بكل أسف يتردد أن عدد القتلى أو الشهداء الذين سقطوا فى المظاهرات الأخيرة التى سبقت مظاهرات اليوم الأحد بدءا من الجمعة 28 يونيو لايقلون عن حوالى سبعة فضلا عن مئات المصابين.. فإذا ظلت هذه الوتيرة فإن معنى ذلك أن اليوم الأحد ربما يكون يوم "دم".. هناك من يتحدث عن طلقات رصاص حى وخرطوش وسلاح أبيض ومولوتوف ناهيك عن الطوب. الأسئلة الكثيفة تحيط بتصرفات وسلوك الإخوان والجماعة الإسلامية وحازمون، ثم حركات الشباب الثورى بكل طوائفها وشباب الأحزاب المدنية مثل أعضاء جبهة الإنقاذ وأخيرا جماعات البلطجية التى تنتهز الفرصة. ويبقى سؤال: هل فعلا الشباب المدنى من حركة تمرد التى تقول إنها تمكنت من جمع أكثر من 22 مليون توقيع للمطالبة بإسقاط مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومن البلاك بلوك والألتراس بكل طوائفه، هل كل هؤلاء أهل عنف؟ نحن نعرف عنهم أنهم يقطعون الطرق وينشرون الذعر والقلق على الكبارى ويثيرون الفوضى فى الملاعب.. فماذا؟ نحن نطالب الكل بلا تفرقةبعدم إراقة الدم.. فالدم هو موت السياسة ونهاية لها. نقول ذلك بعد أن أهدر الرئيس محمد مرسى وقتا من ذهب كان متاحا له دون أن يستفيد منه فى صراعه مع خصومه السياسيين، كما أضاع فرصا كان بوسعه أن ينتهزها ليقترح على الخصوم تصورات مقنعة وجادة تجعلهم يوقفون خططهم الخاصة بشأن بدء حملة تظاهرواعتصامات هدفها خلعه من الرئاسة وليصبحوا شركاء حقيقيين فى الحكم والسلطة وليسوا مجرد مجموعة من المتفرجين مثلما يجعلهم حكم الإخوان حاليا. والأهم من كل هذا أن مرسى لم يفعل أى شئ ليوقف التدهور المستمر لشعبيته بين المصريين. ففى كل الإستطلاعات التى أجراها كل من مركز بصيرة المصرى لقياس الرأى العام، ومركز قناة الحياة التليفزيونية الفضائية وكذلك وبالذات تلك التى أجراها مركز بيو "Pew" الأمريكى المحترم. ولم يكن يتصرف تجاه تدهور شعبيته بشئ يتسم بأى منطق أبدا.. فقد أظهر لامبالاة كاملة بها، وكأنه تصور أنه لو أظهر أدنى اهتمام بها، فإنه بذلك سيكون قد أعطى خصومه سلاحا ليطعنوه به، فى حين أن تجاهلها هو الذى يعطيهم السلاح الفعال. وذلك على عكس المتبع فى كل البلاد الديمقراطية، حيث أن القادة يبادرون إلى تعديل سياساتهم وتغيير الأطقم الحكومية والإستشارية وغيرها منالتى يستعينون بها بهدف تدارك أسباب التدهور بوقفه أولا ثم العمل على استعادة الشعبية مرة ثانية عندما يبدأ الناس يشعرون بالرضا عن الأوضاع. فالرئيس مرسى فى خطابه الأخير تجاهل كل شئ، فقد حمل النظام لسابق مسئولية البطالة وتدهور الأوضاع الإقتصادية وواظب طوال هذا الخطاب على مغازلة القوات المسلحة واستخدام لغة تصالحية تجاه الشرطة وظل على نفس طريقته فى التهجم على القضاه واتهام 22 منهم بالتزوير فى حين نه كان يجب عليه أن يكتفى بإحالة ما لديه من معلوات إلى هيئةالصلاحية لتتولى هى التحقيق مع القضاه وإثبات إن كانوا فعلا مزورين أم لا. هذا بالإضافة إلى استخدام طريقة شاذة بالتحدث عن أشخاص بالإسموالتهجم عليهم علنا وترويع وتهديد بعض أصحاب الفضائيات مثل أحمد بهجت صاحب قنوات "دريم" ومحمد الأمين صاحب قنوات "سى بى سى"، ويبدو أن الكحكى صاحب قنوات "النهار" نجا من مقصلته بسبب خلافه وقت الخطاب مع الإعلامى محمود سعد قبل أن تعود المياه إلى مجاريها مرة ثانية. كل ذلك فى استغلال فادح وفاضح لمكانة الرئاسة الرفيعة. فهل يليق برئيس يستحق هذا المنصب أن يفعل هذا؟! ماذا يعنى كل ذلك؟ ... يقول علماء الإجتماع السياسى إن الثورات الشعبية تنفجر بسبب غباء وعناد النخبة الحاكمة أو الطبقات التى تجمع بين يديها السلطة والثروة. فهى ترفض النصائح المخلصة التى تقدم لها لكى تعدل طريقتها وتغير سياساتها وتقيم تحالفات أوسع. وكل هذا بهدف إبلاغ الشعب أو القطاعات الساخطة عليها أنها لاتستأثر بالحكم ولا تستبد بالسلطة، وأن قاعدة الحكم بدأت تضم قطاعات شعبية واسعة. والأهم من هذا الإعلان أن يلمس الناس فى حياتهم اليومية هذا التغير المحسوس. وهكذا يزداد رضا الشعب ويقل السخط والإحتجاج لأن الحكم الرشيد هو الذى يقوم على رضا الشعب وليس علىقهره وقمعه ومنعه من الكلام. فهذا هو طريق الإنفجار. لم يفعل مرسى شيئا من هذا أبدا ولم يسع إلى الدخول فى مشاركة جادة وحقيقية مع شباب حركة تمرد ومع المعارضة لكى يعرف ما لديهم ثم يبحث عن كيفية الإستجابة لمطالبهم. وليس فى هذا شئ من الخطأ. فلعلنا أن نتذكر أن حملة انتخاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما لرئاسة الولاياتالمتحدة اعتمدت أساسا على الشباب صغير السن بين 18 إلى 29 سنة وكانوا هم الممولين الرئيسيين له، فقد كان كل منهم يتبرع له كل حين بخمسة أو عشرة دولارات. إذا عرفنا.. فهمنا معنى إرادة التغيير التى حملت أوباما إلى البيت الأبيض، وإنها أساسا إرادة من يريد التمرد على الأوضاع المستقرة منذ مئات السنين. ومن ينسى ما فعله حزبا المحافظون والعمال فى بريطانيا عندما آثرا تغيير مارجريت ثاتشر وتونى بلير بعد أن أمضى كل منهما أكثر من عشر سنوات فى الحكم.فكان هذا الإستبدال بعد أن ظهر أن الراى العام البريطانى أصابه الملل من طول مكوث كل منهما فى الحكم بالرغم من أن سياستهما كانت ناجحة!! الهدف إذن عند هذه الأحزاب هو الإستجابة للناس والإنفتاح عليهم بحيث يشعرون بالرغبة فى الإقبال على الأحزاب التى لاتتوانى عن حثهم على الإنضمام إلى عضويتها بالإستجابة لمشاعرهم ورغباتهم. فالقضية ليست فى مجرد الجلوس فى مقاعد السلطة بل أن يكون هناك رضا شعبى عن ذلك. ويتكرر نموذج الذكاء السياسى أيضا فى العمل على محاولة استمالة واستعادة ثقة الجماهير بعد احتجاجها على النظام وغضبها عليه، وذلك فى الإستجابة السريعة التى أظهرتها رئيسة البرازيل ديلما روسيف بعد المظاهرات العارمة التى اجتاحت البرازيل احتجاجا على تردى الأوضاع الإقتصادية، حيث سارعت بتخصيص 23 مليار دولار لإنفاقها على المستشفيات للإرتقاء بمستوى الخدمات الصحية فى البلاد فى سعى محموم منها لوقف تدهور شعبيتها التى لم تعد تتجاوز 28% بعد أن كانت 65%. أين هذا من الإستبداد الذى نجده فى مصر؟ فموقف الرئيس مرسىمن المتظاهرين ومن الخطط الخاصة بحركة "30 يونيو" تذكرنا تماما بموقف الرئيس السابق حسنى مبارك من مظاهرات 25 يناير عندما قال تعليقه الشهير "أدينا بنتسلى" فى حين أنه لوكان قد بادر بإتخاذ القرارات التى اضطر إليها فى آخر المطاف فلربما ما قامت الثورة أصلا. الأعجب من هذا أن مرسى وخيرت الشاطرومحمد بديعوغيرهم من قيادات الإخوان المسلمين لم يهتموا بأن يجلسوا مع محمد مهدى عاكف المرشد العام السابقلكى يتعلموا منه كيف اختار أن يكون أول مرشد عام سابق لجماعة الإخوان المسلمين على قيد الحياه بعد أن كانت القاعدة أن المرشد العام يبقى حتى يموت فى موقعه.. وقد فعل عاكف هذا فى عام 2007، وأعطى ذلك للجماعة فى حينه حيوية وتدفق ومرونة كانت تجعل الناس عندما يقارنون بين حيوية قيادات الإخوان وجرأتهم السياسية بالقياس إلى جمود وشلل هياكل الحزب الوطنىيبرز للجميع الفرق.. أين ذهبت حيوية الإخوان السياسية؟ هل مجرد دخول قصر الرئاسة والجلوس فى مقاعد السلطة ورئاسة الجمهورية وتبوء مواقع تجعل للجماعة الهيمنة على وزارتى الدفاع والداخلية وعلى المخابرات.. هل أفقد هذا الإخوان الحيوية السياسية؟ لقد أصابهم الخوف باحتمال فقدان المواقع بكل هذا الجمود واللامبالاه،ومن ثم حرمهم من الإحتفاظ بالحيوية والمرونة وضيع عليهم كل المكاسب التى حققوهاعندما اختاروا تجاهل مشاعر الناس وإنفعالاتهم.. هل يعقل أن مرسى يرى المظاهرات الوشيكة "تحت أنفه" ولايفعل شيئا؟ هل يوجد سياسى محنك يفعل ذلك؟ .. ثم ما بالك بأنه لم يفكر أبدا حتى فى مجرد استنكار مذبحة الشيعة فى أبو النمرس بالجيزة فى خطبته الأخيرة بقاعة المؤتمرات بالرغم من أنها جريمة قذرة وحقيرة بكل المعايير وفيها عدوان صريح على الحرية الشخصية للناس فى بيوتهم وعلى حق الإنسان فى أن يعتقد يما يشاء وفقا لقاعدة "لاإكراه فى الدين". لم يفكر فى هذا رغم أن"جنازات الضحايا لم تكن قد شيعت بعد"، خوفا من رد فعل السلفيين وحتى لايفقد صوتا أو بضعة أصوات من اتباعه!! فهل أصبح مرسى فى حالة يستوى فيها التى هى أدنى بالتى هى أعلى؟ هل يضحى بكل شئ من أجل الكرسى؟ يقول العالمون ببواطن الأمور، إن هذا ليس حال مرسى فقط، بل حال كل الإخوان. فهم الآن فى مرحلة التمكين التى تعنى الإهتمام بالسيطرة على الدولة المصرية والتحكم فيها قبل أى شئ وفى سبيل تحقيق هذه الغاية يهون كل شئ.. المؤسف أن مرسى والإخوان بذلك يسيرون على طريق النهاية، فهذه السياسة تجعلهم يتجاهلون كل مطالب الشعب واحتياجاته وتجعلهم يتجاهلون حقائق السياسة التى تقول إن هناكقوى عديدة فى المجتمع يجب التعاملمعها ودمجها فى عملية الحكم حتى تعود مصر للسير على طريق النمو الإقتصادى ومكافحة البطالة وتحقيق الأمان ويصبح المجتمع يشعر بالرضا عن أحواله ويقل ميله للإحتجاج والغضب. المزيد من أعمدة حازم عبدالرحمن