وزير الإسكان ومحافظ الأقصر يتابعان سير العمل بمحطة تنقية مياه الشرب بمدينة طيبة الجديدة    لأول مرة في السوق المصرية.. «هواوي» توقع شراكة مع «طلعت مصطفى» لتقديم خدمات التكنولوجيا السحابية للمدن الذكية    "التعاون الإسلامي" تؤكد أهمية إطلاق تحالف دولي لتنفيذ "حل الدولتين"    كيف اخترقت استخبارات إسرائيل حزب الله واغتالت نصر الله؟    السوداني: أطالب القوى الكبرى بتحمل مسئوليتها إزاء الاعتداءات الصهيونية على غزة ولبنان    وصول طائرة مساعدات أردنية إلى لبنان    مصطفى محمد يشارك في تعادل نانت مع سانت إيتيان بالدوري الفرنسي    مستشار البنك الدولي السابق: الدعم العيني هو الأفضل لمصر بشرط    لأول مرة درجة الحرارة تُسجل 16 مئوية.. تحذير مهم بشأن الطقس غدا: «اقفلوا المرواح»    «ساكنة فى بيت إيجار».. نائب رئيس جامعة الإسكندرية يكشف تفاصيل جديدة بشأن وفاة طالبة الطب    "الغواص.. أبو حامد الغزالي" أحدث إصدارات نهضة مصر للنشر    جمال بخيت يطلق ديوانه الجديد خيالي.. من نقابة الصحفيين    18 أكتوبر المقبل.. تفاصيل حفل تامر حسني في الإسكندرية    100 ألف.. فيلم "عنب" يتراجع في تحقيق الإيرادات    هل يجوز السفر لتشجيع فريق رياضى بغياب من العمل؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    السيطرة على حريق محدود فى محطة وقود بالشرقية    20 فرصة عمل في القليوبية (المؤهل وسن التعيين)    الجولة النهائية لبرنامج «قادة الهندسة» بحضور وزير التعليم العالي غدا    توصيات السيسي لخريجي الشرطة: التعامل مع الرأي العام والشعب له محاذير.. الصبر وتطبيق كل ما تعلموه في الأكاديمية.. الحفاظ على لياقتهم البدنية ووزنهم والابتعاد عن التدخين    1640 شهيدا و8408 مصابين جراء عدوان إسرائيل على لبنان منذ أكتوبر الماضي    "تنشيط السياحة" بالإسكندرية تنظم احتفالية اليوم العالمى للسياحة    أجواء معتدلة على مطروح والساحل الشمالي والحرارة 30° والرطوبة 50٪.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    رمضان عبد المعز: الله سبحانه وتعالى يكره هذه التصرفات من عباده    نائب محافظ قنا يشهد فعاليات "بداية" للكشف المبكر عن سوء التغذية بالمدارس    وزير المالية لممثلي المجتمع التجاري والصناعي: نمد إليكم «يد الثقة والشراكة والمساندة» بحلول عملية توفر حلولا متكاملة للتحديات الضريبية    مفتي الجمهورية ينعى شقيقة الدكتور أحمد عمر هاشم    طبيب قلب: تجنب التدخين والوزن المناسب والرياضة حلول تمنع تصلب الشرايين    ميكالي يوقع عقود تدريب منتخب الشباب.. ويتفق مع اتحاد الكرة على تفاصيل المرحلة المقبلة    حملة مكبرة لإزالة أماكن النباشين بمدينة الإسماعيلية    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    وزير الطاقة الإسرائيلي: نبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز مع لبنان    تعرف على إجراءات التقدم بطلب لشركة المياه لنقل ملكية العداد    لمسات فنية.. معرض تشكيلي في ختام النشاط الصيفي بالإسماعيلية    «كوت أوفسايد»: الموسم الحالي قد يكون الأخير ل محمد صلاح في ليفربول    هل قصد ناصر منسي الرد باحتفاله على رامي ربيعة وعمر كمال؟.. اللاعب يوضح    بينها رفعت عيني للسما.. 12 فيلما تشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بالدورة السابعة لمهرجان الجونة    حسام حسن يقرر استبعاد النني وأحمد حجازى من قائمة منتخب مصر لمباراتى موريتانيا في التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا    مصرع شاب في تصادم دراجة بخارية وتريلا بقنا    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    رئيس حزب الاتحاد: الشرق الأوسط ينزلق إلى حرب شاملة    مدير إدارة حدائق أكتوبر التعليمية تتفقد انتظام سير الدراسة بعدد من المدارس    ضبط مواد غذائية مجهولة المصدر بحملة تموينية فى العاشر من رمضان    ماء الليمون الأبرز.. 6 مشروبات صباحية لتقليل الإمساك وتحسين الهضم    سيارات تويوتا وجيب وبيجو للبيع في مزاد علني.. الشراء بالرقم القومي    احذر.. حبس وغرامة مليون جنيه عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    لتهالكها.. رفع 49 سيارة ودراجة نارية من الشوارع خلال 24 ساعة    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    رئيس أكاديمية الشرطة: الرئيس السيسي يقود مسيرة البلاد نحو التنمية والتقدم    توزيع 1000 شنطة سلع غذائية على الأسر الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    أول تعليق من هانز فليك بعد رباعية اوساسونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيام محيي الدين تكتب: تجديد الخطاب الديني.. التفسير ورجاله
نشر في صدى البلد يوم 10 - 08 - 2018

تفرد القرآن الكريم من بين سائر الكتب السماوية بأنه الكتاب المعجز الذي لا يتطرق إليه شك ولا يقع عليه ريب؛ تحدى بإعجازه اللغوي فصاحة العرب؛ وتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه وتعهد بصونه ولم ينزل علاجا لأمة خاصة ولا دواء لجماعة معينة وإنما نزل ليكون قانون الله تعالى إلى كافة عباده ودستوره إلى سائر خلقه فزوده المولى بأسباب الدوام والبقاء ؛ وحال بينه وبين عوامل الزوال والفناء فقال سبحانه: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لحافظون " فالله الذي نزل هذا الكتاب وهو المتولي حياطته وحمايته.
والتحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وترك القرآن أمانة في أعناق أصحابه مسجلًا كتابة في الرقاع والجلود والعظام ومحفوظا في الصدور والعقول والقلوب؛ بعد أن قام صلوات الله وسلامه عليه بوضع المنهج الرائد لفهم القرآن وتفسيره وتأويله من خلال سنته الشريفة قولا وفعلا، وكان الأعلام من أصحابه يرجعون إليه في حياته إذا استغلق عليهم أمر أو التوت عليهم فكرة؛ ثم حملوا من بعده الأمانة؛ والتزموا في تفسيرهم وتأويلهم منهجًا يقوم على النقل عن رسول الله أساسًا فإن لم يسمعوا في بعض الآيات شيئًا عنه اجتهدوا رأيهم معتمدين على فهمهم الدقيق لأسرار العربية التي نزل القرآن بلسانها المبين.
غير أن الرقعة الإسلامية التي اتسعت بالفتوح لتشمل أغلب العالم المعمور في ذلك الوقت؛ والفتن والمحن التي عاشتها الأمة؛ ودخول أمم وشعوب في الإسلام كانت لها عقائدها ومبادئها وثقافاتها؛ وقد انقضى عصر الصحابة العلماء بالعربية وأسرارها التي توصلهم للمقصود الإلهي من النص القرآني مثل على بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وغيرهم من علماء الصحابة.
و دخل ميدان التفسير الكثير من الأعاجم الذين اعتنقوا الإسلام بعضهم عن اقتناع وإيمان؛ وبعضهم على دخل ودغل ونفاق؛ وقد احترف هؤلاء وأولئك البحث في علوم الدين وجدوا في طلبها؛ وكان تفسير القرآن أحد هذه العلوم التي تولاها هؤلاء الأعاجم عامة؛ وأهل الكتاب منهم خاصة؛ فرأينا في تفسيراتهم سيلا من الإسرائيليات ومن نصوص العهدين القديم والجديد.
وهكذا بدأ الكدر يشوب موارد التفسير؛ وأخذت الأكاذيب والأساطير طريقها إلى هذه الموارد التي كانت من قبل طاهرة نقية، لم تعكر صفوها الأحاديث الموضوعة؛ والأخبار والروايات المكذوبة؛ والخيالات التي يأباها العقل وترفضها براهين المنطق، ويلوون عنق لغة النص المنزل ليستخرجوا منها أحكاما بعيدة عن المدلول اللغوي لألفاظه وتركيباته المنزلة.
ولم يسلم من هذه الترهات تفسير واحد من التفسيرات الكبرى مثل تفاسير الطبري والقرطبي والنسفي وابن كثير
"وهو العربي الوحيد بين المفسدين الكبار ولكنه كان متأخرا زمنيا عمن سبقوه"؛ فقد اعتمدوا جميعًا على الكثير من الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة ومحاولة التوفيق المتعسف بين آيات القرآن العظيم وروايات التوراة وحكم التلمود وأقاصيص أهل الكتاب وأهملوا تقريبًا تعمق النص من ناحية إعجازه البلاغي وتركيبه اللغوي ومعاني ألفاظه التي يشكل فهمها وإدراكها الأصل في معرفة المقصود الإلهي من النص المحفوظ.
وأسرفوا في القول بنسخ آيات من القرآن لآيات أخرى وجعلوها فرعا من فروع علوم التفسير؛ كما تحدثوا عن أسباب نزول بعض الآيات بصورة تتسم بالميل مع الأهواء وتأييد ما يعتنقون من مذاهب؛ وندر منهم من يلتزم بالتفسير المأثور عن الصحابة والتابعين ، بل ادعوا علم ما توقف الصحابة عن تفسيره من الآيات الكونية والفلكية والعلمية ؛ دون أن تكون العلوم البشرية قد توصلت إلى حقائقها العلمية في عصرهم ففسروها بأكاذيب مضللة تتعارض مع العقل والمنطق وتناقضت بعد ذلك مع حقائق العلم مثل إصرارهم على نفي كروية الأرض أو مركزية الشمس لمجموعتها الكوكبية.
وإدعائهم أن القرآن نص على غير ذلك لأن فهمهم للعربية كان قاصرا وسطحيا حيث كانت أصولهم أعجمية وأسرار العربية بعيدة عن إدراكهم وتذوقهم ؛ فإذا تأملنا تفسير الطبري مثلا مع اعترافنا بإمامه محمد بن جرير الطبري لهذا الفن " علم التفسير " ؛ وأن تفسيره احتوى فوائد جمة أكبر من أن ينوه بها أو يشار إلا أنه حفل بالكثير من الإسرائيليات التي لا تستند إلى نقل ولا عقل والتي هي أشبه بالخيالات والأساطير، منها بالآثار والحقائق؛ وأوردوا أحاديث تأمر بالتوقف عن رفض أقوال أهل الكتاب رغم أن هذا التوجيه النبوي مشروط بعدم مخالفتها لصحيح الكتاب والسنة ومعظم ما أورده الطبري من الإسرائيليات وأخبار أهل الكتاب لا ينطبق عليها هذا الشرط ، كما أكثر من عرض المسائل الفقهية ويحشد لما يؤيده منها حشدا ضخما من الأسانيد يثير البلبلة والحيرة ؛ لأنه يسرد الأسانيد من غير نقد لها ولا تعريف بأحوال رجالها.
كما أنه كان يفسر كثيرا من الآيات أو يؤولها غير مستند إلى حجة وتبع الطبري في نفس المنهج من جاء بعده كالزمخشري والقرطبي والفخر الرازي والنسفي حتى الحافظ إسماعيل بن كثير القرشي وهو عربي الأصل لم يسلم تفسيره من كل ما سبق.
بل يمكننا القول أن تأثره بابن تيمية جعل اعتماده على الأحاديث الضعيفة في تفسيره أكثر ممن سبقوه ؛ كما أن التسرع واللهفة على تسجيل العلوم الذي اتسمت بن كتابات علماء عصر التجميع الذي تلا سقوط بغداد في يد المغول سنة 656 ه/ 1258م وإغراق مكتبتها العظمى في نهر دجلة ، فاندفع العلماء إلى تسجيل ما حفظه من علم خوفا من ضياعه أدى إلى أن يكون تفسير ابن كثير عرضا لآراء من سبقوه أكثر منه تعبيرا عن رأيه ورؤيته.
ومع بداية عصر التنوير بعد الخروج من ظلام وجمود العصر العثماني؛ قامت في الأزهر الشريف حركة تنويرية قوية قادها الإمام محمد عبده التي ووجهت بمقاومة ضارية من الشيوخ المحافظين المقدسين لاجتهادات السابقين، وحالت الأحداث الكبرى التي عاشها الإمام محمد عبده وشارك فيها دون استكمال مشروعه الكبير في التنوير ولم يكمل من تفسير القرآن إلا الأجزاء الثلاثة الأخيرة منه.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر الداعية العظيم الشيخ محمد متولى الشعراوي ؛ الذي جذبت تأملاته في القرآن الكريم أسماع الأمة الإسلامية لأنه اعتمد منهجا يؤكد أن التوصل للمقصود الإلهي يقوم على الفهم الدقيق لألفاظ العربية والمعرفة العميقة بأسرارها وتركيباته اللغوية وبلاغتها وبيانها ومجازها واشتقاقات كلماتها ودلالات أصواتها؛ إلى جانب المعرفة الشاملة لقواعدها النحوية والبلاغية وجرس أصواتها ؛ إعمالا بقوله تعالى " إنا أنزلناه قرآنا عربيًا".
وتأكيدا للإعجاز الإلهي في صياغته بلسان عربي مبين والتحدي الرباني لفصحاء العرب الذين بهرهم التركيب اللغوي القرآني حتى الكفار منهم الذين شهدوا بعظمة الإعجاز اللغوي لآياته وقد تجنبت تأملات الشعراوي كلمة التفسير حيث تبنى رأيا يقول " لا يفسر القرآن إلا القرآن " ووضع منهجا يعتمد على معنى النص اللغوي كما كان يفهمه أهل عصر الوحي.
وقبل الشعراوي بسنوات قليلة أصدر الإمام محمود شلتوت شيخ الأزهر السابق كتابه في التفسير، الذي اعتمد المنهج الكلي في التفسير متجنبا المناهج التراثية التي كانت تفسر الآيات بترتيبها داخل سور القرآن والسور بترتيبها داخل أجزائه ففسر القضايا العقائدية والعبادية والسلوكية كما وردت في القرآن كله.
وتجنب هو والشعراوي الإسراف في موضوع النسخ وتوخي الحذر في ربط الآيات بأسباب نزول غير مؤكدة؛ وبذلك فتح هذان العالمان الجليلان الباب واسعا أمام الباحثين لوضع فهم معاصر لآيات الكتاب المحفوظ في ضوء علوم العصر وقيم وأخلاقيات الإسلام الحقيقية ومصالح العباد.
وعلينا ونحن نجدد خطابنا الديني أن نستكمل الطريق ونسير على نفس النهج في اعتماد المنهج اللغوي الدلالي والمنهج الكلي لعموم القرآن والتأويل الصحيح الذي يتسق مع العلم والعقل والمصالح السائرة للأمة فالقرآن ليس لعصر من العصور ولا يتوقف فهمه على زمن دون زمن فهو صالح لكل زمان ويتفق مع تطور العلم وتقدم الحضارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.