نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن خيال، أو مبالغة في تحليل الواقع، ولكننا أمام تحدى حقيقي، يكمن في خطر يهدد وظائف البشر، وما ترصده الدراسات والتقارير الغربية، تكشف عن مخطط يقوده الذكاء الاصطناعي وجيشه من الريبورتات الآلية، يهدف إلى الإطاحة بالعنصر البشرى في الكثير من الوظائف المختلفة، والمخيف في هذا الواقع، هو سرعة تطور هذا الجيش، ودخوله في الكثير من مجالات العمل التى لم يتخل أحد ألا يعمل بها بشري. ومع استخدام الذّكاء الاصطناعي أكثر فأكثر في كثير من القطاعات، ومع اعتباره ثورة تكنولوجيا المستقبل القريب، وفي ظل تزايد ترابط عمل الإنسان بالتكنولوجيا والإنترنت، كان لابد من البحث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، ومعرفة إلى أي مدى هناك وظائف قد تكون مهدّدة بالغياب جراءه.
ما المقصود بالذكاء الاصطناعي؟
بأبسط العبارات، هي الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها، ويتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال، ومن هذه الأمثلة، تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة، وكذلك القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة.
فالذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة، وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم صورًا عن الروبوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر، وكلنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير، مما يجعله أصلاً ذا قيمة كبيرة من أصول الأعمال.
هكذا يهدف المطورون من الذكاء الاصطناعي
ويسعى المطورون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي يتم تنفيذها يدويًا بكفاءة أكبر، والتواصل مع العملاء، وتحديد الأنماط، وحل المشكلات، وللبدء في استخدام الذكاء الاصطناعي، يتم إنشاء تطبيق، يساعد على البدء على نطاق صغير، وذلك من خلال بناء مشروع بسيط نسبيًا، وبمجرد الانتهاء من المشروع الصغير بنجاح، يتم تعظيم المشروع واستخداماته، فلا توجد حدود للمكان الذي يمكن أن يأخذك فيه الذكاء الاصطناعي.
والمبدأ الرئيسي للذكاء الاصطناعي هو أن يحاكي ويتخطى الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم من حولنا، والسعي لتوظيف ذلك في خدمة المؤسسات بكافة توجهاتها، ويمكن للذكاء الاصطناعي إضافة قيمة إلى كافة الأعمال وذلك من خلال، توفير فهم أكثر شمولية لفيض البيانات المتوفرة، والقدرة على التنبؤات من أجل تنفيذ المهام ذات التعقيد الشديد فضلًا عن المهام المعتادة، فتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها وهي مهام كانت تتطلب فيما مضى قوة بشرية لانجازها.
إلى ذلك الحد وصل استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي
ولمعرفة حجم اعتماد الشركات على الذكاء الاصطناعي، نرصد هنا مراجعة أعمال مؤسسة Harvard، والتي ترصد نسب استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي، وتعطي مؤشرا قويا في ذلك، ففي المقام الأول يتم توظيف تلك التكنولوجيا من أجل:
* الكشف عن التدخلات الأمنية وردعها 44% * حل المشكلات التقنية للمستخدمين 41% * الحد من أعمال إدارة الإنتاج 34% * قياس الامتثال الداخلي عند استخدام الموردين المعتمدين 34%
وتلك النسب تكشف الحجم الكبير لاستخدام الذكاء وذلك على حساب العنصر البشري، وهناك ثلاثة عوامل دفعت المؤسسات إلى ذلك أولها توفر إمكانية الحوسبة عالية الأداء وبسهولة وبأسعار معقولة أيضا، والثاني هو وجود كميات كبيرة من البيانات المتاحة للتعلم، فقد أدى ظهور أدوات مختلفة لجمع البيانات المُصنفة، بالإضافة إلى تَمَكن المؤسسات من تخزين هذه البيانات ومعالجتها بسهولة وبتكلفة ميسورة، إلى تَمَكن المزيد من المؤسسات من إنشاء خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتدريبها، وكان الدافع الثالث هو أن تقنية الذكاء الاصطناعي التطبيقي توفر ميزة تنافسية، فالشركات تدرك بشكل متزايد الميزة التنافسية لتطبيق رؤى الذكاء الاصطناعي على أهداف الأعمال وجعلها أولوية على مستوى الأعمال.
الروبوت يخطط لاحتلال سوق العمل
وفي تقرير نشرته صحيفة دوتشفيلا الألمانية، وبعد أن روت قصة سائق كان يعمل يإحدى الشركات لعدة سنوات، وكان وظيفته هى توصيل الطلبات، وكيف فقد وظيفته لصالح ريبورت صناعى، استطاع تنفيذ مهام تفوق مهام البشري ب5 أضعاف، وفي نفس الوقت الزمنى بل وبكفائة عالية، وهنا ذكر التقرير أن ال"روبوت" يخطط لاحتلال سوق العمل من البشر، فمؤخرا، ازداد نطاق الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الاقتصاد، حيث استولى على آلاف الوظائف حتى المكتبية منها.
وكشفت دراسة قامت بها شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" الاستشارية عام 2022 شملت ألف شركة، أن ما بين سدس وربع هذه الشركات قد استعانت بالذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف أو الاحتفاظ بالموظفين خلال ال 12 شهرا الماضية، ووجدت الدراسة أن 40% من الشركات الأكثر تقدما في هذا المجال، استخدمت الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء الموظفين واكتساب مهارات جديدة أو لزيادة إنتاجية العمل.
5 وظائف سيغزوها الذكاء الاصطناعي خلال 10 سنوات
وحاولت مجلة "فوربس" الأميركية البحث عن الوظائف التي قارب فيها الريبورت أو الذكاء الاصطناعي بشكل عام على احتلالها بشكل عام، وخلصت المجلة إلى أن ثمة خمس وظائف في العالم سيداهمها "الذكاء الصناعي" خلال السنوات العشر المقبلة، وقد يجد العاملون بها أنفسهم بلا وظائف ويتحولون إلى صفوف العاطلين عن العمل قريباً. واستعرضت "فوربس" الوظائف الخمس التي يمكن أن تختفي خلال السنوات العشر القادمة، ويحل بدلاً منها الذكاء الاصطناعي والآلات، وفي مقدمتها "عامل المصنع"، حيث حدث هذا بالفعل منذ بعض الوقت، إذ إن استخدام الروبوتات في قطاع التصنيع له تاريخ أطول بكثير مما قد تتخيله، ويسود الاعتقاد بأن شركة "جنرال موتورز" هي أول شركة مصنعة كبرى تدخل الروبوتات في خط التجميع الخاص بها، حيث قامت بتثبيت آلة (UNIMATE) في مصنع نيوجيرسي في العام 1962، ومن الواضح أن الأمور قد تقدمت منذ ذلك الحين، حيث يوجد حالياً العديد من الشركات المصنعة التي تضم مصانعها مئات الروبوتات، بعضها مؤتمت بالكامل.
أما الوظيفة الثانية التي يُمكن أن تختفي فهي "السُعاة"، حيث كانت شركة "أمازون" العملاقة حريصة على دفع عمليات التغليف والنقل الداخلي نحو الأتمتة، واستخدمت الروبوتات والذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. ويعتبر تسليم الطرود أحد قطاعات الاقتصاد التي ازدهرت تماشياً مع الزيادة المستمرة في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، إلا أنها تتجه حالياً نحو الأتمتة، والوظيفة الثالثة هي "محلل استثمار"، فالعالم يتجه لاستبدال هذا النوع من الوظائف بالتطبيقات المحوسبة التي تعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
أما الوظيفة الرابعة في هذا المجال فهي "خدمة الزبائن"، حتى الآن يتم استخدام روبوتات المحادثة على نطاق واسع في مجال خدمة الزبائن، حيث تقدم معظم مواقع الإنترنت نافذة منبثقة ودية في الزاوية اليمنى السفلية تسأل عما إذا كنا بحاجة إلى بعض المساعدة، وفي كثير من الحالات تعمل بشكل جيد للغاية، أما الوظيفة الخامسة والأخيرة المهددة بالاختفاء خلال السنوات العشر المقبلة، فهي "حراس الأمن"، حيث سيظل الأمن دائماً مهماً، وستستمر العديد من المنازل والشركات في الرغبة بالحماية لضمان سلامتها، إلا أنه مع ذلك من المحتمل أن نرى استبدال المزيد من أدوار أفراد الأمن التقليديين بالذكاء الاصطناعي.
مسألة شخصية ... نحن الصحفيون في خطر
ويبدوا أننا كاتبوا تلك المقالات أصبحنا في خطر أيضا، والمسألة أصبحت شخصية، فصحيفة واشنطن بوست، كشفت عن استخدام الذكاء الاصطناعي فى كتابة مقالات بالكامل، وهو ما تسبب فى حالة من القلق عبر وسائل الإعلام بسبب تهديده الواضح للصحفيين، حيث يمكن أن ينشىء برنامج ChatGPT المثير للجدل نسخة مقال بدون الحصول على فترة راحة للغذاء أو الذهاب إلى المرحاض، كما أنه لا يضرب أبدا عن العمل.
والتأثير الأكبر للذكاء الاصطناعي سيطال معظم الوظائف التي تحتاج إلى الكتابة وإلى إدخال البيانات والحوسبة، ورغم أن الإنسان سيبقى موجوداً، ولكن سوف يكون بشكل أقل بكثير مما هو موجود الآن، فمع الثورة الصناعية، وُجدت الآلات لمساعدة الإنسان لكن لم تلغِه نهائيا.
هذا ما يلوح في المستقبل
وتطوير الذكاء الاصطناعي استفاد من ثلاثة اتجاهات مترابطة: توافر كبير (غير منظم) لقواعد البيانات، وانتشار القوة الحاسوبية وزيادة رأس المال الاستثماري لتمويل المشاريع التكنولوجية المبتكرة، وهذا يعطي لنا ملامح عن المستقبل، حيث هناك ثلاث مجموعات رئيسية من المهام أصبحت محور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي : مهام المطابقة (matching tasks): أهم مجموعة من المهام تتعلق بجميع تلك الوظائف التي تتكوّن من مطابقة العرض والطلب، خاصة في الأسواق ذات هيكل منتجات وخدمات غير متجانس. سواء كانت خدمات نقل (Uber، Lyft، Didi Xiuching )، خدمات فنادق وإقامة AirBnB) ،Ebookers ، Booking.com)، أو البيع بالتجزئة ،(Amazon) أو إدارة الموارد البشرية (LinkedIn) وغيرها، أثبتت الآلات أنّها أسرع بكثير وأكثر كفاءة في تحديد هوية المباريات في هذه الأسواق.
مهام التصنيف (classification tasks): تركّزت التطبيقات المبكرة للذكاء الاصطناعي على الصورة وتقنيات التعرف على النص، وخاصة التعرف على الوجه، جزئياً في ما يتعلّق بزيادة كاميرات وتقنيات المراقبة. في غضون ذلك، حدث انفجار في التطبيقات في هذا المجال، بما في ذلك التطبيقات الطبية (تشخيص الصور بالأشعة السينية)، الخدمات القانونية (قراءة وتصنيف المستندات القانونية)، المحاسبة والمراجعة (تحليل الميزانيات، كشف الاحتيال)، التوظيف (فحص المتقدمين)، ما قد يهدد وظائف عدد كبير من العمال ذوي الأجور الجيدة في صناعة الخدمات. ومع ذلك، فإنه يعد أيضاً بتعزيز إنتاجية العمال الأكثر إنتاجية في هذه الصناعات أكثر.
مهام إدارة العمليات (process-management tasks): تتعلق المجموعة النهائية من التطبيقات بمجموعة من مجموعتي المهام السابقتين، وتحديد الأنماط وجلب موردين مختلفين والعملاء معاً على طول سلسلة التوريد (Culey، 2012). هذا النوع من إدارة الشبكة المركبة، ينشأ أيضاً في إدارة الشبكات الكهربائية والبنى التحتية المركّبة، ومشاريع البناء، بما في ذلك صيانة المشاريع المنتهية (من خلال إنترنت الأشياء، IoT) أو حلول النقل المتعددة الوسائط للحدّ حركة المرور داخل المدينة.