قبل أن نبدأ التأمل والتفكر في معنى ومفهوم الحنيفية ، يجب أن ندرك أولاً أهميتها بالنسبة لكل مسلم ومؤمن وموحد بالله من خلال ثلاث حقائق وركائز اساسية، أولاً : لقد تفرد بها إبراهيم حتى أنه كان وحده أمةً ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، ثانياً : أمر الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم الحنيفية داخل منظومة الإسلام الكبرى ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، ثالثاً : نحن مأمورون جميعاً من الله تعالى كمتبعين للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم باتباع الملة الحنيفية ، حيث قال الله تعالى في أمر مباشر لنا جميعاً﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، ﴿وقال وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾ . إذاً التفكر في معنى ومفهوم وملامح الحنيفية ليس من باب الترف الفكري، ولكن هي من أهم المفاهيم التي يجب علينا جميعاً البحث عنها، لأنها ببساطة الملة التي ارتضاها الله لنا للوصول اليه. قبل أن نبدأ تعالوا في رحلة سريعة في التنزيل الحكيم نستعرض بعض الآيات التي تناولت الحنيفية لنعرف الى أي حد هي جوهرية بالنسبة لنا.ورد ذكر الجذر الثلاثي (ح-ن-ف) في القرآن في اثني عشرة آية باستخدام اشتقاقات أخرى وهي "حنيفاً" أو "حنفاء"، نلاحظ في هذه الآيات حقيقتين أساسيتين، أولا: هنالك دائماً ربط مع النبي إبراهيم عليه السلام الذي وصفه القرآن ب الحنيف. الحقيقة الثانية: أن الحنيفية هي نقيض أصيل للشرك،تعالوا نتأمل ونتدبر هذه الآيات: * ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [سورة البينة: 5] * ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة آل عمران: 95] * ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يونس: 105] * ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة النحل: 123] * ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة البقرة: 135] * ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة آل عمران: 67] * ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [سورة النساء: 125] * ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَأوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام: 79] * ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام: 161] * ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة النحل: 120] * ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [سورة الحج31] * ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الروم: 30] كل هذا الثناء من الله على الحنيفية، وكل هذه الآيات في التنزيل الحكيم عن الحنيفية ملة إبراهيم ولازال الكثير منا لا يعرف ما المقصود بالحنيفية؟، ولماذا هي الملة التي ارتضاها لنا الله لإقامة دين الإسلام؟﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾.الغريب أن الأغلب الأعم منا لم يحاول أن يدقق كتاب الله ويتتبع الآيات الكثيرة التي وردت فيها هذه الكلمة، واكتفى الكثير فقط بأنها ملة نبي الله ابراهيم عليه السلام، لكن لماذا أمرنا الله باتباع الحنيفية؟ وما جوهر هذه الملة؟ حاولت أولا البحث في كثير من التفاسير والمراجع عن معنى الحنيفية، وكل ما وصلت اليه هو اليسير جداً، فالكل متفق بأنها ملة إبراهيم عليه السلام،لكن اختلفوا في اللفظ، حيث قال معظمهم بأنالحنيفية تعني "الميل" في اللغة العربية، ففي (لسان العرب).: الحنيفية "الميل" في اللغة، واصطلاحاً أي أنه يَمِيلُ إلى الحقّ. والحَنَف : المَيْل ؛ ومنه رِجْلٌ حَنْفاء ، ورَجُل أَحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها . قالت أمّ الأَحْنَف :واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرجْلِه ... ما كان في فِتيانكم مِن مِثلِه، في حين قال بعضهم: الحَنَف : الاستقامة ؛ فسُمّيَ دين إبراهيم حنيفاً لاستقامته "، وملة حنيفية، أي: مستقيمة، والحنيفية أي الطريقة المستقيمة. لكنهم عادوا وقالوا إنأصل الكلمة من الحنف، وهو: الميل والاعوجاج، يقال: حنف الرجل إلى الشيء، أي: مال إليه. الحقيقة هي أنني تفكرت كثيراً في سر هذا التناقض الظاهري، هل هي الميل؟ أو هي الاستقامة؟، أم هي الميل عن الباطل والاستقامة على الحق؟، أي المعنيين معاً،وما الرابط الأساسي والشاهد حول هذه التسمية التي قد يراها البعض محيرة؟ . لكي نتعمق أكثر ونصل الى ضالتنا حول حقيقة الحنيفية، تعالوا في رحلة مع نبي الله إبراهيم في آيات الكتاب الكريم، فهو إمام هذه الملة وأول المنتسبين لها، لنحاول تدبر هذه الآيات والبحث فيها لعلنا نجد غايتنا ..تحكي لنا ستة أيات من سورة الأنعام في لقطات سريعة كيف وصل إبراهيم عليه السلام الى الحنيفية ، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ بدأت الآيات تحكي لنا بأن اول شيء فعله إبراهيم هو اعلان عدم اقتناعه بعبادة الأصنام وأن هذا ضلال مبين، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يريه حقائق كونية في السنوات والأرض، لكن ما هذه الحقائق؟ ، هذه الحقائق والسنن الكونيةأكدت له بما لا يدع مجالاً للشك ، بأن كل شيء يتغير ويتحرك ويأفل ويميل ليوقن ابراهيم بأنه لا مستحق للعبادة الا الذي لا تسري عليه قوانين التغير والأفول والميل،وهو الله بالتأكيد، فاطر هذا الملكوت وموجد هذه القوانين التي لا يمكن أن تطبق عليه هو، اذاً، الحنيفية هي صفة الطبيعة نفسها، فكل ما في الكون مائل ومتغير ومتحرك، والثبات لله وحده. ونتفق هنا أن الحنف هو الميل، وأن الحنيفية هي ايماننا بأن كل شيء في الكون يميل ويتحرك، نعم لكي يتحرك أي شيء في الكون كله حركة دائبة مستمرة يجب عليه أولاً أن يميل في حركته، هذا قانون الطبيعة وما اثبته العلم، فالحركة الدائبة في الكون - لمن يدقق- سيجدها دائماً مائلة في منحنيات وأفلاك مرسومة لها سلفاً، النجوم والكواكب والمجرات، حتى أصغر الجسيمات والإلكترونات تتحرك حركة دائبة مستمرة في ميل معلوم ومقدر ، واذا نظرنا الى أجسادنا نرى أن كل شيء فينا يتغير لحظياً ، جميع المؤشرات الحيوية لها تشكل منحنيات أصبح بإمكاننا اليوم قياسها وتتبعها، نبضات القلب ، مستوى السكر ، ضغط الدم وغيرها ، نرى كل هذه المؤشرات تتغير لحظياً ولا تثبت أبداً ، فلو أخنا قياسات متتالية لأي مؤشر منهم سنجد أن القيملا تثبت ولا تستقر بل هي تتحرك حركة دائبة في منحنيات يمكن الآن قراءتها ورسمها وقياسها بدقة، ولكن هذه الحركة يجب أن تكون ضمن حدود طبيعية رسمها الله لها ، فاذا خرجت عن هذه الحدود كان ذلك مؤشر على وجود خلل ما ، واذا توقفت هذه المؤشرات عن الحركة والميل والتغير ، فهذا هو الموت. وفي الرياضيات، ميل أي منحنى غير ثابت أبداً، ويتغير دائماً من نقطة لأخرى على هذا المنحنى، ولا يثبت هذا الميل الا في حالة واحده وهي الخط المستقيم، هل وصلتم معي لماذا نسأل الله دائما أن يهدينا الصراط المستقيم؟، لأن طبيعتنا وطبيعة الكون الذي نعيش فيه كلها حنيفية مائلة متحركة متغيرة وهذه هي سنة الكون وفطرة الله في كونه التي فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله، ولابد من هادي لنا الى الصراط المستقيم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[سورة الفاتحة:6].. ولا هادي له الا هو ، تأملوا معي هذه الآية من سورة الروم والتي تؤكد هذه الحقيقة في اعجاز غريب ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الروم: 30] ، لاحظوا أن الله قال ﴿فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أي أنها حقيقة لكل الناس وليست للمؤمن فقط أو للكافر ، وأن هذا هو جوهر الدين وحقيقته، أن الكل يتغير الا الله، وقال ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ ، الدين المسيطر والمهيمن على جميع خلق الله شاءوا أم أبوا ، ﴿وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ هذه الحقيقة الكونية الثابتة . الآن نعود مرة أخرى الى الآيات التي ذكرت في الحنيفية لكي نتأمل لماذا جعل الله الشرك هو المقابل والمضاد لهذه الملة؟، تأملوا﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ.. ﴾، وقال ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، المعنى الآن واضح،لأنه الإيمان بأن أي شيء في الكون يثبت ويدوم ولا يتغير هو مفتاح للشرك بالله، فالكل يتغير ويميل ويحنف ما عدا الله، والثبات والدوام هي صفة إلهية بامتياز. وحكت لنا آيات من سورة الكهف أن الشرك بالله قد يكون بالإيمان بدوام شيء من مخلوقات الله وثباته ، فصاحب الجنة الذي سجلت قصته هذه الآيات ظن بأنها لن تبيد أبداً وخرج عن فلسفة الحنيفية والميل والتغير وهي فطرة الكون كله ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا (37) لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)﴾ ، تأملوا في رد صاحبه ﴿لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ . وميز الله الملة الحنيفية عن غيرها من الملل داخل منظومة الإسلام الكبرى التي تحدثنا عنها سابقاً ، لأن غيرها من الملل اعتمدت على الثبات والتفصيل والتشخيص، لأنها كانت ملل وشرائع مؤقتة ومحدودة بزمن معين،كأنها فقط نقاط على منحنى طويل جداً ، فميل أي عند نقطة محددة على منحنى هو قيمة ثابتة لا تتغير، لكن ميل المنحنى كله دائم التغير ، لذا أمرنا الله باتباع ملة إبراهيم الحنيفية المتغيرة المتحركة المتطورة مع تطور البشر، والمتفقة تماماً مع طبيعتهم الحنيفية، لأن الله تعالى أراد لهذه الملة أن تكون هي ملة الدين الى يوم القيامة وليست لزمن معين أو مجموعة محدودة من البشر ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.. ولا ينكر حقيقة الحنيفية وتغيرنا الدائم الا من غاب عنه معرفته بحقيقة نفسه وتغيرها الدائم ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ البقرة 130،فإنكار التغير هو سفه وجهل بحقيقة النفس البشرية التي خلقها الله متغيرة متحركة دائبة الحركة، وتدعوا الله أن يهدينا الى الصراط المستقيم. فعلاً ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾. الإسلام هو دين الله في الكون، والحنيفية هي الملة التي ارتضاها الله لنا لنعمر هذا الكون، ولنصل بحنيفيتنا هذه الى الله الصمد الذي لا يطرأ عليه تغير ولا تحكمه قوانين هو واضعها باتباعنا الصراط المستقيم الذي ندعو الله في كل يوم وفي كل صلاة أن يهدينا اياه.اللهم ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فلا هادي له الا أنت.