يعيد النظام الدولي ترتيبه و تشكيله من جديد، فهناك تشاركات سياسية واقتصادية عدة تجمع بين روسياوالصين في مواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وباستذكار قول '' زبيجينو بريزينسكي '' انه بتحليل التهديدات الموجهة للمصلحة الأمريكية سيكون السيناريو الأكثر خطورة هو التحالف بين الصينوروسيا. وعلي الرغم من ان التقارب بين الصينوروسيا لم يرتق إلى تحالف بمفهومه ومضمونه الرسمي إلا أن هذا التعاون الوثيق قد تم برعاية أمريكية جراء ما اتخذته الولاياتالمتحدةالأمريكية من سياسات قربت اكثر من روسياوالصين. ولكن هل من الممكن النظر للقارة الافريقية كنقطة الحسم في ترتيب النظام الدولي ؟ وباستعراض تفاعل النظام العالمي مع دولة اريتريا احدى دول القرن الافريقي , حيث أثار الوجود الصيني في القارة الأفريقية انتباه الإدارة الأمريكية، الأمر الذي دفعها لإعلان استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية المواجهة للنفوذ الصيني والروسي في القارة، علاوة على ذلك فقد أطلقت الإدارة الأمريكية تشريعا خاصا بإنشاء مؤسسة تتولى تمويل الشركات الأمريكية في أفريقيا. وعلى الصعيد الاستراتيجي بدأت الولاياتالمتحدة في التهيئة السياسية لتعزيز تواجدها في القارة، وانتهجت سياسة خارجية تتسم بالاحتواء تجاه دولة إريتريا ، تلك الدولة المحدودة في حجم الموارد الطبيعية و البشرية حيث يبلغ عدد سكانها نحو ستة ملايين نسمة، والمثير للدهشة توجه الإدارة الأمريكية لدولة طالما نبذتها بداية من الخمسينات وذلك وقت اقتراح أمريكا وبريطانيا بتبعية إريتريا لأثيوبيا وصولًا لوقت الحرب الباردة وذلك عندما دعمت الإدارة الأمريكية حينئذ الحليف الاستراتيجي الإثيوبي في قتاله ضد المتمردين من اريتريا بل واستمرت امريكا في موقفها تجاه اريتريا حين اندلعت الحرب بين الأخيرة وبين اثيوبيا عام 1998 فعززت الإدارة الأمريكية الموقف الاثيوبي و قامت بتعليق بيع السلاح إلى إريتريا وازدادت الأمور سوءاَ عندما نجحت الإدارة الأمريكية متمثلة في سفيرة واشنطن لدى الأممالمتحدة '' سوزان رايس '' في دفع مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات ضد اريتريا عام 2009 وهدفت بذلك لفرض حالة من العزلة السياسية والاقتصادية على إريتريا ، إلا أن معطيات المعادلة السياسية والمتغيرات الإقليمية أزالت تلك الدهشة ، فتعددت الأسباب الدافعة لتغيير السياسة المتبعة من قبل الإدارة الأمريكية إزاء منطقة القرن الأفريقي بشكل عام وإريتريا بشكل خاص . يتمثل السبب الأول : تم تداول أخبار بإنشاء روسيا مركزا لوجيستيا بإحدى مدن اريتريا من شأنه إيجاد نفوذ عسكري قوي لها في منطقة القرن الأفريقي ، السبب الثاني : الوجود العسكري والاقتصادي الصيني المتفشي في جيبوتي الأمر الذي دفع الولاياتالمتحدة لانتهاج سياسة مغايرة تجاه إريتريا إحدى دول الجوار ، السبب الثالث : تصاعد النفوذ الإيراني في إريتريا. وقد نجحت إريتريا في اقامة تحالفات عدة مع دول الجوار كافة ، حيث منحت إسرائيل السيطرة على جزر أرخبيل وخاصة :ديسي ودهوم و شومي بالإضافة إلى إقامتها علاقات استراتيجية مع قوى خليجية كالسعودية التي توسطت لحل النزاع الدائم بين إريتريا وإثيوبيا و توقيع المصالحة بينهما بالإضافة إلى ذلك فقد استفادت إريتريا من النزاع الواقع بين جيبوتيوالإمارات والذي انتهى بقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد القوات الخليجية (الإمارات - السعودية) ، حيث تم إبرام اتفاقية للشراكة الأمنية بين الرئيس الاريتري والعاهل السعودي. وكذلك علاقتها مع الدول الشرق أوسطية ومنها مصر ، الأمر الذي يظهر أهمية الزيارة الأخيرة للرئيس الاريتري لمصر، حيث تمثل إريتريا حليفا إقليميا لمصر نتيجة لموقعها الجغرافي فهي تمثل العمق الاستراتيجي الجنوبي بالإضافة الي انها تمتلك نحو 1200 كيلَو متر علي البحر الأحمر وإشرافها على باب المندب مما يسهم بدوره في تعظيم دورها للحفاظ على أمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس. الخلاصة : أنه باستعراض ما سبق يتبين أن اللعبة السياسية متغيرة . فالتفاف وتناحر القوي العظمى نحو دولة إفريقية تعاني من فقر في الموارد البشرية والطبيعة ومع ذلك استطاعت استغلال موقعها الجيوسياسي بالإضافة إلى استغلالها خصومتها مع بعض الدول لإقامة تحالفات سياسية واقتصادية تخدم مصالحها وتعيدها إلى الخريطة الدولية بعد أعوام من عزلتها السياسية.