هى سورية تتأهب لمغادرة الطفولة، ذات عينين واسعتين يطغى الحزن فيهما على الحسن، تقف لتتحمل إهانة السؤال ولا تملك إلا تهديدا باهتا وصامتا بالبكاء.. رأيتها في كل مكان في القاهرة.. في إشارات المرور.. أمام المساجد.. على أبوب الحدائق.. في محطات المترو.. حتى في المولات الفارهة أو في الأسواق الشعبية.. تقف تترقرق في عينيها الدموع.. تسأل العابرين ثمن لقمة خبز، فهى قد تركت أسرة تنتظر عودتها ببعض لقيمات، تدعو في رجاء أن تعود فلا تجدهم قد طردوا وتشردوا في الأرض في رحلة لا يعلم سوى الله كيف ستكون نهايتها. كيف يمكن لضمير وطني أو قومي أو ديني أو إنساني، أن يتحمل مشاهد الفتيات السوريات وهن يتعرضن لكل ألوان المهانة والسفالات الأخلاقية ؟! فمن ذا الذي يمكن له أن يتحمل مسئولية مشهد هذه الطفلة وغيرها في محيط يحكمه جنون العداوة والبغضاء من كل شيء ولكل شيء! رأيت في وجهها مأساة كل سورية، طفلة كانت أم فتاة، تتعرض للافتراس بلا رحمة، بينما تضج قاعات المؤتمرات والاستديوهات والشاشات صراخا على سوريا! فإلى من أتوجه معها بالاتهام على تسهيل الإهانة والإذلال، بل والاغتصاب إذا تهيأ الأمر؟! لا أتوجه إلى بشار الأسد.. لأنه يحارب معركة بقاء أو فناء لا يهمه من مصير غيره شيئا. لا أتوجه إلى المعارضين السوريين، فما هم سوى وجوه أخرى من بشار تنتظر الانقضاض على سوريا. لا أتوجه إلى جامعة الدول العربية، لأنها ليست إلا تجمعا لحكومات تتناحر مصالحها بعيدا عن شعوبها. لا أتوجه إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، لأنها في شغل بإعداد القاعات الفاخرة في المدن الساحلية، لعقد مجامعها الفقهية. لا أتوجه إلى بان كي مون وأممه المتحدة، فما الأممالمتحدة بجميع هيئاتها، إلا أداة من أدوات الهيمنة الأمريكية على أرجاء الكون. لا أتوجه إلى رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسه، فهو مشغول بصراعاته مع الكونجرس التي لا يبدو لها نهاية. لا أتوجه إلى الأخضر الإبراهيمي، حتى لا نضيع الوقت في فهم العبث المتفق عليه. فقط أتوجه إلى "جون كيري" بصفته صانع السياسية الأمريكية بلا منازع، فهو الرجل الأول والقوي في البيت الأبيض حتى ليكاد يعيد إليه أمجاد دالاس وكيسنجر، فجون كيري ذلك العجوز الداهية، بيده مفاتيح سرية يمكن أن تحول الأيدي التى تريد خنق بشار، إلى أيد تصافح نفس هذا البشار ولكن كيري العجوز لا يهمه ما تعانيه سامية بنت حلب وهى تكتوى بنار الهجرة، مادامت يهوديت بنت تل أبيب تنعم في بيتها بالأمان. أفمن أجل أن تتم الصفقات السياسية والتجارية حول بحيرات جنيف الساحرة، تجوع السورية أو تأكل بثديها؟! في دمشقهم وحلبهم وحمصهم، كان السوريون حقا يعانون الذل في كل مكان داخل بلادهم، لكنهم الآن يعانون ذلهم في كل مكان على ضهر الأرض، فإن كان بشار وأبوه حولا سوريا إلى سجن كبير، فالعالم كله الآن قد تحول إلى معسكر اعتقال عملاق لهم بفضل كيري وإخوانه. ماذا فعلت أنت وبان كي مونك وأوباماك، لثلاثة ملايين سوري وسورية مشردين في الأرض بغير الحق؟! ها أنتم قد تركتم نساء سوريا فرائس لذئاب الغربة، لا يجدن ملجأ أو مأوى أو مغارات يأوين إليها، إلا وبها سماسرة الأعراض ينتظرون، مختبئين تحت معطف السياسي أو جلباب الشيخ أو تي شيرت الناشط أوجاكيت الحقوقي! فأنت وهؤلاء أخذتم منهن الأمن والسلامة والشبع نظير وعد بالحرية وأقسم أنكم لم ولن توفوا بالوعد، فهل نالت العراق حريتها على يديكم حتى تنالها سوريا؟! نحن يا سيدي لم ننس أن عملية غزوكم العراق، كانت تحت اسم "حرية العراق"، وأن غزوكم ليبيا كان بداعي تخليصها من حاكم مجنون.. أتظن أننا نصدق مثل هذه الأكاذيب؟! هل أنتم دعاة حرية أو حراس عقل؟! في عنقك يا سيد كيري، مسئولية كل طفلة أو فتاة أو امرأة سورية، تسلم جسدها مكرهة إلى أحد ذئاب الأعراض نظير مأوى أو مقابل لقمة. لا أناشد فيك ضميرا، فالسياسيون حسب مذهبك، لا يؤمنون بمثل ما يؤمن به الناس، لكن رجاء منكم أن تكفوا أصدقاءكم من نشطاء سوريا ومصر وليبيا والعراق عن الكذب، وأخبروهم أننا كشفناهم مبكرا ولكنهم حتى هذه اللحظة، لايزالون في غيهم يعمهون ويظنون أننا مخدوعون منهم وبهم فيهم. أرجوك مرة أخرى أن تصدر أوامرك إليهم، بأن يكفوا عن الحديث عن مستقبل باهر ينتظرنا بعد القضاء على الطواغيت، فما بقيت هذه الطواغيت، إلا بمباركتكم، فأنتم بارعون في صناعتها أو استبدالها أو خلعها أو حتى قتلها متى شئم! ماذا تريدون منا بعد أن علمتمونا كيف نعض بنان الندم على أيام صدام ومعمر ومبارك وزين العابدين؟! وعلى من تريدون منا أن نندم بعد ذلك؟!.. فقد شهد كيف تصنعون الرجال. يا سيد جون: لقد كرهنا من أجلكم كلمات الحرية والديمقراطية والمدنية والتقدم، فإلى متى تذبحون أولادنا وتستحيون نساءنا بمثل هذه الكلمات؟! إلى متى هذا البلاء العظيم؟! عزيزي كيري: هاك هى الحرية التى وعدتنا، فخذها إليك.. فقد كرهنا اليوم دعاتها.. كما كرهنا بالأمس أعداءها! اقتلوا بشار أو انفوه أو اخلعوه أو حاكموه، لكن أعيدوا بنات سوريا، فلعلهن يسترجعن ذكريات أيام القهر والعبودية، تلك الأيام التى حافظن فيها على كرامتهن، فالموت تحت الحطام مع الكرامة، أشرف ألف مرة من الحياة مع مهانة الغربة!