تعتمد دول كثيرة في العالم التعليم والتدريب التقني كأساس من أسس قيام دولة صناعية منتجة ، وتحتل ألمانيا مرتبة بارزة بين هذه الدول ، إذا تعتبر قوة اقتصادية عظمى وتعتبر أكبر مصدر وثاني مورد للبضائع في العالم حيث يغلب على اقتصادها الطابع الصناعي. ويعد نظام التعليم المهني أحد الأسباب الرئيسية لتفوق ألمانيا و تحولها لمعجزة اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث التكامل بين نظم التعليم واحتياجات سوق العمل واستحداث ما يحتاجه سوق العمل من برامج ومسميات وعدم النظرة الدونية لهذه المهن ، وأصبح التعليم التقني فيها رافداً هاماً من روافد سوق العمل بما يحتاجه من أيدي عاملة مؤهلة بأسلوب علمي ، وتأتي جمهورية مصر العربية في مقدمة دول الوطن العربي اهتماماً بالتعليم الفني والتقني ، وكانت هناك توأمة فيما بين البلدين فيما سمي بمشروع مبارك كول في عهد الرئيس السابق ، لكنها لم تكن مطبقة في كل مدارس التعليم الفني والتقني بمصر لأن مخرجات التعليم الفني العادية لا ترقى لهذا المستوى من المخرجات . وتهتم سلطنة عمان بهذا النوع من التعليم والتدريب المهني ، إذ تقوم وزارة القوى العاملة بالإشراف على مؤسسات, ومراكز التدريب المهنيالحكومية, والخاصة من خلال المديرية العامة للمعايير المهنية وتطويرالمناهج ، ويوجد في سلطنة عمان 22 مؤسسة تعليم مهني، و 98 مؤسسة تعليمإداري، و 15 مؤسسة تعليم فني، و 18 مركزاً, وهي تقدم أنواعا مختلفة منالتدريب، وتقوم الوزارة بتطبيق زيارات ميدانية مبرمجة وآنية إلى تلكالمؤسسات والمراكز من أجل التأكد من تنفيذ المناهج المقررة والمعتمدة ،وبرامج التدريب والتعليم . لكن مؤسسات التدريب المهني الخاصة تختلف عن هذه المعاهد والمراكز الحكومية فهي مؤسسات خاصة والتباين بينها كبير من حيث رأس المال المدار فيها ، وبالتالي القدرة والطاقة الاستيعابية والجودة والتنافس في ظل سوق تعاني مشاكل كثيرة نظراً لكثرة عدد هذه المعاهد ومراكز التدريب الخاصة حيث تقدم معظمها نفس النوعية من التدريب ، إذ تنقسم هذه المعاهد إلى ثلاث فئات هي معاهد التدريب الإداري – معاهد التدريب التقني – معاهد التدريب الحرفي ، وتمثل معاهد التدريب الإداري الغالبية العظمى من هذه المعاهد ، وهي تقدم دورات معتمدة من وزارة القوى العاملة تصدر بها شهادات تدريب مصدقة في مجالات ( برامج المواد التجارية والإدارية – برامج تعليم اللغة الانجليزية – برامج تعليم الحاسب الآلي والصيانة والبرمجة – برامج الشهادات الدولية حسب الجهة المانحة بعد اعتماد الوزارة للمحتوى ومسمى البرنامج ) وتواجه مؤسسات التدريب الخاصة مشاكل كبيرة قد تهدد بعض هذه المعاهد بالتوقف عن ممارسة دورها في هذا المجال حيث أن عائد التدريب في بعض هذه المؤسسات الخاصة لا يكاد يغطي نفقاتها من إيجارات ورواتب موظفين وقرطاسيه .... الخ ، ولما كان دور هذه المؤسسات بالغ الأهمية في تطوير وتنمية قدرات الطاقة البشرية من الباحثين عن العمل والعاملين الراغبين في تطوير قدراتهم من أجل التأهل لدرجة وظيفية أعلى والترقي ، فكان من الأهمية أن نوضح بعضاً من هذه المعوقات التي تقف حجر عثرة في سبيل تقدم هذه المؤسسات ، و هى : 1- رأس المال المدار حيث أن الحد الأدنى المطلوب لترخيص ومزاولة نشاط التدريبي لمعهد جديد هو 25000 ريال عماني ، ومعظم المعاهد الموجودة والتي تمارس دورها منذ سنوات كانت عند هذا الحد تماماً حال إنشائها وما يبدأ صغيراً يبقى صغيراً مع مرور الزمن 2- التشابه والتطابق بين غالبية هذه المؤسسات في البرامج والخدمات التدريبية المقدمة حيث تكاد تكون جميع المعاهد لديها نفس برامج التدريب بنفس المسميات والمحتوى . 3- عدم وجود برامج موحدة تقدمها الوزارة لهذه المعاهد ليعمل الجميع تحت نفس البرنامج وبنفس المحتوى وأسلوب التدريس ، رغم جهد الوزارة الرائع في مجال التدريب التقني حيث توجد مناهج موحدة تصدرها الوزارة لبرامج المشاريع الوطنية وتلتزم بتنفيذها المعاهد التي يقع الاختيار عليها لتنفيذ هذه المشروعات ، والتي لا بد حتماً أن تكون من معاهد الدرجة الأولى . 4- عوائد التدريب وتقديم الخدمة التدريبية ، إذ تعاني معظم هذه المعاهد والمؤسسات التدريبية الخاصة انخفاضاً في عائدات التدريب نظراً للتنافسية العالية داخل السوق وانحصار أعداد الراغبين في تلقي هذه الخدمات خاصة معاهد الدرجة الثالثة والرابعة . 5- المستجدات والظروف الراهنة وتأثيرها على هذه المؤسسات التدريبية الخاصة ، نظراً لتأثر السوق بالظروف الاقتصادية العالمية التي ربما وليس لزاماً أن تأثر في الظروف الاقتصادية المحلية ، وكذلك عمليات التعيين لدفعات كبيرة من الملتحقين على سوق العمل في ظروف معينة تؤثر تأثيراً كبيراً على المستهدفين من هذه المؤسسات التدريبية . 6- نظرة المستهلك لهذا النوع من الخدمة ، خاصة مع وجود التنافس الكبير وربما نقص الجودة في بعض الأحيان ولظروف مؤسسات بعينها ، إذ يشكل ذلك مرجعية لدى كثيرين من رواد هذه الخدمة كنقطة ضعف يروجون لها بين أصدقائهم وقرنائهم في العمل لتقف هذه التعليقات والملاحظات عائق أمام المستجدين على طلب هذه الخدمة . 7- عدم القدرة على التطوير وإعادة التأهيل للمؤسسة حيث أن معظم مؤسسات التدريب الخاصة افتتحت في مبنى مؤجر لا يملكه صاحب النشاط ومع تغير الإيجارات بمرور الوقت أصبحت هذه الإيجارات تمثل عائقاً أخر يضاف إلى ما يعانيه صاحب المؤسسة ، وبالتالي تصبح فرصة الانتقال لمبنى آخر تتوافر فيه مواصفات أعلى تراعي المتطلبات والمعايير التي تحددها الوزارة في ظل الظروف السابقة "غاية صعبة المنال" . لكن أصحاب هذه المؤسسات كلهم طموح وأمل أن تتحسن ظروف التدريب ، وأن تمكنهم عائدات هذه المؤسسات من تطويرها وتحسين مستوى الخدمة بها من أجل الاستمرار في تقديم هذه الخدمة بشكل يرضي المستقبلين لها ، ويحظى بموافقة وزارة القوى العاملة على استمرار المؤسسة في تقديم خدماتها من أجل صالح الوطن والمواطن . أما عن الرؤية حول هذا الموضوع من أجل أن يكون هذا القطاع مؤثراً في الاقتصاد العماني بدرجة أكبر وبعمق حقيقي خاصة في ظل وجود العديد من الكليات التقنية التي تقدم مخرجات رائعة المستوى تنافس مخرجات مثيلاتها في دول أخرى ، هى كالتالى : 1- يفصل قطاع التدريب التقني عن قطاع التدريب المهني ويصبح هيئة مستقلة تحت إشراف وزارة القوى العاملة . 2- أن تدخل الكليات التقنية بعد تقنين بعض المعايير ومواصفات الجودة الدولية بها تحت مظلة التعليم العالي . 3- أن تنشأ روافد لهذه الكليات تبدأ من بعد مرحلة التعليم الأساسي فيما يوازي مرحلة الدبلوم العام ، بإنشاء مدارس صناعية متطورة بنظامي السنوات الثلاث والسنوات الخمس . 4- يفضل الاستعانة بخبرات دول لها تجارب في هذا المجال كألمانيا أو تجربة الإمارات العربية في معهد التكنولوجيا التطبيقية وهو موازي للدبلوم العام ، خاصة في بداية إنشاء هذا النوع من المدارس الفنية . 5- أن تكون المرحلة التالية لهذه المدارس هي الكليات التقنية خاصة النابغين من مخرجات هذه المدارس والذين يحصلون على نسب نجاح في قطاعي الدراسة النظري والعملي بما يعادل 75% من مجموع الدرجات . 6- توزيع باقي مخرجات هذه المدارس على قطاعات العمل وفق احتياجات كل قطاع من هذه الفئة المؤهلة تأهيلاً مهنياً مناسباً ، على مدار ثلاث أو خمس سنوات ، بما يوازي عامل ماهر وعامل مهني . 7- التحضير والتوعية لأهمية هذا النوع من التعليم ، وتغيير نظرة المجتمع عنه ، حيث ينظر للتعليم التقني من قبل الغالبية على أنه درجة أقل وأدني من التعليم العام . 8- تحديد الأعداد التي ستلتحق بهذا النوع من التعليم بما يتناسب وحاجة البلاد المستقبلية وسوق العمل في القطاعين العام والخاص ، وأن تكون المهن المقترحة للتدريب بناء على دراسة للسوق العمانية وليس نقلاً حرفياً للمدارس بتخصصاتها التي تناسب دولاً أخرى . 9- هناك معاهد تدريب مهني ومراكز تدريب حكومية لا تختلف كثيراً عن مدارس التعليم الفني الصناعي الموجودة في دول المنطقة العربية مثل مصر ، يمكن تغيير سياساتها التربوية ومناهجها التدريبية لتصبح نواة لهذا النوع من التعليم ، وربما كانت معظمها صالحة لهذا النوع من التغيير . التدريب المهني حينما يصبح قطاعاً مستقلاً عن التدريب التقني سوف ينطلق إلى آفاق من التغيير والتطوير ، وسوف يصبح بسياسة جديدة قادراً على خلق برامج تدريبية موحدة ، حيث تقوم الوزارة عبر مجموعة من الخبراء بها على صياغة برامج ومناهج تدريب موحدة تصدر كتيباتها التدريبية من الوزارة وتلتزم بها جميع المؤسسات التدريبية الخاصة ليصبح نفس البرنامج بنفس المحتوى والمسمى مطبقاً في كل المعاهد باختلاف أماكنها داخل السلطنة ، كذلك سيحدد عدد المعاهد وتصنيفاتها بما يخدم الجميع بما فيهم المؤسسة التدريبية والعميل متلقي هذه الخدمة .