﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ حقيقة الهية وقاعدة ايمانية راسخة عند كل مسلم، لكن قد تكون هذه الحقيقة التي أراد الله بها السلام للبشرية قد استخدمت كثيراً على مر القرون من أجل اقصاء الآخر أو لتحقيق مكاسب سياسية للبعض. تعالوا نطوف في رحلة سريعة في آيات التنزيل الحكيم لنرى بوضوح دوائر ثلاثة شملها دين الله الإسلام، الدائرة الأولى : الدائرة الكونية ، الكون كله أسلم لله رباً خالقاً والها مستحقاً للعبادة :﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ، إذاً، كل من في كون الله مسلم له بإرادته -من مقام الألوهية- فيكون الله له الها ، أو مكرهاً -من مقام الربوبية - فالله مالك ورب هذا الكون ، وكل من يعيش فيه تحكمه القوانين والسنن التي قدرها الله في كونه شاء أم أبى. نأتي إلى الدائرة الثانية، وهي الدائرة العالمية، فالإسلام هو دين الله الأوحد الذي دان به كل رسله و أنبيائه ومن اتبعوهم على مدار الزمان، تعالوا نتأمل بعض آيات التنزيل الحكيم لتروي لنا كيف أسلم كل من آمن بالله وحده خالقاً لهذا الكون، وآمن باليوم الآخر كصيرورة نهائية ومآل أخير لهذا الكون. نوح عليه السلام: ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ يوسف عليه السلام: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ إبراهيم عليه السلام:﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وقال تعالى:﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، ومعه إسماعيل عليه السلام:﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ لوط عليه السلام: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ موسى عليه السلام:﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ يعقوب عليه السلام وبنيه: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ عيسى والحواريون: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ ملكة سبأ:﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، بل وكان الإسلام قديماً في قومها قبل ملكها ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾. فرعون قال إنه من المسلمين حين أدركه الغرق فأعلن ايمانه بالله الواحد الذي آمنت به بنو اسرائيل﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۞﴾ وسحرة فرعون دعوا الله بأن يتوفهم مسلمين ﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ حتى الجن: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ ولخصت لنا الآية 136 من سورة البقرة أن كل أنبياء الله ورسله كان دينهم هو الإسلام ﴿قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾. اذاً، هو دين واحد لإله واحد في هذا الكون، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾. فلا وجود أبداً لكلمة أديان بصيغة الجمع في كتاب الله، وانما هي ملل وشرائع متعاقبة، وهذه هي الدائرة الثالثة للإسلام، فلكل رسول ملة داخل منظومة الإسلام الكبرى ، فاليهودية والمسيحية هي مِلَل داخل الدائرة العالمية للإسلام ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾. وتفرد إبراهيم عليه السلام بملته الحنيفية ، والتي يجب أن نتحدث عنها لاحقاً بشيء من التفصيل، ونتأمل أكثر في ملامح هذه الملة الحنيفية وكيف تفرد بها إبراهيم حتى أنه كان وحده أمةً ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، ولماذا أمر الله رسوله محمد باتباع ملته الحنيفية داخل منظومة الإسلام الكبرى ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، وقال تعالى في أمر مباشر لنا أيضاً ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ، ﴿وقال وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾ . اذاً، شملت منظومة الإسلام الكبرى بدوائرها الثلاث، كل من آمن بالله وحده واليوم الآخر واتبع المرسلين، ولم يخرج عن هذه المنظومة إلا المجرمون، ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾، ومن هنا قد نعيد التفكير في معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فليس من المعقول أبداً أن يقبل الله تعالى من أحد ديناً آخر غير الدين الأوحد الذي ارتضاه للكون كله، ولا يمكن أن يكون الإجرام وعدم الإيمان والكفر بالله الها واحداً ورباً خالقاً لهذا الكون ديناً أو طريقاً للوصول الى الله من أي مسلك. تعالوا نتابع رحلتنا في التنزيل الحكيم ، سنجد أنه بعد الإيمان بالله الها واحداً، هناك ايمان آخر يقتضيه الإيمان الأول، وهو الإيمان بمن أرسلهم الله تعالى لنا من أنبياء ورسل،وتصديق كتبهم والعمل بملتهم ، فالذين آمنوا في كل زمن هم أتباع رسول هذا الزمن، ولأن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم المرسلين فبقي دائماً الخطاب لنا ب "الذين آمنوا"، ولم يتغير لأي اسم آخر لعدم وجود نبي بعده، فنجد دائما في التنزيل الحكيم، أن الله تعالى يوجه النداء الى أتباع سيدي رسول الله بصيغة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ..﴾ ولم يخاطبنا الله أبداً في كتابه بقوله أيها المسلمون أو الذين أسلموا، فنحن آمنا بالله الها واحداً فدخلنا في دائرة الإسلام ، وآمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً من الله ، فأصبحنا من الذين آمنوا من أتباع هذا الرسول ليميزنا عن أتباع الملل الأخرى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾. لاحظوا أنه لم يذكر المسلمين هنا لأن المسلمين فيهم جميعاً، ووضح ذلك حيث قال (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وهو شرط الإسلام، لذلك فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ولم يقل من المسلمين، وقال: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، وقال ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ، وقال : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾. والمتأمل يجد أن جميع التكاليف والمناسك جاءت فقط للمؤمنين، فإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، يوجب عليك القيام بتعاليم شريعة وملة هذا النبي من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من الشعائر الخاصة فقط باتباع هذا النبي الخاتم. فنجد الصلاة : ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ ، والصيام:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾، والزكاة: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ . وهذا قد يفسر لنا مسألة اختلف فيها المفسرون ، حيث قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، وقال ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ ، فقال بعض المفسرين أن الآية الثانية نسخت الأولى لأنه شق على المؤمنين الأمر بتقوى الله "حق تقاته"، فجاءت الآية الثانية لتخفيف الأمر بقوله "ما استطعتم" ، الحقيقة أن المتأمل للآيتين يجد أنه لا نسخ بينهم أبداً ، فالآية الأولى تتحدث عن تقوى الإسلام ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ فالإيمان بالله وحده واليوم الآخر وهو شرط الدخول في دائرة الإسلام ليس فيه حل وسط ، اما أن تؤمن بالله فتكون مسلماً أو لا تؤمن فتكون خارج هذه الدائرة لذا قال تعالى : حَقَّ تُقَاتِهِ أي يجب ادراكها كلها ولا مجال أبدا لتقصير بأي شكل في قضية تتعلق بالإيمان بالله ، أما الآية الثانية فجاءت تتعلق بالتكاليف والسمع والطاعة والإنفاق فقال الله تعالى : مَا اسْتَطَعْتُمْ . فلا أحد يستطيع أبداً إدراك الكمال في التكاليف وخاصة الإنفاق ووضحت الآية سبب لك وهو شح النفس. وقد توضح لنا هذه الآية أن للإيمان مراحل وللتقوى أيضا درجات ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)﴾ الإسلام هو دين واحد ارتضاه الله الواحد الأحد في كونه ولجميع خلقه، وجاء به جميع رسله، وتوالت مِلَلَه بتطور البشرية،وتعددت المناسك بتعدد الأمم ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾، حتى جاء سيدي رسول الله ليكمل هذا الدين ويضع لبنته الأخيرة، ويتم به الله نعمته على البشرية، فصدق الله العظيم حين قال ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.