فترة عصيبة عاشتها مصر إبان حكم جماعة الإخوان في عام 2013، ورغم محاولات التهميش التي اتبعتها الجماعة خلال فترة حكمها، إلا أن مثقفي مصر أدركوا أهداف الجماعة مبكرا، فقد سعوا لاستبعاد الكفاءات داخل الوزارة وحاولوا منعهم من مباشرة عملهم، وهي الأحداث التي ناقشها مسلسل الاختيار3، إذ سلط الضوء على اعتصام المثقفين والذي يعتبره الكثيرون بمثابة الشرارة الأولى لثورة ال30 يونيو. نتحدث مع الدكتور أحمد مجاهد أستاذ الآداب بجامعة عين شمس والرئيس السابق للهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي كان شاهدا على تلك الفترة الحرجة، وخاصة اعتصام المثقفين فقد وقف ضد وزير الثقافة حينها علاء عبدالعزيز رافضا أخونة الوزارة، وهو الأمر الذي كلفه استبعاده من الوزارة من جانب الوزير. أحمد مجاهد: اعتصام المثقفين كان حدثا محوريا قبيل 30 يونيو
وفي حديثه ل"صدى البلد" يتحدث أحمد مجاهد عن مسلسل الاختيار وخاصة ما ناقشه من اعتصام للمثقفين في محاولة لتأريخ تلك الأحداث يقول: "أنا مؤمن دائما أن العمل الفني يختلف عن الواقع، فمن حق المبدع داخل العمل الفني أن يختار أمور بعينها ويستبعد نقاط أخرى، لأن العمل الفني ليس تاريخا، ومن هذا المنطلق فقد أعجبت بحلقات مسلسل الاختيار، وليس عندي أي مشكلة مع الجزئية التي تناولت اعتصام المثقفين داخل وزارة الثقافة، لكن هناك مواقف لم يتناولها العمل الفني، وأنا لا أعتبر ذلك تجاهلا أو تقليل من شأن ناس بعينها بل إني أعتبر ذلك ضرورة فنية وفقا للوقت المخصص للمخرج وكذلك المؤلف، لكن بشكل عام فالاعتصام كان حدث محوري في تلك الفترة، إذ ساهم بشكل فعال في نزول الناس، وكان بداية الشرارة لاعتصامات أخرى مشابهة داخل وزارات كثيرة؛ لذلك فالعمل سعدنا به جميعا، وأنا أعتبرأن ما قمنا به هو أكبر فعل ثقافي وسياسي وطني حقيقي قام به المثقفون لصالح الوطن. سمير فرج: هجوم سيناء الإرهابي اليوم سببه مسلسل الاختيار التاريخي.. فيديو مختار نوح: الاختيار سابقة في تاريخ الدراما وأظهر شخصية محمد مرسي الحقيقية..فيديو مجاهد: إذاعة تسجيلات الإخوان في الاختيار 3 كان أمرا عبقريا
يضيف أحمد مجاهد: إن التسجيلات التي عرضت داخل المسلسل هي منطق قوة للعمل، فتوثيق هذه الأحداث وإذاعتها أمر عبقري لأن دقيقة واحدة من التوثيق تعادل مئات الساعات من الدراما، نظرا لمدى المصداقية التي تتمتع به التسجيلات عند المشاهد، لذلك فاستخدام التسجيلات رفعت من قيمة مصداقية المسلسل. يسترجع مجاهد الذكريات وقت حدوث الاعتصام، إذ يقول إنهم حين بدأوا في البداية كان عددهم لا يتعدى أصابع اليد، فلم يكن أحد يشارك في الاعتصام من قيادات الوزارة سواي، لأني بالفعل كنت قد رحلت عن الوزارة، أما البقية فقد كانوا في مناصبهم؛ لكن ما حدث بعدها أن وزير الثقافة حينها بدأ يتخذ قرارات أخرى تجاه قيادات الوزارة، فبدأ يتسرب للمثقفين إحساس أن هناك خطة لأخونة الدولة، وبدأنا ندخل في صراعات مع الإخوان. هيئة قصور الثقافة تنعى شهداء القوات المسلحة في حادث سيناء الإرهابي إيناس عبد الدايم: استقبال عروض المتروبوليتان يؤكد انفتاح مصر على ثقافات العالم
أحمد مجاهد: لم يكن لدينا بديل سوى الاعتصام
يضيف: في البداية لم نكن نعلم ما إذا كان الاعتصام سينجح أم لا، لكن لم يكن لدينا أي بديل وقتها سوى الاعتصام والمواجهة لأن أول فئة كانت مستهدفة من جانب الجماعة هم المثقفين والمبدعين، لكننا بأي شكل من الأشكال كنا نتوقع النجاح ومع مرور الأيام والوقت زدنا ثقة، إلى أن وصلنا في النهاية للقرارات الصارمة التي اتخذها الرئيس السيسي، فهذه المواقف الحاسمة لا يمكن أن ينساها التاريخ مهما حدث؛ لكن بشكل عام فالاعتصام كان نوع من المجاذفة من جانبنا في باديء الأمر، لكننا اتخذنا قرار المواجهة، فنحن لم نرد أن نتراجع عن مواقفنا، لأن ذلك يعني أننا كنا سنترك البلد بأكملها وهذا كنا نرفضه، لذلك قررنا أن نتصدى لهم، فهي مغامرة كان لابد منها لأن بديلها "صفر" ونحن لم نرد أن ندخل في حلقات مفرغة. لكن بشكل عام عندما يسألنى أحد عن اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة، الذى كان شرارة البداية لثورة 30 يونيو: هل كنت تتوقع وقتها نجاح الاعتصام؟ وأنه سيكون له هذا الدور فى إشعال الثورة؟ عندئذ يقفز إلى ذهنى على الفور قول صلاح عبد الصبور: تسألنى رفيقتى: ما آخر الطريق؟ وهل عرفت أوله! بكل تأكيد لم يكن لدى أحد من المثقفين الذين شاركوا فى البداية يقين فى مجرد نجاح الاعتصام ذاته، فما بالك بحلم أن يتحول إلى خطوة أولى فى طريق الثورة. لكننى أقطع لك أيضا بيقين كامل أننا كنا قد عقدنا العزم على اللاعودة، فإما أن نعيد إلى مصر هويتها التى يحاولون سلبها، أو مرحبا بصحبة السجن بعيدا عن وطن أصبح غريبا عنا. لكننا كنا فى كل يوم نكسب أرضا جديدة: شركاء جدد فى الاعتصام، تأييد وزيارات من مثقفين وفنانين ورموز سياسية، ندوات وحفلات بالشارع تجذب جماهير أكثر فى كل يوم، انتقال ظاهرة الاعتصام إلى مقار وزارات أخرى أو دواوين محافظات.
مجاهد: مع ارتفاع الدعم الشعبي طالبنا بإقالة وزير الثقافة بل حكومة الإخوان بالكامل ومع هذا الدعم الشعبى ارتفع سقف المطالب، فبعد أن كان مطلبنا هو إقالة وزير الثقافة، أصبح مطلبنا هو إقالة حكومة الإخوان بالكامل. كان الحراك فى الشارع المصرى قد بلغ منتهاه، صحيح أن البداية كانت من القوى الناعمة قائدة مسيرة التنوير، وحاملة المشاعل فى لحظات الظلام. لكن استجابة الشعب المصرى لم تكن بسبب هذا الاعتصام فقط، بل كانت نابعة من داخل كل مواطن مصرى بسيط يريد الحفاظ على هويته ولا يقبل التفريط فيها. وفى تلك اللحظات الحاسمة يظهر دور القائد السياسى، وقد تمثل هذا القائد فى الفريق السيسى وزير الدفاع الذى طلب تفويض الشعب له، فما كان من الشعب إلا أن خرج مبايعا فى أضخم مظاهرة شعبية على الإطلاق. كنت أرى بعينى طوفان البشر، وترن بأذنى أصداء قصيدة حجازى: لكأنها الرؤية! قيامتك المجيدة ينهض النهر القديم بضفتيه واقفا حتى نشاهد فى السماء مصبه نافورة خضراء والشلال يصعد من منابعه الخفية راعفا متفجرا بحرارة الماء المضفر بالمعادن حاملا معه المدائن، والأهالى، والقرى، والطير، والحيوان. وهنا يقفز إلى الذهن سؤال: وهل كان الرئيس السيسى نفسه وقتها واثقا تماما من النصر؟ أعتقد أنه بكل تأكيد كان يضع رأسه فوق كفه، متوكلا على الله، ومستعدا للتضحية بحياته من أجل وطن يستحق. ففى اللحظات المفصلية الحاسمة من التاريخ: احرص على الموت توهب لك الحياة، إما بجسدك فى دنيا ترضاها، أو بسيرتك من أجل رسالة تؤمن بها