تفتح المواقع الأثرية المختلفة والقلاع والحصون المنتشرة في إمارة أبوظبي صدرها فتأخذك إلى أسرار التاريخ الذي يكشف حياة الأجداد حيث الصمود الطويل والتحدي الكبير المحاط بالظروف القاسية ومن أبرز المواقع الأثرية والمتاحف في الإمارة «قصر الحصن» والذي يقع في مدينة أبوظبي حيث يقف شامخاً يتحدى الزمن ويبدو وقد استعاد شبابه، ويرفل بثوبه الأبيض، يروي للأجيال الجديدة تاريخ الأجداد العريق وأمجادهم التليدة. بدأ بناء قصر الحصن في عام 1763م عندما قرر آل نهيان الانتقال من منطقة ليوا في الصحراء إلى جزيرة أبوظبي على الساحل، وفي عام 1936م أضاف سمو الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان جناحين في داخله حيث استغل أول مبلغ يتسلمه من شركات النفط بالمنطقة، ولم يكن يتجاوز 3000 روبية هندية لتوسعة الحصن القديم بالقصر وإحاطته بسور أكبر مستطيل الشكل، بالإضافة إلى ذلك قام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم الإمارة في عام 1966م باستخدام القصر كمقر لسموه وأضيفت له بعض الفلل، إلى أن انتقل إلى قصر المنهل في عام 1972م ليتحول القصر إلى مركز للوثائق والدراسات، وفي عام 1980م تمت إعادة ترميمه وصيانته واليوم يعد القصر صورة مطابقة لما كان عليه في الماضي وأصبح من أهم المعالم الأثرية والسياحية في الإمارة. تعود مكانة قصر الحصن إلى اعتباره أقدم بناء تاريخي في مدينة أبوظبي ويعكس التاريخ والإنجازات في أبوظبي بصورة متواصلة منذ القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا، ففي القرن السابع عشر كانت معظم الأراضي التي تتكون منها إمارة أبوظبي حالياً خاضعة لاتحاد قبائل بني ياس حيث استعمل بعضهم جزيرة أبوظبي لصيد السمك وربما للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، والأسطورة تقول إن أحد الأشخاص من منطقة ليوا كان يطارد ظبياً في الجزيرة إلى أن وجده يشرب من بئر عذبة. أصبح القصر مقراً رسمياً للإقامة ومركزاً لحكم الشيخ شخبوط، الذي حكم من 1793 إلى 1816 ووفر مناخاً من الاستقرار لمختلف المجموعات على جزيرة أبوظبي، وقد عزز الحصن المكانة السياسية للعائلة الحاكمة ودافع عن الناس خلال النزاعات كما وفر لهم مكاناً للتجمع حيث كانوا يأتون لمقابلة حكامهم والتحدث إليهم، وبعد حكم الشيخ شخبوط، عرفت المنطقة فترة من التراجع الناجم عن مشاكل دولية، حيث إن الخليج العربي أصبح طريقاً تجارية مهمة وأصبح عرضة أكثر من أي وقت لعمليات القرصنة، والحروب البحرية بين القبائل. بعد الانتهاء من بناء قصر الحصن أصبح مسكناً ومقراً للشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان، أدار منه شؤون الحكم حتى وفاته عام 1833م ونظراً للأهمية التي اكتسبها قصر الحصن منذ الوهلة الأولى لتشييده فقد كانت الحاجة إلى توسيعه وترميمه بين حين وآخر ضرورة متصلة. كانت أقدم إضافة بقيت آثارها إلى وقت متأخر قد تمت في عهد سمو الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- فقد أمر في عام 1936 م ببناء جناحين داخل الحصن وهما الجناح الشرقي والجناح الجنوبي حيث يضم كل منهما طابقين ليكونا مقراً للحكم ومسكناً للعائلة، وتميز هذان الطابقان بتعدد حجراتهما واتساعهما واتصال بعضهما ببعض عن طريق حجرات فسيحة. استمرت عمليات البناء مدة ثلاث سنوات ونفذت بأيد وطنية ومواد محلية وقد أصبحت مساحة القصر الكلية 6400 متر مربع، وفي عام 1968م تم تحويل جانب من الحصن إلى مركز للدراسات والوثائق التابع للمجمع الثقافي الذي أصبح الآن من أهم مراكز الدراسات التاريخية المتخصصة في الوطن العربي، ويضم مجموعة ضخمة من البحوث والوثائق التاريخية التي تتناول تاريخ الإمارات والمنطقة منذ أقدم العصور.