يتوجه الرئيس السوداني عمر البشير اليوم "الثلاثاء" إلى جوبا لعقد قمة مع الرئيس الجنوبي سيلفا كير ميارديت، وسط أجواء من الترقب المشوب بالحذر حيث من المتوقع أن تتطرق القمة إلى عدد من القضايا الخلافية وعلى رأسها قضية أبيي التي لاتزال تشكل حجر عثرة في طريق السلام السوداني. وتعد زيارة البشير هذه هي الثانية من نوعها منذ استقلال الجنوب في يناير 2011 حيث كانت الزيارة الأولي في أبريل 2012، كما أنها تعد ثاني قمة بين الرئيسين في أقل من شهرين بعدما استضافت الخرطوم في سبتمبر الماضي قمتهما السابقة والتي اعتبرها كثير من المراقبين خطوة إلى الأمام في طريق إصلاح العلاقات بين البلدين. ومن المتوقع أن يناقش الرئيسان في قمة اليوم عددا من القضايا الأمنية والتبادل الاقتصادي والتجاري ومتابعة تنفيذ اتفاقات التعاون الموقعة بين البلدين العام الماضي بما في ذلك اتفاق النفط الذي يمثل ثقلا كبيرا في علاقات البلدين لاسيما بعدما أعلن الرئيس البشير خلال قمته السابقة مع كير استمرار ضخ نفط الجنوب عبر خطوط أنابيب السودان مما اعتبر مؤشرا على حدوث تحسن نسبي في العلاقات الثنائية. ويبدى العديد من المراقبين تفاؤلا إزاء قمة اليوم ويستندون في ذلك إلى الأجواء الإيجابية التي تمر بها حاليا العلاقات بين جوباوالخرطوم والتي ظهرت في عدة مؤشرات أولها أن القمة الأخيرة التي جمعت بين البشير وكير الشهر الماضي أظهرت حرص البلدين على استمرارية العلاقات الجيدة بينهما وتقويتها حيث تم التوصل إلى مجموعة من التفاهمات في ملفات النفط والتجارة والديون، وفتح المعابر الحدودية. كما اتفقت كل من الخرطوموجوبا على طرد "العنصار المتمردة"، والمنتشرة على الحدود بين البلدين، وإطلاق سراح الأسرى وتحديد "الخط الصفري" الذي يفصل بين قوات الجانبين إضافة إلى التنسيق في العديد من المواقف الدولية المشتركة. وثاني المؤشرات الداعية للتفاؤل هو قرار جوبا قبيل زيارة البشير وقف كافة الدعاية الإعلامية الخاصة باستفتاء أبيي في مدن الجنوب، والذي كان من المزمع عقده خلال الشهر الجاري واعترضت عليه الخرطوم، مما اعتبر مؤشر تهدئة ورغبة من جوبا في التوصل حل توافقي مع الحكومة السودانية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل، في تطور لافت، انتقد سلفاكير استجابة المجتمع الدولي للنداءات المتكررة، من أجل التدخل الفوري في قضية أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب. وكان من المقرر إجراء استفتاء في أبيي هذا الشهر وفقا للمقترح الأفريقي الذي طرحه رئيس اللجنة الأفريقية المكلفة بالتوسط في النزاع ثابو مبيكي في سبتمبر من العام الماضي، غير أن الخرطوم رفضت المقترح، الذي وافقت عليه جوبا، للعديد من الأسباب أبرزها رفض جوبا مشاركة قبيلة المسيرية في الاستفتاء إضافة إلى عدم اكتمال الترتيبات الفنية الخاصة بالاستفتاء وعدم تكوين المؤسسات المدنية من الشرطة والأجهزة التنفيذية والتشريعية والخدمة المدنية إلى جانب التحدي الأمني الماثل بالمنطقة. ونتيجة لذلك أعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي رفضه إجراء الاستفتاء من طرف واحد حيث إن قانونية الاستفتاء وقبول نتائجه مرهونان بموافقة الطرفيْن، أي بموافقة حكومتيْ الخرطوموجوبا. وهو مايعني أنه من الناحية العملية أصبح من الصعب إجراء الاستفتاء خلال الشهر الجاري. ورغم ماسبق أعلن زعماء قبيلة الدينكا نقوك، أشهر القبائل القاطنة في أبيي والموالية لجنوب السودان، أنهم سيمضون قدما في إجراء الاستفتاء لتقرير مصيرهم إما بالانضمام الى السودان أو الى جنوب السودان على أن يتم إجراء الاقتراع في الفترة من 27 إلى 29 أكتوبر الجاري وإعلان النتيجة في 31 من الشهر ذاته. وتشهد منطقة أبيي توترات بين مجتمعات الدينكا نقوك الجنوبية والمسيرية السودانية، ويتهم كل طرف الآخر بحشد ميليشياته داخل أبيي لذلك أبدى المراقبون تخوفهم ما إذا أقدم الدينكا نقوك بالفعل على إجراء الاستفتاء من جانب واحد لما قد ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة على الوضع الأمني في المنطقة واندلاع حلقة جديدة من حلقات النزاع بين السودان وجنوب السودان. والواقع أن منطقة أبيي هذه كانت سبباً في انهيار اتفاقات سلام سابقة لتوحيد السودان قبل اتفاق نيفاشا 2005، فقد كانت من أهم العوامل التي نسفت اتفاق أديس أبابا 1972 وكادت أن تعصف بمفاوضات السلام في كينيا عام 2004. وعقب توقيع اتفاق نيفاشا شهدت أبيي تصعيدا للمواجهات بين الجيش السوداني والجيش الشعبي لتحرير السودان حتى كادت أن تعصف باتفاق السلام. كما أنها كانت من أبرز الأسباب التي جعلت الحركة الشعبية تعلق مشاركتها في الحكومة السودانية في أكتوبر 2007، لأنها اتهمت المؤتمر الوطني حينذاك بعدم تنفيذ بنود اتفاق نيفاشا الخاصة بترسيم الحدود. وتعتبر أبيي من أعقد القضايا الخلافية بين دولتي السودان، فقد كانت تشكل دائما نقطة خلاف رئيسية أثناء المفاوضات بين الخرطوم والحركة الشعبية من أجل التوصل لاتفاق السلام، وتركز جوهر الخلاف حول تعريف حدود المنطقة وتبعيتها الإدارية، لذلك انفردت ببروتوكول خاص بها ضمن بروتوكول ماشاكوس 2002 ثم ضمن اتفاقية نيفاشا 2005. وكان من المفترض أن يتم الاستفتاء بالتزامن مع قيام استفتاء جنوب السودان في الأول من يناير 2011، إلا أن اشتراط الحكومة السودانية لمشاركة المسيرية في عملية التصويت، والخلاف على من يحق له المشاركة فيه، أدى إلى عدم إجرائه في وقته. وطال أمد مفاوضات أبيي واستعصى حلها حتى وصل الأمر إلى حد الاقتتال بين قوات الجيش السوداني وجيش الجنوب في أبريل 2012 والذي أوشك أن يتطور إلى حرب بين البلدين. وفي محاولة لاحتواء الأزمة اقترح الاتحاد الأفريقي إقامة استفتاء أبيي في أكتوبر الحالي بمشاركة قبائل دينكا نقوك التسع والسكان المقيمين في المنطقة مع الاحتفاظ بالحقوق السياسية للمسيرية، وهو ما قوبل برفض من قبل الخرطوم. وترجع الأهمية القصوى التي تمثلها منطقة أبيي على الساحة السودانية في أنها تعد من أغنى المناطق الغنية بالنفط، فعلى الرغم من أن مساحتها لا تتعدى 1% من مساحة السودان إلا أنها تحتوي على ثلثي الحقول النفطية السودانية والتي تبدأ شرقاَ بحقلي "شارف وأبو جابرة" وتنتهي بحقول "هجليج وبليلة". وتشير بعض المصادر إلى أن أبيي تضخ ما يقرب من نصف إنتاج السودان النفطي أي ما يعادل 500 ألف برميل يوميا، مما جعل البعض يطلقون عليها لقب "كويت السودان"، هذا بالإضافة إلى احتوائها على كميات هائلة من الغاز الطبيعي والمعادن والمياه. إلى جانب الثروة النفطية، تمثل منطقة أبيي بؤرة توتر اجتماعي حيث يسكنها مجموعة من القبائل العربية أهمها قبيلة "المسيرية"، بالإضافة إلى قبائل افريقية من أشهرها قبيلة "الدينكا نقوك" الجنوبية، وتمثل القبيلتين الغالبية العظمى لسكان هذه المنطقة. وقد اندلعت الصراعات بين الطرفين في أوقات سابقة بسبب إدعاء كل منهما أنها استوطنت المنطقة قبل الأخرى، إلا أن أبيي قد تحولت لبؤرة مشتعلة في الصراع بين الشمال والجنوب قبل الانفصال بعد أن نجح زعيم الجيش الشعبي الراحل جون قرنق في اجتذاب بعض أبناء المنطقة وضمهم إلى حركته المتمردة، ومن هنا اتخذ الصراع طابعاً سياسياً بعد أن كان مجرد نزاع بين قبائل. ويرى المراقبون أنه وفقا للمعطيات التي تحيط بقضية أبيي فقد أصبح من الضروري أن يتوصل السودان وجنوب السودان إلى حل توافقي لحسم هذا الخلاف وتقديم كل طرف قدرا من التنازلات لتفادي اندلاع أعمال العنف من جديد في الإقليم وإلا فستظل أبيي دائما عقبة في طريق السلام السوداني.