المائة. ويؤكد رئيس لجنة الصحة اللبنانية أن القانون وضع ليطبق وهو "ليس يتيما وأن لديه من يحميه".