الكراسة الصفراء في الفيلم السينمائي "اللمبي" كانت نقطة تحول الأحداث من البطل البائس الذي لا يستطيع جمع ما يريده من الأموال لتسديد ديونه، إلى هذا العريس الذي ينتظر إتمام الفرح وكشف النقوط بنفس اللهفة التي ينتظر بها عروسه. النقوط لم يعد مجاملة للعريس فحسب، بل صار موردا مهما لصاحب العرس يعتمد عليه في سد احتياجاته وتلبية متطلبات الحفل، بل وبعد الحفل أيضا عندما يتعلق الأمر بمبالغ كبيرة. في دمياط يعد "كشف النقوط" أهم من الفرح نفسه، وهو عبارة عن كشف بأسماء الأهالى بأى مدينة أو قرية مدينين بالنقوط لأى عريس أو عروسة أو أسرهم، أهالى المناطق الشعبية يتخذونه وسيلة للادخار الآمن وحلًاَ للأزمات المادية. «نقطنى النهارده ب100 جنيه.. أنقطك بكرة ب150، وكل واحد عارف اللى عليه»، جُملة تعكس مشهدًا مكررا يحدث بين المواطنين فى المدن والقرى، فلم تعد فلوس النقطة للمجاملة والتهانى فى الأفراح والمناسبات، إنما هي وسيلة للادخار الآمن وحل الأزمات التمويل يلجأ إليها الأهالى باستمرار. وتتعدد وتتنوع تقاليد الزواج بدمياط عن أى محافظة أخرى، خاصة مع قدوم الأعياد التى تكثر بها حفلات الزفاف، وذلك بسبب تعدد القرى والمدن فلكل منها ما يميزها، وهناك المناطق الريفية والأخرى التى تقع على السواحل سواء البحر المتوسط أو بحيرة المنزلة كذلك مئات القبائل العربية التي تعيش على حدود مدينة دمياط الجديدة ومركز كفر سعد ودائما ما نجد في كل مكان ما يثير دهشتك واستغرابك. واختلف الزواج بالمحافظة حديثا عنه فى الماضي سواء بالنسبة للأنثى أو للذكر خاصة في العمر، فقديما كان سن الزواج بالنسبة للأنثى ما بين 13 و18 سنة، وللذكر ما بين سن 18 و20 سنة، ولكن حاليا يرتبط الزواج بانتهاء الدراسة سواء بالنسبة للأنثى أو للذكر، حيث يتراوح سن زواج الأنثى فى العموم بين 16 و21 سنة، بينما الذكور بين 21 و24 سنة، وذلك بعد انتهاء التعليم وأداء الخدمة العسكرية. وتختلف سن الزواج فى محافظة دمياط عن كل الأعمار على مستوى الجمهورية، ويرجع ذلك لارتفاع الدخل وانتشار العمل الحرفي وتدني مستوى البطالة بصفة عامة. وتعتبر "النقوط" من أبرز المظاهر الاجتماعية التى استمرت منذ سنين طويلة وتزداد بمرور الوقت حيث تحولت من مجرد بدعة إلى حقيقة واقعة، وإلى مشروع تكافل اجتماعي بين الأسر على مختلف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية بل والتعليمية. وتنتشر ظاهرة النقوط في قرى محافظة دمياط بصفة عامة ولكن ليست بمستوى وحجم النقوط التي تشتهر بها مدينة كفر البطيخ بمركز كفر سعد التي تعتبر من أشهر المدن بالمحافظة التى تحرص على ما يسمى "كشف النقوط"، وتم عمل فيلم تسجيلي قصير عن كشف النقوط بتلك المدينة والتى يعتمد أهلها بشكل كبير على الكشف، فهناك مكاتب بالمدينة متخصصة "لجمع النقوط من الأهالى وتسليمها لأسرة العريس أو العروسة؛ مقابل مبلغ مادى يتم الاتفاق عليه". وعندما تمر على طريق كفر البطيخ - دمياط الجديدة ستفاجأ بكم كبير جدا من اللافتات القماشية ولوحات الإعلان البلاستيكية، التى تعلن عن حفل زفاف أو سبوع أو طهور؛ لجمع النقوط. تقول شيرين حلمى، ربة منزل بمدينة كفر البطيخ، إن النقوط من أبرز المظاهر الاجتماعية التى استمرت منذ سنين طويلة وتزداد بمرور الوقت، حيث تحولت من مجرد بدعة إلى حقيقة واقعة وتحولت إلى مشروع تكافل اجتماعى بين الأسر على مختلف مستوياتهم الاجتماعي والاقتصادي بل والتعليمي. وأوضحت أن ظاهرة النقوط تنتشر فى قرى محافظة دمياط بصفة عامة ولكن ليست بمستوى وحجم النقوط التى تشتهر بها مدينة كفر البطيخ بمركز كفر سعد، مضيفة: "يعتبر حفل الزفاف وحفلات ختان الأبناء الذكور من أهم مصادر الدخل وإقامة المشاريع لدى سكان مدينة "كفر البطيخ" الذين يتمتعون بمستوى عال من الدخل بالمقارنة مع محيطهم، نتيجة احترافهم لمهنتي صناعة الأثاث وصناعة الحلويات الشرقية". وقالت جميلة إبراهيم، ربة منزل، إنه قبل يوم النقوط تعلق لافتات في أماكن ظاهرة فى الشوارع كما يتم توزيع دعوات تحدد اليوم والمكان منها محطة القطار أو على جانبى الطريق الرئيسى أوبالقرب من البيت وحاليا تستخدم الألوان الفوسفورية التي تضيء ليلا. وأوضحت أن هناك "كشفا خاصا بالرجال واخر للنساء، كما يكون هناك شخصان أو أكثر من المسئولين عن كشف النقوط، حيث يأخذ مكافأة قدرها مائة وخمسين جنيها إلا إذا كان من يقوم بجمع "النقطة" شقيق العريس أو عمه أو خاله، لكن رفعا للحرج يتم اختيار شخص من غير الأقارب، أما السيدة التي تقوم بتجميع نقوط السيدات فتقوم بعملها من قبيل المجاملة، ومؤخرا هناك مكاتب متخصصة في جمع النقوط يوم الفرح من الأهالى بل والذهاب إلى المنازل في حالة تأخر أحد من الأهالى عن دفع النقوط لمطالبة صاحب المكتب بدفع النقوط اللى عليه". وشرح حسام جاد، صاحب مكتب جمع النقوط بكفر البطيخ، أن فكرة تلك المكاتب منتشرة على مستوى الجمهورية وليس دمياط فقط، ولكنها تحديدا معروفة بمدينة كفر البطيخ؛ نظرا لأن أغلب أهلها يجاملون بعضهم بما يسمى "النقطة"، وهى دفع مبلغ من المال يبدأ من 50 جنيها وأحيانا يصل إلى 1000 جنيه للعريس أو العروسة فى أى مناسبة، سواء خطوبة أو زفاف، ويعد بمثابة دين على أهل العريس والعروسة يجب عليه دفعه فور وجود أى مناسبة مماثلة للشخص الذى قام بمجاملته. وأضاف أنه تتم إقامة سرادق كبير وبناء مسرح فى صدره، وهناك "ميكروفون" يكرر قبول النقطة، وفي أحيان قليلة ولأسباب معقدة، يتم الإعلان جهارا نهارا عن من تخلف عن السداد. ولا يقتصر جمع النقطة على حالات الزواج، بل يمتد لرفع جدار بيت أو شراء سيارة للنقل وفي هذه الحالة ترفع لافتات "طهور الأنجال" كوسيلة للحصول على مبلغ محترم للخروج من الضائقة المالية، وهو أمر متعارف عليه ومفهوم. وقال محيي السعيد، من أهالى كفر البطيخ:" فى البداية موضوع النقوط كان أمرا عاديا عند الزواج، لكن الشخص يقوم برد تلك النقوط التي حصل عليها، كما أن هناك أشخاصا لديهم أولاد صغار ويقيمون مناسبة "طهور" ليحصلوا على نقوط كثيرة يجمعون من خلالها ما دفعوه من نقوط في وقت سابق لآخرين بمناسباتهم". وأضاف: "أما فى الوقت الحالى فأصبح النقوط تجارة وأى حد عاوز يتجوز بيعمل ضمة أو حفلة، وطبعا النقوط بيساعد فى شراء الموبيليا أو غيره أو شخص عاوز يعمل مصلحة أو يبني بيت أو أى مشروع بس لازم يكون له نقوط عند الناس أو تعامل فيه، والنقوط يبدأ من 10 جنيهات إلى أرقام عالية قد تصل إلى 10000 جنيه على حسب دخل الشخص، وفى ناس جمعت 500 ألف جنيه كمجمل للنقطة". وأشار إلى أن "هناك لافتات قبل الفرح بشهرين، وهناك دعوات توزع قبلها بأسبوعين، أما الظاهرة الغريبة فى البلد فهى ظاهرة "الضمة" التى تقام قبل الفرح ويكون بحضور مطربين وراقصات، حيث يتم جميع النقوط وهناك نسبة أو مبلغ محدد للمكتب المنظم أو لمتعهد الحفلات"، مؤكدا أنهم اعتادوا منذ أكثر من 30 عاما على إقامة مثل هذه الحفلات، لتجميع أكبر كمية من النقود، ويتم تعليق اللافتات في الشوارع الرئيسية بالمدينة قبل موعد الزفاف ب4 أشهر كاملة، حتى يتحضر كل من عليه نقوط وكل من يريد المجاملة، فمبالغ النقوط تكون مرتفعة، وهي بالحد الأدنى 100 جنيه ومن الممكن أن تصل إلى 10 آلاف جنيه من بعض الأشخاص، حسب مكانة أهل العريس ووضعهم المادي.