يقف المرء حائرًا وبشدة عندما يتم إلقاء تهمة الإرهاب، وفقط، على ضمائر المسلمين، المثقلة بدماء هي منها براء، ويصرخ فيك الآخر الذي يتهمك بالإرهاب، وهو يرهبك بعدم الدفاع عن نفسك، مما يجعل الباحث مثلي بين أمرين أحلاهما مُر، فلو أنك "شغَّلت مُخك" ووصلت لقناعات مختلفة مع من ينصِّبون أنفسهم قضاة وجلادين في الوقت ذاته، وهم يقتطعون الأدلة من سياقاتها، ويزنون كل الأمور بميزان خاص، فيدَّعون العلم والعقل والموضوعية، ولو جادلوك، بالتي هي أسوأ، ورددت عليهم تصبح أنت المُخطئ، ولو استفزك المجادل بما لا يعلم، وادَّعى عليك العلم، والمفهومية، وهو يقرأ آي القرآن خطأ، وهو يتهمك بالحماقة، وكأنه يسقط مواصفاته النفسية عليك، وهم يمارسون ضدك إرهابهم الخفي، بأنك لو جادلتهم، ستؤكد أنك - كما يزعمون - إرهابيًّا! وعن تجربة شخصية أحدثكم، عن ربكة أولئك المدَّعين من إخواننا الذين يبطنون الإلحاد، ويعلنون الإيمان، ويتخيلون أنهم يحسنون صنعًا بادِّعاءاتهم، ويطلبون مناظرة كبار العلماء، وهم في الأساس بكتاباتهم، ومناقشاتهم في الغرف المغلقة، يرفضون تجربة الإيمان، ويسفِّهون بعقولهم المريضة، عقول المسلمين، ويتباهون بانتقاداتهم التي لا تُعقل للإسلام، وفقط.. ويضعونه في مقارنة غير مقبولة منطقيًّا مع أديان أخرى، والنتيجة التي يخوَّل لنا استخلاصها، هي أن صدور أولئك التي تغلق على الكفر، وترتفع عقيرتهم بالإيمان، تجعل عقولهم ضيقة حرجًا، ويتطاولون على الدين ومقدساته، تحت ادِّعاء النقد، والقراءة العلمية للتراث، وهم من المفترض أنهم كعلمانيين لا علاقة لهم بالتراث الديني، لأنهم يدَّعون أن الدين سرُّ تخلُّف مجتمعاتنا، ولا يسألهم عاقل، وماذا عن تقدُّم مجتمعاتنا في ظل أطركم الثقافية المنقولة من الغرب؟! الاغتراب الذي يعيشه العلماني المصري، وقد عايشته مثلهم بالمناسبة، سببه الرئيسي أنه يعيش بجسده هنا، ولكن عقله هناك، حيث فلسفات لو طُبِّقت على أغلب مبتكريها، لاكتشفنا أنهم أول كافر بها، ثم اتهام المجتمع بالتخلُّف، يجبر أولئك المدعين تحديدًا على محاسبة منهج تغييرهم المستورد، وغربتهم عن الناس، ولذلك يبدو المثقف المصري العلماني، متحفزًا ضد كل ما هو إسلامي، لأنه يحمل توتُّر ثنائية، ما يخفيه، ويخاف أن يعلنه حتى لا يدفع ثمنه، إرهابًا من مجتمع ضد الديمقراطية، ولكنه يجبرك على الخضوع لها، وضد الحرية، إلا في حريته أن ينفيك إذا اختلفت معه! كلنا لأفكارنا متطرِّفون، لكننا لسنا دائمًا إرهابيين، وإذا اعتمدنا تعريف الإرهاب بأنه استخدام العنف ضد المدنيين، أو الاعتداء عليهم، فنحن جميعًا وبلا استثناء نمارس أشكالاً من الإرهاب ضد بعضنا بعضًا، وهذا الإرهاب اللفظي، أو المستتر، تهديد فاعل لكل من يختلف معنا، بأنه ضد العقل أو ضد الدين، أو ضد أي شيء نحن نفكر أننا معه! الإرهاب لا مبرر له، ولا منطق يقبله، ولكن إلصاق هذه التهمة بدين الله، والمؤمنين به، عار لم يسبقه سوى عار الحملات الصليبية، ولو ادَّعى البعض أن هناك نصوصًا دينية إسلامية تبرِّره، فنحن ندعوهم لعدم اقتطاع الآيات من سياقها، وسباقها، في أي سياق نزلت، ولأي علة كُتبت، ثم نترك ما لا نفقه من المتشابهات إلى "الراسخين في العلم"، ونتواضع لله في دينه، ولا يدَّعي كل منا أنه شيخ الإسلام، وهو أجهل من دابة! ونعود إلى موقف المسلم المسالم، الذي لا يبرِّر الإرهاب، ولا يقبل ازدراء دينه، وفي نفس الوقت يمارس حرية النقد المُحصن بالعلم، لأن إعمال العقل لا يأتي من فراغ، ولا من تطرُّف مسبق لرؤى معدة سلفًا، ولا تنتظر من صاحب وعي مُعلمَن أن يمارس دور الداعية، فهو ألدُّ الخصام، ولكن خذ مما يطرحه عليك مجالاً للبحث والتحرِّي، وفهم الإسلام بأدواته من التحصُّن بكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة، والتي لا تتعارض مع كتاب الله، وقراءة التفاسير، كل التفاسير، لتعرف أن في كل شيء بعد أركان الإسلام، قولين، وربما أكثر، وقتها فقط سينهار جدار التطرُّف للرأي الأوحد، ولا نصل إلى أي نوع من أنواع الإرهاب، على طريقة صديقي العزيز وهو يجادلني: "بس خد بالك.. إنت كدهة بتبرَّر الإرهاب!!". ولا يسعنا في النهاية سوى الاعتراف بتفشِّي العنف بكل أشكاله في مجتمعنا، ودخولنا من بوابة الانفلات الأمني إلى ساحة الانفلات الأخلاقي، الذي جعل بعض الشباب بحماسة ثورية، يتهم أهله الذين جعلوه "بني آدم" بأنهم عبيد لمجرد خوفهم عليه من تهوُّره الثوري، ودعوتهم للاستقرار! [email protected]