عندما تتحدث أنت أيها الخمسيني الذي غزا الشيب رأسك وتباطأت خطواتك بفعل تقدم العمر مع شاب, أو شابة في الثامنة أو التاسعة عشرة, هل تفهم منه شيئا؟ والأخطر من ذلك: هل يفهم هو منك ماذا تريد أن تقول؟ ركز جيدا, وأنت تحاوره, وستدهشك ملاحظات ثلاث: أولا: هو يتحدث بسرعة, فائقة, حتي أنك بصعوبة تكاد تلاحقه, بل وتلهث خلفه. وثانيا: إن كلماته مضغوطة مدغومة بالضبط كانضغاط لغة الفيس بوك ورسائل الإس إم إس, التي ينامون ويستيقظون عليها. وثالثا: إنه يبعثر, في الجمل التي ينطق بها, حفنة من الكلمات باللغة الانجليزية. ثم نتعجب: لماذا يخرجون إلي الطرقات يقطعونها, وللمنشآت يقذفونها بالحجارة, وللمواقع يمطروننا من خلالها بالملاحظات الحراقة اللاذعة, التي نتصورها نحن إهانات بينما هي في عرفهم شئ عادي؟ وعندما تسألهم: ماذا تأخذون علينا, نحن الآباء الذين ربيناكم فأنفقنا العمر كله عليكم؟ يجيبون: أنتم لم تحسنوا تربيتنا, ولم تقدموا لنا القدوة التي نحتذي بها. كيف تريدون منا احترامكم, وقد أقمتم حولنا دنيا مليئة بالفساد والبطالة والأكاذيب؟ كيف وكل أرقامكم التي تبعثرونها في آذاننا مغلوطة ومزيفة؟ كيف وقد سرقتم منا ثورة محترمة أهديناها لكم فضيعتموها؟ واجلس, إن شئت مع ابنك العشريني, أو ابنتك, وافتح لهما قلبك وعقلك, واعطهما الأمان, وعندها ستسمع ما لا أذنك سمعت من قبل, وستري مالم عينك رأت. سيقولان لك: إن لنا عالمنا الخاص الذي لا تعلمون عنه شيئا أيها الكبار, ولنا أحلامنا, وألفاظنا, وقاموسنا.. كما ان لنا سخرياتنا المدوية منكم, وأنتم لا تعرفون. فاجيء ان أردت ابنك أو ابنتك وهو يلتهم شاشة اللاب توب الخاص به التهاما, ستجده يحاول تخبئته منك, أو سيقلب الصفحة, ثم اسأل نفسك: لماذا يفعل ذلك يا تري؟ إن الهوة تزداد كل يوم اتساعا بين الجيلين, جيل يتصارع علي المصالح, ويتباري كل فصيل فيه علي فرص أجندته هو دونما نظر إلي المصلحة العليا للوطن, وجيل أصغر سنا يائس محبط, وجد نفسه فجأة أمام حائط صد, بلا أمل ولا عمل ولا زوجة. يتحدثون الانجليزية؟ نعم, لأننا لم نعلمهم لغة الوطن, بل حبسناهم في نظام تعليمي متخلف أغرقهم في القديم المتهالك, بينما الدنيا من حولهم تقفز إلي الأمام, يتحدثون بسرعة وبكلمات مضغوطة؟ نعم لأنهم يريدون اختصار الوقت, سعيا للإنجاز. ألم تسمعهم دائما يكررون لفظ إنجز؟ بينما نحن متلكئون بطيئون, نلوك الكلمات في أفواهنا, كما يلوك الجمل طعامه بين شدقيه بمنتهي الكسل. ثم إنهم يستخدمون الكي بورد, بينما نحن نتهته كلما جلسنا إلي هذا الجهاز السحري العجيب, فيصيبنا الملل فنلقي به بعيدا كأنه رجس من عمل الشيطان, مع أنه هو الحياة.. كل الحياة! إنهم لا يتحدثون لغتنا, نحن الذين نريد أن نعيش أي عيشة والسلام, فإذا غلب حمارنا نعتناهم بأنهم شوية عيال! لا.. ليسوا عيالا, بل هم المستقبل, ونحن الماضي, وما لم نسارع إلي تعلم لغتهم( التي هي لغة العصر) فسوف يلفظوننا, ولن تشفع لنا ساعتها تلك اللغة القديمة العتيقة التي نتحدث بها, ولا البرلمانات والدساتير وفتاوي الفضائيات! إن علينا نحن الكبار البدء في إدخال هؤلاء الأبناء إلي مفاصل الدولة بحق وحقيق, والتخلي عن التكويش والاستحواذ والأنانية, كي لا نفاجأ بأن البلد فقد روحه الفاعلة, فنصبح بلدا بلا روح.. سارعوا فإن الوقت يمضي! نقلا عن الاهرام المزيد من أعمدة سمير الشحات