أقف فى محكمة الجنايات أو بالأحرى القفص ادارى خوفى من حكم فى قضية نشر بأربع سنوات سجنًا. معظم قضايا الصحافة تذهب لمحكمة الجنايات رأسا. لأن الكتابة عن فساد المسئولين والنواب تؤدى بالصحفيين إلى محكمة الجنايات بحكم القانون، لست وحدى فى هذه الكارثة. قدمنا مستندات ومبررات ودفوعًا. وكان من بين الدفوع أن إحالة الصحفيين لمحكمة الجنايات مخالفة للدستور. واحتياطيا طلب المحامى الكبير عصام الإسلامبولى وقف نظر الدعوى وإحالتها للقانون أو هذه المادة الى المحكمة الدستورية. لم يكن حكم الدستورية يقلقنى، فللمحكمة الدستورية أحكام تاريخية لإقرار العدل، فيفصل ترزية القوانين ما يشاءون من قوانين. فهناك قضاة المحكمة الدستورية سيهدمون المواد المعيبة ويردون الحق لأصحابه.
من بين الحسنات القليلة النادرة لنظام الرئيس المخلوع مبارك أنه استجاب واحترم حكم المحكمة الدستورية الأول بحل مجلس الشعب. كان مبارك لايزال فى بداية حكمه فى النصف الأول للثمانينيات عندما فاجأه الحكم التاريخى بعدم دستورية مواد بقانون الانتخابات وحل مجلس الشعب. وزاد من خطورة الحكم بحل هذا المجلس أن هذا المجلس كان قد قام بالاستفتاء على اختيار مبارك رئيسا للمرة الثانية. وبدا حكم المحكمة وكأنه موجه ضد رأس الدولة. وذهبت بعض بطانة مبارك أن تجاهل الحكم بل وصل الأمر الى ضرورة معاقبة المحكمة على تهورها أو بالأحرى تجرأها على رأس الدولة. ولكن آخرين من الحكماء فى بطانة مبارك نصحته باحترام الحكم وتنفيذه على الفور. وزينوا للرئيس أن الدول الديمقراطية تحترم المحكمة الدستورية. وأن استجابة مبارك للحكم إضافة لرصيده.
ومن حسن طالع مصر أن مبارك استجاب لأصحاب هذا الرأى، لأن أحكام الدستورية بعد ذلك أصبحت تحظى بالاحترام، والأهم أن هذا الحكم أكسب المحكمة قوة شعبية كبرى. وأنه رسخ لرقابة المحكمة الدستورية على ما يصدره مجلس الشعب من قوانين.
وعندما غرق نظام مبارك فى بحر الفساد السياسى، وتوحشت سلطة برلمانات الحزب الوطنى كانت المحكمة الدستورية هى الحصن الأخير والوحيد ضد قوانين السلق.
وقد تكررت أحكام الدستورية بعدم دستورية مجلس الشعب. ولا أدرى إذا كان الإخوان يتذكرون الآن أن المحكمة الدستورية هى صاحبة الفضل فى إقرار الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات أم أن المصالح السياسية الضيقة قد شغلتهم على تذكر أفضال المحكمة الدستورية.
فقد حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية الإشراف القضائى الناقص على الانتخابات. وقد أصاب هذا الحكم مجلس 1995 فى مقتل. ولأن الحكم صدر فى نهاية المجلس فقد تم تعديل القانون للإشراف القضائى الكامل (قاضٍ لكل صندوق) وهكذا جرت انتخابات مجلسى 2000 و2005. وبفضل هذا الإشراف تمكن الإخوان من دخول المجلس. فالمحكمة الدستورية التى يتطاول عليها البعض هى التى رفعت عشرات الحالات من الظلم عن الشعب المصرى. وهى التى أعادت للمصريين الضريبة على الأراضى الفضاء، وهى التى ألغت منح أبناء أستاذة الجامعات درجات إضافية لدخول الجامعة فى الثانوية العامة.
احترام المحكمة الدستورية ودعمها ليس فرض عين فقط، ولكنه فى حقيقة الأمر إحدى الضمانات الحقيقية لكل مواطن. وهذه الضمانة تدفعنا للقول بضمير مستريح فليذهب ألف مجلس للجحيم ولتبقى المحكمة الدستورية شامخة.