قال الدكتور فتحي عثمان الفقي، أستاذ الفقه المتفرغ بجامعة الأزهر، متحدثا عن فضل العشر الأول من ذي الحجة، إن شهر ذي الحجة من الأشهر الحرم والتي هي : ذو القعدة وذو الحجة , والمحرم , ورجب التي بين جمادى وشعبان وذلك ثابت بما هو ظاهر من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبقول الله تعالى : " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم". وأضاف الفقي، أن الأشهر الحرم فضلها الله على سائر شهور العام وشرفهن على سائر الشهور , فَخَصَّ الذَّنْبَ فِيهِنَّ بِالتَّعْظِيمِ ، كَمَا خَصَّهُنَّ بِالتَّشْرِيفِ , قَال ابْنُ عَبَّاسٍ : خَصَّ اللَّهُ مِنْ شُهُورِ الْعَامِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا ، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ ، وَجَعَل الذَّنْبَ فِيهِنَّ وَالْعَمَل الصَّالِحَ وَالأْجْرَ أَعْظَمَ فاللَّهَ تبارك وتعالى يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ , حيث اصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقِهِ اصْطَفَى مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً , وَمِنَ النَّاسِ رُسُلاً ، وَاصْطَفَى مِنَ الْكَلاَمِ ذِكْرَهُ وَاصْطَفَى مِنَ الأْرْضِ الْمَسَاجِدَ , وَاصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالأْشْهُرَ الْحُرُمَ وَاصْطَفَى مِنَ الأْيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ , قَال قَتَادَةُ : فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ فَإِنَّمَا تُعَظَّمُ الأْمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ عِنْدَ أَهْل الْفَهْمِ وَأَهْل الْعَقْل وعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ اسْمٌ لِلْعَدَدِ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ إِلَى الْعَاشِرِ مِنْهُ. أما عن الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ : فمُضَاعَفَةُ ثواب الْعَمَل فِيهَا : حيث ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى : أَنَّ أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَيَالِيَهَا أَيَّامٌ شَرِيفَةٌ وَمُفَضَّلَةٌ ، يُضَاعَفُ ثواب الْعَمَل الصالح فِيهَا وَيُسْتَحَبُّ الاِجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَةِ فِيهَا وَزِيَادَةُ عَمَل الْخَيْرِ وَالْبِرِّ بِشَتَّى أَنْوَاعِهِ فِيهَا , وَلِعِظَمِ شَأْنِهَا أَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا بِقَوْلِهِ : " والفجر وليال عشر " الآيتان 1 , 2 من سورة الفجر. فضل العشر الأول من ذي الحجة يَرَى جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الآْيَةِ هِيَ : عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ أَفْضَل أَيَّامِ السَّنَةِ ؛ لِمَا رَوَى البخاري عن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال : قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَل الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأْيَّامِ ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ ؟ قَال : " وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " أخرجه البخاري وَلِمَا رُوِيَ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِل صِيَامَ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ , وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ " أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب. أفضل أنواع البر
وبناء على ذلك فإن من أفضل أنواع البر إطعام الطعام والصدقة بالمال في هذه الأيام , وخاصة فيما تمر به البلاد والعباد بسبب هذا الوباء الذي أفقد الكثير من الناس ممن يعولون أسرا ؛ حيث أفقدهم وظائفهم وبالتالي مصدر رزقهم ورزق أولادهم والذي أراه أفضل من الصيام الآن : إطعام الطعام , والصدقة بالمال ونحو ذلك من كل أنواع البر ؛ وذلك للآتي : 1 – أن الحديث الأول عبر فيه بلفظ " أقضل " الذي هو أفعل تفضيل أي أن بعض الأعمال أفضل من بعض , وعمم العمل فيشمل جميع الأعمال 2 – أن بعض الناس يقصرون العمل الصالح على الصيام بالحديث الثاني الذي رواه أبو هريرة وقال فيه الترمذي : حسن غريب , بخلاف الحديث الأول الذي عمم فيه الأعمال , فقد أخرجه البخاري , وهو أصح من حديث أبي هريرة الذي رواه الترمذي 3 – أن نفع الإطعام وجميع أنواع الصدقات أعم من نفع الصيام الذي نفعه يعود على الصائم فقط , وكلما كان العمل أعم في النفع كان الثواب اعظم 4 – أن الإطعام والصدقة بالمال على من أضير من هذا الوباء في مصدر رزقه يعتبر تفريج كربة وهي من أفضل الصدقات , ففي إخراج الصدقة إعانة للضعيف , وإغاثة للملهوف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترضه الله عليه فضل الصدقة فضل الصدقة عظيم فهي شكر لله تعالى على نعمه , ورد في فضلها أحاديث عدة , منها : ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله " وذكر منهم : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تصدقوا فسيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فيقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها منك فأما اليوم فلا حاجة لي فيها " رواه البخاري, فما أفضل الصدقة بالمال في هذا الظرف الذي تمر به البلاد والعباد.