عندما نجد ممثلة إغراء مثل هيفاء وهبي بطلة فيلم تدور قصته حول مطلقة ارتبطت بعلاقة جنسية آثمة مع ابن جارتها البالغ من العمر 15 عاما ثم تحمل منه، وغادة عبد الرازق بطلة فيلم يتحدث عن معلمة أقامت علاقة جنسية مع تلميذ لديها في الفصل ثم تحمل منه هي الأخرى، وأن يجسد محمد رمضان دوما دور البلطجي الذي لا يتحدث إلا بلغة السلاح الأبيض والآلي، ويدخن الحشيش طوال مدة الفيلم، فلا عجب إذن أن نجد أطفالا في المرحلة الابتدائية يدخنون السجائر والحشيش، ويسبون دين معلميهم، ويتحرشون بالتلميذات في أروقة المدرسة وأمام بواباتها، وأن نجد طالبا في المرحلة الإعدادية ينظر لمعلمته نظرة فاحشة ويتحرش بجسدها، بل ويحاول اغتصابها. يجب ألا نستغرب أيضا والحال هكذا عندما نقرأ خبرا عن تلميذ يقتل معلمه داخل الفصل أمام زملائه، وأن يطلب معلم الصفح من طالب ثانوي هدده بالقتل بعد انتهاء اليوم الدراسي. في مجتمع يكون "السبكي" أحد صفوته يجب أن نتقبل تكريم راقصة أما مثالية، وأن تترشح سما المصري لعضوية البرلمان بل وللرئاسة، وتفتح فضائية جنسية تبث سمومها إلى الشباب والفتيات، وتسب علنا كل من تريد ووقتما تريد أمام سمع وبصر الجميع ودون وازع من حياء أو حتى اعتبار لوزيرة الإعلام. في مجتمع مثل هذا لا تنتظر إجلال العلماء ولا احترام المعلم، واعلم أن كل ما يثار عن التقدم والازدهار المرتقب "كلام جميل"، لكن مع استمرار انحطاط الذوق وانحلال الأخلاق لن يتحقق هذا الكلام، وسنظل نتغنى به كعادتنا، وما دامت الرذيلة يتم عرضها في دور السينما وفي التليفزيون فلماذا إذن تكلف وزارة الداخلية نفسها عناء البحث عن شبكات ممارسة الرذيلة ما دامت الرذيلة والألفاظ الخادشة، بل الهاتكة، للحياء متاحة في كل مكان ويتم السماح بترويجها عبر الشاشات؟! لا أقصد من هذا المقال قمع الفن ولا الفنانين، ولكني أتوق للفن بوصفه رسالة سامية تسمو بالنفس وتغذي الروح، لا بوصفه وسيلة لتعليم كيفية البلطجة وشراء وبيع المخدرات وكيفية حمل السفاح والسلاح الأبيض والآلي والاغتصاب والقتل وارتكاب كل ما هو غير أخلاقي. الفن إذا أحسنّا التعامل معه من الممكن أن يصبح أقوى سلاح لمكافحة الإرهاب والبلطجة والاعتداء على البيئة، فبالفنون تتفتح مدارك الناس ليهزموا العنف ويرتقوا بأفكارهم وسلوكياتهم نحو أنفسهم ومجتمعهم وبيئتهم، وإذا جرى الاهتمام به اهتماما حقيقيا قد نصل حقا إلى ما نرنو إليه من تقدم ورقي وازدهار. يقول "ديكارت" إن الموسيقى والفنون تبعث في الإنسان اللذة النفسية التي تأتي بعد الارتياح والسرور، ويقصد هنا بالفنون جميعها من نحت وغناء وعزف ورسم وكتابة وقراءة وتمثيل وغيرها، وقال أحد المثقفين إن من لم يعش الفن لم يتذوق طعم الحياة، وحين تنعدم الفنون تتصحر الحياة وتنضب، فحين ترى التماثيل في الشوارع كما في الخارج، وتنظر إلى عازفي الجيتار في الطرقات، وتسمع مقطوعات موسيقية هادئة في السيارات، وترى الجمال في المسرح، وتنطق الأغنية بكلمة جميلة وصورة بليغة، فاعلم أن الفن هو الحياة بمعناها الأجمل. للتواصل مع الكاتب [email protected]