قال الدكتور صابر حارص ، رئيس وحدة بحوث الرأي العام بجامعة سوهاج ، أن الحديث عن لجنة دائمة للدفاع عن حرية التعبير يجب أن يُستبدل بحديث عن ضوابط حرية التعبير التي ناقشتها الدول الغربية من بدايات القرن الماضي حينما تركت حرية التعبير غير المضبوطة آثاراً مدمرة على المجتمع الغربي جعلته يتبنى نظرية المسئولية الاجتماعية كبديل لنظرية الحرية. وأكد حارص المتخصص في الإعلام السياسي أن الممارسات الخاطئة لحرية التعبير منذ قيام الثورة المصرية وحتى بعد مجىء رئيس شرعي منتخب للبلاد كانت شريكاً أساسياً في تعطيل مسيرة الثورة والعودة بمصر إلى نكسة 1967 بدون مبالغة من انهيار اقتصادي وإنفلات أمني وإشاعة اليأس في نفوس الجماهير وفقدان الثقة والأمل في نهضة مصر ودورها الاقليمي. وأشار حارص إلى أن الدول العريقة في الديمقراطية تخضع فيها النصوص الصحفية والتلفزيونية الموصومة بجرائم السب والقذف والتشهير والإهانة والتحريض على الفتن وإشاعة الأكاذيب إلى القانون والقضاء ليقول كلمته ما إذا كانت هذه النصوص تدخل في إطار النقد المباح أم أنها تجاوزت ذلك ويتوفر فيها القصد والعمد في زعزعة الاستقرار والسلام الاجتماعي.
وأضاف حارص أن أصحاب فكرة الدفاع عن حرية التعبير تُحيطهم الشبهات باستغلال مناخ الحرية والأزمات التي تمر بها البلاد في تأجيج الصراع الاجتماعي وإشعال نار الفتنة في محاولة منهم لإفشال الرئيس الشرعي للبلاد دون مراعاة مصلحة الوطن وإقحام المواطنين الأبرياء في صراع ومصالح النخب السياسية التي استمر سلوكها ومنهجها على إعلاء مصالحها فوق مصالح الوطن ومحاولاتها تضليل الرأي العام وقلب الحقائق للإيحاء بأن جرائمها في النشر هو تعدي على حرية التعبير.
ولفت حارص إلى وجود فارق قانوني واضح وخط تشريعي فاصل بين حرية الرأي والتعبير وحرية التزييف والتضليل، وأن كثيراً مما يُنشر أويُبث منذ قيام الثورة المصرية هو دعاية رمادية وليس إعلاماً بالمعنى المهني، وأن الغرض الواضح لهذه الدعاية هو التحريض وليس التنوير، وتعبئة الرأي العام للهدم وليس البناء، ولتحقيق الأغراض الخاصة وليست العامة.
وأكد حارص أن مسئولية الإعلام أثناء الأزمات ترقى إلى حد التضحية ببعض الجوانب المهنية حفاظاً على الاستقرار الاجتماعي، وأن هذه التضحية تصبح جزءاً من القيم المهنية أثناء الأزمات، بينما ما يجري في بعض الصحف وسائل الإعلام المصري يؤكد تعمدها لتعكير السلام الاجتماعي وتهييج الجماهير وتنميط أفكارها وتفكيرها على الظن والتخمين والتخوين والصدام وإثارة الخلافات والنعرات بينها، وانتهاج هذه الوسائل أساليب المبالغة والتهويل والخداع والتعميم والتزييف ومغالطة الواقع والربط المزيف بين الوقائع وإخفاء جانب من الحقيقة والتحيز المُتعمد وإطلاق الشائعات وتحريك نوازع التعصب والتطرف الديني والفكري والسياسي.
وشدّد حارص أثناء الأزمات على أن يكون هناك دور بارز وحاسم وسريع للقانون والقضاء دون التأثر بدعاوى التضليل التي يُطلقها المُتهمون للتغطية على خروقاتهم لحرية التعبير وإساءة استخدامها في الانحراف بالمجتمع وأفكاره وسلوكياته نحو الجمهرة وسلوك القطيع بحجة التظاهر السلمي والخلاف في الرأي، وطالب حارص لجنة الاستماع والحوار والمقترحات بالتأسيسية للدستور بالكشف عن حجم الانتقادات الموجهة لاستغلال حرية الإعلام في التشويه والتطاول والإهانات وزعزعة استقرار البلاد وإشاعة الفوضى وكذلك أهمية وضع الضوابط الكفيلة بحماية حرية الرأي والتعبير سواء من جانب النظام أو من جانب الإعلاميين أنفسهم.