جاء مجلس الشعب بانتخابات حرة غير مسبوقة، حقق فيها التيار الإسلامى انتصارا كاسحا وحصل على أغلبية الثلثين نتيجة أسباب كثيرة، بعضها جاء بسبب أخطاء القوى والتيارات المدنية، وكثير منها جاء بسبب كفاءته وتواصله الاجتماعى مع عموم الناس. والمؤكد أن هذا المجلس يعكس حقيقة المجتمع المصرى وميوله فى هذه اللحظة التاريخية، وهو أمر قابل للتغيير إذا كانت نقطة الانطلاق أنه مجلس معبر عن اختيارات الناس حتى لو اختلفوا مع كل أو بعض توجهاته، وليس «مجلس ثورة مضادة» أو غيره من التوصيفات التى لا تريد أن ترى الأسباب الحقيقية وراء اختيار الناس مجلساً بهذه الأغلبية. فقد يكون أمرا لافتاً أن تسيطر على مجلس الشعب أغلبية محافظة لا تنتمى فقط للتيار الإسلامى إنما كثير منها ينتمى لتيارات مدنية وآراؤه رافضة لكثير مما تقوله بعض الائتلافات الثورية وأحيانا بصورة أكثر محافظة من التيار الإسلامى، وعبر بعضه علنا عن آراء صادمة، سواء تجاه بعض الشباب أو تجاه أحد أبرز رموز الثورة المحترمين كمحمد البرادعى (بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه)، وبدا الأمر مدهشا أن تكون المحافظة هى رسالة الشعب المصرى للجميع فى أعقاب ثورة. والمفارقة أن كثيراً من ثوار مصر حريصون على دمج مسار الثورة وشرعيتها مع مسار الديمقراطية وشرعيتها، ويرغبون فى بناء دولة مدنية حديثة، وقليلون ينتمون لتجارب الفشل والاستبداد التى ترفض مسار بناء الدولة الديمقراطية لصالح مسار الثورة الدائمة، ومع ذلك بدا مشروع الثورة فى أعين كثير من المواطنين وكأنه صوت الاحتجاج والرفض وليس طريق البناء والتقدم. فإذا كان هناك من يريد أن يسقط الشرعية الديمقراطية لصالح الشرعية الثورية، فإنه بالتأكيد يرغب أن تنضم مصر إلى تجارب الفشل فى ثورات القرن الماضى التى حاولت أن تهندس المجتمع وفق أيديولوجية سابقة التجهيز، كما جرى مع الثورة الشيوعية فى روسيا، والثورة الإسلامية فى إيران، وكلها تجارب لم تجلب الديمقراطية لشعوبها رغم الثمن الباهظ الذى دفعته. تجارب النجاح، التى قليلا ما نتكلم عنها، هى كل التجارب التى شهدها العالم فى ال40 عاما الماضية من إسبانيا والبرتغال مرورا بانتفاضات أمريكا اللاتينية وثوراتها، وانتهاء بأوروبا الشرقية وتركيا واليونان وماليزيا وإندونيسيا، وكلها غيرت أو أسقطت نظماً ولم تسقط دولاً، إنما أصلحت مؤسساتها وأعادت بناءها، ولم يكن فيها ثوار أعطوا لأنفسهم حصانة خاصة فوق المجتمع، إنما فى تحويل نضالهم الثورى إلى مشروع ديمقراطى للإصلاح والتنمية، فنجحت كل هذه التجارب على الأقل فى جلب الديمقراطية، وتعثر بعضها فى جلب التنمية والتقدم. قد يفشل مجلس الشعب فى تلبية مطالب أغلبية المصريين، وقد لا يعطى كثير من الناس ثقتهم مرة أخرى لأغلب من فى البرلمان الحالى، لكن علينا أن نتأمل جيدا لماذا فشل الخطاب الثورى فى هذه الانتخابات، وكيف حصلت قوى محافظة ليبرالية وإسلامية على أغلبية كاسحة داخله، وكيف نعمل على وصول نفس ثورى جديد فى قالب سياسى يحترم الناس ويتواصل معهم ولا يطل عليهم فقط من «تويتر» و«فيس بوك»!