الولايات المتحدةالأمريكية لا تثق فى أحد قط. هذا ما يمكن استنتاجه والتأكد منه بعد الفضيحة المدوية التى تم اكتشافها مؤخرا بتجسس الإدارة الأمريكية على العديد من زعماء العالم وشبكات الإنترنت والاتصالات الهاتفية عبر توظيف واستغلال شركات الإنترنت باستخدام برامج تقنية عالية لفك شفرات الاتصالات. فضيحة جديدة تنضم الى سجل فضائح الولاياتالمتحدة تذكرنا بالقضية المشهورة "ووتر جيت" التى استقال بسببها الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون فى سبعينات القرن الماضى. تمثل هذه الفضيحة بلا شك لحظة فارقة فى علاقة الولاياتالمتحدة بالمجتمع الدولى وبالدول الكبرى الذين وثقوا فيها و اكتشفوا الحقيقة الزائفة للقوى العظمى فى العالم التى سقطت ورقة التوت عنها أخيراَ. حتماَ ستتأثر العلاقات سلباَ مع المانيا وفرنسا وانجلترا وغيرها من الدول الأوروبية التى تعد أقوى حلفاء أمريكا حول العالم. فالأمر وصل الى مراقبة الهاتف الخاص بالمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل و35 زعيما آخرين. تبعات فضيحة التجسس لن تقتصر على العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين واشنطن والعواصم الأوروبية بل ستلقى بظلالها على المنظومة الاقتصادية بين الجانبين الذين دخلوا فى مفاوضات مؤخراَ لإنشاء منطقة للتبادل الحر مما يهدد مستقبل العلاقات الاقتصادية بينهما، خاصّة أن الاقتصاد الأمريكى يواجه هزات وأزمات متواصلة خلال الفترة الأخيرة. إن مصداقية الولاياتالمتحدة أصبحت محل شكوك، ومن الصعب على واشنطن الحفاظ على تحالفاتها، والتأثير على الرأى العام العالمى وربما حتى فى الصفقات التجارية والعسكرية. لقد انتقلت الولاياتالمتحدة من لعب دور شرطى العالم الى دور جديد وهو المتنصت على العالم، وستخسر أمريكا الجميع، فحلفاؤها لم يعد يثقون بها ، وأعداؤها لم يعد يخشونها بعد اليوم. اكتشف العالم أجمع وهم أمريكا التى تتباهى بأنها الدولة الديمقراطية الأولى فى العالم وحامى الحريات وقلعة الحقوق ، فهى ديمقراطية زائفة قائمة على التجسس وانتهاك حقوق الإنسان لاسيما الحياة الخاصة والتدخل فى شئون الدول تحت ستار محاربة الإرهاب. توهمت الولاياتالمتحدة أن التنصت والتجسس أيا كان شكله سيمكنها من معرفة كيف تفكر الدول حول قضية ما، وما نقاط القوة التى تعتمدها ونقاط الضعف، وسيجعلها تحافظ على تفوقها الدولى فى جميع المجالات، ولكن على العكس، فقد بدأت عصر الاضمحلال والتراجع، وسينقلب السحر على الساحر وستكون قضية التنصت والتجسس نقمة عليها وليس نعمة.