عبر الأتراك في الحي المحافظ الذي نشأ فيه طيب أردوغان في اسطنبول يوم الأربعاء عن مساندتهم لرئيس الوزراء في تحد بعد بث تسجيل صوتي يزعم انه يطلب فيه من ابنه اخفاء مبالغ ضخمة من المال. ويتباين هذا التحدي بشدة مع أجواء الغضب في المناطق التي لا يحظى فيها اردوغان بنفس القدر من التأييد فيما يكشف عن تزايد عمق الاستقطاب في تركيا حيث حكم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء على مدى 12 عاما شهدت نموا اقتصاديا كبيرا. ودعا ساسة المعارضة اردوغان الى الاستقالة بعد بث التسجيلات الصوتية لكنه لم يتزحزح قيد أنملة متهما أعداءه بالتنصت على اتصالات الدولة المشفرة لاختلاق اتصال هاتفي في وقت شهد مداهمات قامت بها الشرطة في اطار تحقيق في الكسب غير المشروع. وقال بلجوزار إكمن (33 عاما) وهو صاحب متجر للملابس يعتقد ان التسجيلات الصوتية مزيفة "أعتقد ان هذا التحقيق محاولة من أعداء تركيا لازاحة اردوغان من السلطة فقد زاد بلدنا قوة وثراء وصار صوتها مسموعا على الساحة الدولية." وأضاف متحدثا في حي قاسم باشا وهو أحد أحياء الطبقة العاملة في اسطنبول "لا استطيع أن أجزم بوجود الفساد أو عدم وجوده لكنني أستطيع أن أقيس مدى التحسن في حياتنا في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والنقل." وكانت تركيا تعاني في السنوات السابقة على مجيء اردوغان الى السلطة من ارتفاع التضخم المزمن وازمات اقتصادية متلاحقة في ظل حكومات ائتلافية غير مستقرة. وأدت التسجيلات الصوتية إلى تبادل مرير للاتهامات بين الأحزاب السياسية في البرلمان يوم الثلاثاء وهيمنت على التغطية الاعلامية التي انعكس فيها عمق الانقسام بين أنصار اردوغان ومعارضيه. وكتبت صحيفتا يني شفق وصباح المؤيدتان للحكومة في عنوانيهما الرئيسيين "مونتاج وقح" مرددتين وصف اردوغان للتسجيل الصوتي الذي أوضح أنه يحمل شبكة خدمة التي يديرها رجل الدين فتح الله كولن المسؤولية عنه. أما عنوان صحيفة راديكال الليبرالية فكان "التسجيل الذي يهز تركيا". وكتبت صحيفة جمهوريت العلمانية مقتبسة من زعيم المعارضة الرئيسي "إهرب أو استقل". ويزعم أن التسجيل لاردوغان وابنه بلال يناقشان سبل التخلص من مبالغ مالية في البيت من خلال توزيعها على عدد من رجال الأعمال. وفي إحدى المراحل يقول الصوت الذي يفترض أنه صوت بلال إن مبلغا قدره 30 مليون يورو (40 مليون دولار) تبقى وينبغي التخلص منه. ونشرت صحيفة بيرجون اليسارية نصا مكتوبا للتسجيلات الخمسة مخصصة له صفحتها الأولى كاملة دون أن تشير بالاسم الى اردوغان وبلال واصفة المتحدثين بأنهما أب وابنه. وقال اليف (32 عاما) وهو مدير شركة كان جالسا يدخن خارج مقهى في حي راق في أنقرة "لم نكن قط بهذا الفساد وهذا العفن. هل تتخيل؟ رئيس الوزراء وأفراد أسرته لديهم مبالغ من الضخامة بحيث لا يعرفون أين يضعونها." وقال حسن دمير (37 عاما) وهو سائق سيارة أجرة في أنقرة "اعتقد ان التسجيلات صحيحة. كنت أظن دائما أنه يسرق. لكنني أعرف أن الناس سيمنحونه أصواتهم من جديد فهم يوزعون الفحم والأرز على الفقراء." استمرار التأييد الشعبي تشير استطلاعات الرأي التي أجريت قبل بث التسجيلات الى استمرار التأييد الشعبي لاردوغان برغم فضيحة الفساد التي تكشفت في 17 ديسمبر كانون الاول بالقبض على رجال أعمال مقربين منه وأبناء ثلاثة وزراء. وكان التأييد لاردوغان قويا في حي قاسم باشا حيث علقت صور عملاقة له على واجهات المباني. وفي حانوت اردنج جونر الحلاق كانت مجموعة صغيرة من الرجال جالسين يدخنون ويحتسون الشاي في انتظار دورهم في الحلاقة وكلهم يؤيدون حزب العدالة والتنمية. وقال جونر (27 عاما) "لقد عوض عن أي فساد بما فعله في الخدمات المقدمة للناس. هذا البلد عرف أسوأ من ذلك كثيرا في الماضي. وبالإضافة الى ذلك من غيره نمنحه أصواتنا؟ أكبر ميزة لحزب العدالة والتنمية هي الحالة المزرية للمعارضة." لكن التسجيلات قد تمثل اختبارا أصعب لمدى استمرار ما يتمتع به من تأييد قبل الانتخابات المحلية التي تجرى في 30 مارس اذار. وأدى تصاعد التوتر السياسي إلى تراجع أسواق المال لكن الليرة والاسهم سجلت بعض الارتفاع يوم الاربعاء. وأدت التسجيلات كذلك إلى احتجاجات في الشوارع لكن على نطاق أصغر كثيرا مقارنة بالمظاهرات المناهضة للحكومة التي شهدتها البلاد الصيف الماضي. ويتهم اردوغان كولن بإقامة "دولة موازية" باستغلال نفوذه في القضاء والشرطة ورد على فضيحة الفساد بنقل آلاف من ضباط الشرطة ومئات من القضاة وأعضاء النيابة العامة من أعمالهم. كما استصدر من البرلمان قوانين تشدد سيطرة الدولة على القضاء والانترنت. وأقر البرلمان مساء الثلاثاء تعديلات لقانون الانترنت تستجيب لبواعث قلق الرئيس عبد الله جول بخصوص تشديد القيود. وصدق جول يوم الاربعاء على القانون الخاص بالقضاء بعد أن نزل عند رأي المحكمة الدستورية في بعض بنود التشريع الذي تعهد حزب الشعب الجمهوري المعارض بالطعن فيه أمام المحكمة. ووصف كولن من خلال محاميه اتهامه بالتواطؤ في موضوع التسجيلات بأنه ظالم ويساهم في اشاعة أجواء "الكراهية والعداوة" في المجتمع التركي. وكتب المعلق السياسي مصطفى أكيول في صحيفة حريت ديلي نيوز "الحقيقة المرة هي أننا أصبحنا شعبا من قبائل متحاربة لم يعد يجمع بينها سياق أو قيمة أو منطق الا قليلا. "وأشد القنابل السياسية انفجارا - على الأقل بين ما تفجر منها حتى الان - ليس من شأنها سوى ان تزيد انقساماتنا عمقا." من أيلا جين ياكلي وحميرة باموك