جدل عقيم لا حاجة له إطلاقا سوى لإضفاء مزيد من الصفصطة التي تحدث ضوضاء تصم الآذان عن سماع تحليلات وانتقادات وجدال من نوع آخر قد يكون الاحتياج ماسًا إليه حتى يلتئم الشمل وتهدأ الأمور ويجتمع الأطراف حول دائرة مستديرة مرة أخرى كي يضعوا الخطوط العريضة لتحديات المستقبل. ما نجده اليوم على الساحة المجتمعية من اتهامات وإضفاء للصفات غير المقبولة على الآخر أيا كان غير مقبول على الإطلاق. أن نجد الحال يصل إلى حد التفرد المتطرف الزائد عن الحد بحيث إن كل شخص لا يجد الصحة سوى فقط في رأيه الخاص ولا يقبل أبدًا أن تكون المناقشة طريقًا للحوار فإن هذه الحالة مدعاة في حد ذاتها للدراسة المستفيضة. ولماذا وصل المجتمع إلي هذا الحد من رفض الآخر بكافة أشكاله، فنجد الدين أصبح أحد المسائل القابلة للنقد الشخصي المبتزل، وأؤكد أنه نقد مبتزل، فعندما يتم تقييم درجات التدين للأشخاص من قبل آخرين لا يزدادون عنهم درجة ولا ميزات من حيث الصفة، وأن يري الشخص في الآخر وصفًَا معينًا لدرجة تدينه بناء على أحكام يطلقها هو دون الارتكاز علي خلفية من التعليم الديني الصحيح فإن تلك الحالة خطيرة. كذلك لو نظرنا إلي جهة أخرى من جهات الجدل المبالغ فيه وغير المبني علي دراسة أو فهم لقيمة المصطلحات التي يتم تداولها فإننا نجد الجدل حول المصطلحات السياسية دون علم حقيقي بمعناها الصحيح، فنجد من يري في الليبرالية الخطورة علي سمات المجتمع الدينية وتقاليده دون التساؤل حول المعني الحقيقي للليبرالية، وآخرون يرون في التيار الديني الملاذ أو الخطر الدامي علي حريات المجتمع وفي الحالتين لم يتم وضع التعريف الصحيح والصريح لمفهوم التيار الديني السياسي، البعض الآخر ينتظر الملاذ من وجهة نظره في إحكام السيطرة من خلال بسط ذراع الدولة العسكرية دون حتي وضع إطار للحالة الحاكمة المستقبلية للبلاد في ظل هذا الحكم العسكري. المسائل بدت سطحية مفرغة من أى تفاصيل مفيدة لدى هؤلاء الذين يمارسون الجدل غير البناء، وبالتالي لايحدثون أى تفاعل حقيقي يفيد المجتمع، في حين أن تلك المسائل هي من العمق الذي يجب علي أصحاب تسمية النخبة أن يجلسوا ويقرروا كيفية التفاعل الحقيقي مع مجتمع عاني لسنوات قهرًا ثقافيًا تم فرضه عن طريق بث المعاني المضللة لكافة المصطلحات والمفاهيم تبعًا لمصلحة الأنظمة السابقة. لابد من وضع خطة ذات مغزى وجدول زمني واضح للوصول إلى كافة شرائح المجتمع كي يتم الرجوع مرة أخرى إلى فكرة قبول الآخر والاستماع له وفكرة النقاش التي لم تعد مقبولة لدى شرائح عريضة داخل المجتمع. لا يمكن أن تتم كافة الصياغات فوق سطح ساخن يعج ما تحته بالغليان ويتم تجاهل كل ذلك لمجرد صناعة مصالح سياسية ضيقة لا ترقي للمعني الحقيقي للمصلحة العامة.