سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الداعية خالد الجمل: الفتاوى الشاذة مأخوذة من «الفقه الافتراضي».. ولا يجب اتباعها.. وجهود الأزهر في تجديد الخطاب «محمودة» ومن ينكرها جاحد وظالم.. والأديان ترفض الزواج المدني
* خالد الجمل الداعية الإسلامي: * القرآن والسنة يحُضَّان على معاملة المرأة بعدل ورِفق وعَطف * الإسلام رفع شأن المرأة وحَسَّنَ حالها وحدد لها نصيبًا في الميراث * التمييز فى أنصبة الميراث لحِكَم إلهية ولا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة * 3 معايير تسببت في تفاوت أنصبة الميراث بين الذكور والإناث * الزواج المدني ترفضه كافة الأديان.. والمروجون له يعتبرونه حرية شخصية * محتوى البرامج الدينية لا يتماشي مع متطلبات العصر يتعرّض الإسلامُ في الوقت الحاضر إلى حملات كثيرة لتشويه صورة تعاليمه السّمحة والإساءة إلى رموزه، ومنها الشبهات التي يدعيها البعض بأن الإسلام ظلم المرأة في الميراث ومنعها من من الزواج بغير المسلم، والدعوة إلى الزواج المدني، وأيضًا التشكيك في الفقهاء الأربعة وعلمهم. شبهات عدة انتشرت في المجتمع العربي، وخاصة المصري.. «صدى البلد» التقى الشيخ خالد الجمل الداعية الإسلامي المعروف عنه تصديه للأفكار والفتاوى المتطرفة وتناوله للقضايا الفقهية والدينية بشكل علمي مبسط، وتقديمه للأدلة المنطقية المقنعة دومًا في الرد على الشبهات التي تُثار من حين لآخر. وأكد «خالد الجمل»، أن الإسلام رفع شأن المرأة وحَسَّنَ حالها وحدد لها نصيبًا في الميراث، وحرم قتلها كما كان يفعل في الجاهلية، منبهًا على أن التمييز فى أنصبة الميراث لحِكَم إلهية ولا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإلى نص الحوار. ◄ بداية.. نريد معرفة كيّف كرمَ الإسلامُ المرأةَ؟ الإسلامُ يُخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة شبه متساوية، وتهدفُ الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحمايةُ، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويُبدي اهتمامًا شديدًا بضمانها، فالقرآنُ والسنةُ يحُضَّان على معاملة المرأة بعدلٍ ورِفقٍ وعَطفٍ. ورَفع الإسلام شأن المرأة وحَسَّنَ حالها، والنبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بالرفق بهن، ونهي عن تزويج الفتيات كُرهًا وعن أكل أموالهن، ولم يكن للنساء نصيبٌ في المواريث أيام الجاهلية، بل إنَّ الرجل كان إذا بشَّره أهله ببنتٍ اسودَّ وجهُهُ، وقد حكى القرآن ذلك فقال سبحانه وتعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»، ومن صور تكريمها أيضًا قد نزلت سورة خاصة بهنَّ تسمى سورة النساء توضح فيها أحكام المواريث، وكيفية معاملة المرأة في حال. وفي الجاهلية كانوا يقتلون البنات وهنَّ أحياء، ولمَّا جاء الإسلام حثَّ على تحريم وَأْد البنات، فقال عز وجل: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»، وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعدل، وقد حرَّم الله تعالى فيما يسمى بزواج المتعة حديثًا، وحَمْل الإماء على البغاء فيما سمَّاه القرآن الكريم، فقال عز وجل: « ... وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ» وذلك حرصًا على سلامة المرأة من المخاطر التي تتعرض لها في شخصها، والفتك بالمجتمع إذا سلكت هذا السبيل الذي نهي عنه ربنا، ونهي عنه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم-. ◄ البعض يرى أن الإسلام ظلم المرأة في الميراث.. فبمَ ترد على ذلك؟ عند استقراء حالات ومسائل الميراث-كما جاءت في علم الميراث- يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم السابقة والمغلوطة في هذا الموضوع، فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث، يكشف بوضوح: أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا، وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال، أي إن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل". ◄ لماذا يرث الأخ الشقيق أكثر من أخته البنت؟ فلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمييز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة، وإنما لحِكَم إلهية ومقاصد ربانية، قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة فى الإسلام، وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى، إنما تحكمه ثلاثة معايير: أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين. وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التى تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعباءها، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائه، بل وتصبح أعباؤها -عادة- مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من جدتها، وكلتاهما أنثى، وترث البنت أكثر من جدها حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن. وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح!. ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة، واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى، ذكورًا وإناثًا - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث، ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ» ولم تقل الآية: «يوصيكم الله فى عموم الوارثين». والحكمة فى هذا التفاوت، فى هذه الحالة بالذات بين الأخ وأخته، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى -وهى زوجته- مع أولادهما، بينما الأنثى الوارثة أخت الذكر، إعالتها، مع أولادها، فريضة على الذكر المقترن بها -زوجها-، فهى مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها، الذى ورث ضعف ميراثها، أكثر حظًّا وامتيازًا منه فى الميراث، فميراثها مع إعفائها من الإنفاق الواجب، هو ذمة مالية خالصة ومدخرة، لجبر الاستضعاف الأنثوى، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات، وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين. ◄ وضِح لنا الحكمة من إباحة زواج المسلم من الكتابيات وتحريمه ذلك على المُسلمات؟ الإسلامُ لم يبِح للرجل المسلم أن يتزوج من غير المسلمات إطلاقًا، إنما وضع لذلك شرطًا وهو أن تكون كتابية مؤمنة، وكان في أول الإسلام يباح أن يتزوج غير المسلم من المسلمة، كما كانت السيدة زينب -رضي الله عنها- متزوجة بالعاص بن الربيع، وظل كافرًا وهي مسلمة حتى نزلت آية المنع في هذا بقوله تعالى: «وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ» (سورة الممتحنة: 10)، ثم أسلم بعدها رضي الله عنه- وحسن إسلامه. ثم نجد أن القرآن الكريم تكلم عن التوصيات الضرورية للزواج مخاطبًا طرفين، الأول هم الرجال الراغبون في الزواج، بقوله لهم: «وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» (سورة البقرة: 221)، ثم يخاطب الطرف الثاني، وهم ليس كما يعتقد البعض من غير المتخصص أنهن النساء الراغبات في الزواج، فهذا ليس صحيحًا، لأن المرأة لا يصح أن يعلن إعجابها بالرجل على الملأ هكذا، فيوجه القرآن الكريم خطابه لأولياء المرأة ويقول لهم بعد ذلك: «وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ». إذن: هناك ذكر وتوضيح في تفصيله فيما سبق للذكر بذكره «المشركات» ثم «المشركين»، ولكن نزلت بعد ذلك آيات سورة المائدة التي وضعت إطارًا زمنيًا جديدًا كمرحلة ثالثة وأخيرة لضبط شروط الروابط الزوجية في المجتمع.. بقوله تعالى «اليوم» أي من الآن فصاعدًا يكون الحكم كالآتي: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (سورة المائدة: 5)، فهنا نجد أن القرآن الكريم قد تكلم عن الحِل في أمور خمسة، ذكر فيها تحديد زواج الرجال من كتابيات فقط.. في حين أنه سكت عن ذكر حكم زواج النساء في هذه الآية كما فعل في سورة البقرة بذكره للرجال والنساء معا. ومما سبق نجده دليلًا قويًا على إباحة زواج الرجل المسلم للمرأة الكتابية، وعدم جواز زواج المرأة المسلمة من غير المسلم، فكان هذا دليل المنع أما عن أسباب المنع، فهي كثيرة وعديدة وتتنوع من مجتمع لغيره.. مع عدم موافقتي لما يقوله البعض من أنه إذا كان الزوج غير مسلم فسوف يعيق الزوجة المسلمة في عبادتها، فهذا لا أراه صحيحًا، وذلك لأننا لا نحكم على أخلاق أشخاص بناء على ديانتهم ومعتقداتهم، فالكل عندنا له خلقه واحترامه الي أن يثبت عكس هذا، وكفى قول رسولنا الكريم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» إذن فلقد كان لغير المسلمين وقتها أخلاقٌ، غير أن الإسلام جاء فقط ليتمها، لا لينشئها من العدم. ◄ ظهرت دعوات مؤخرة للزواج المدني.. فكيف ترى ذلك؟ للزواج في الإسلام شروطٌ أخذ بها القانون المصري، وسن له ما يحافظ عليه، أيًا كان اسم هذا الزواج، ولعل من يقصد بمسمى الزواج المدني هو عدم الأخذ فيه لأي اعتبارات أو شروط شرعية أو اجتماعية وهذا ما لا نوافق عليه، فالزواج المدني الذي كذلك ترفضه كافة الأديان، لأنه يفصل الدين عن قيود الزواج. ◄ يتعرض البعض على الأحكام الفقهية.. فحدثنا عن نشأتها؟ نشأت الأحكام الفقهية مع نزول التشريع الإسلامي في صدر الإسلام، وهو يمثل الناحية العملية للرسالة المحمدية التي لا تصدر إلا عن وحي من الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فقد استنبطت الأحكام العملية من الآيات القرآنية التي تتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأحاديث النبوية الشريفة. وفي عهد الخلفاء الراشدين كذلك قام الصحابة-رضي الله عنهم- بهذا الأمر فكانوا يأخذون الأحكام فهمًا واستنباطًا وتطبيقًا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه مصادر الفقه الرئيسة. وبعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى لم يكن الصحابة بحاجة ماسة إلى الاجتهاد إلا في النادر؛ وذلك لصفاء نفوسهم، وصدق نيتهم وسلامة ذوقهم ومعرفتهم بأساليب اللغة العربية وفهم أسرارها. وبعد انتشار الإسلام وزيادة عدد أتباعه دعت الحاجة إلى إيضاح كثير من القضايا الفقهية، فزاد الفقه بشكل واسع حتى أصبح علمًا أساسيًا نافعًا، وصار موردًا عذبًا لبيان مقاصد الشريعة، وكيفية استنباط الأحكام من النصوص بوساطة العلماء المؤهلين المواظبين على حفظ ودراسة أصول الشريعة وفهم مقاصدها، وتعلم اللغة العربية وإتقان قواعدها، وهنا دعت الحاجة إلى نشأة الفقه واستقلاله، وقيامه كعلم مستقل مدون ومتكامل يوضح المقصود لكثير من النصوص الشرعية، ويبين مقاصدها. ◄ يُهاجم البعض الأئمة الأربعة.. عرفِنا كيف نشأت المذاهب الفقهية؟ المدارس أو المذاهب الفقهية نشأت بصورة تلقائية نتيجة انتشار العلم وانتقال العلماء لبيئات جديدة تحتاج إلى حل مشكلاتها بيسر وسهولة، ونظرًا لعدم قدرة كثير من الناس على تعلم الأحكام والتفرغ لذلك أو عدم قدرة جميع من يطلب العلم على الاجتهاد والاستنباط من الأدلة أو من الكتاب والسنة مباشرة؛ دعت الحاجة الماسة لمعرفة أحكام الدين عن طريق سؤال العلماء واتباعهم؛ لذلك نشأت تلك المذاهب الفقهية. وما سبب شهرة الفقهاء الأربعة دون غيرهم من الفقهاء؟ انتقل عدد من الصحابة لمختلف الأمصار الإسلامية، وتتلمذ على أيديهم عدد كبيرٌ من التلاميذ، الذين أخذوا علمهم ونشروه وعلَّموه للناس، واستمر نقل العلم إلى أن وصل للأئمة الأربعة وغيرهم، ولكن نظرا لاهتمام تلاميذ الأئمة الأربعة بتدوين علمهم ونشر كتبهم؛ اشتهرت هذه المذاهب على غيرها، وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة هم: الإمام أبوحنيفة النعمان بن ثابت (ولد80 ه وتوفي 150ه)، والإمام مالك بن أنس الأصبحي (ولد 93ه وتوفي 179ه)، والإمام محمد بن إدريس الشافعي (ولد 150ه وتوفي 204ه)، والإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ولد 164ه وتوفي 241ه). وقام تلامذة الأئمة الأربعة بالاستمرار في تدوين كتبهم، وشرحها ونشر علمهم بين الناس، وظهر علماء آخرون في مختلف الأمصار الإسلامية وآراؤهم محفوظة في الكتب الفقهية، ولم ينشط تلاميذهم أو أصحابهم في نشره كتبهم وخدمتها وشرحها، أو نشر فقههم ومذهبهم، فلم يُكتب لها البقاء والانتشار، وبقيت المذاهب الأربعة المعروفة لأهل السنة إلى يومنا هذا. ◄ هل يجب اتباع مذهب فقهي معين؟ كان جميع أئمة المذاهب يدعون لعدم التعصب لمذهب محدد، واتباع الدليل من الكتاب والسنة لمن كان مؤهلًا لذلك، فقد كان أئمة المذاهب الفقهية حريصين على تقديم الكتاب والسنة والتحاكم إليهما، وقد صح عن كثير منهم -أي أئمة المذاهب الفقهية وتلاميذهم- أنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي». فرأي الفقيه اجتهاد شخصي ولا يجب اتباعه أو التقليل منه، فيجوز التنقل بين الآراء الفقهية بما يناسب المصلحة. ◄ بيّن لنا سبب وجود فتاوى شاذة في الكتب الفقهية القديمة؟ بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعددت اللغات، وأفتى الفقهاء في جميع المسائل الحياتية من معاملات وعبادات وغير ذلك، ذهبوا إلى ما يسمى «الفقه الافتراضي» وأجابوا عن أسئلة من الصعب حدوثها مصل ما حكم صيام من أكل صخرة في نهار رمضان؟، وما حكم ميراث الرجل إذا كان نصف جسده صخرة والجزء الآخر آدمي؟، فيستحيل أن يكون أن يوجد إنسان نصف صخرة والآخر آدمي، وهذا موجود مثلًا في كتاب ك«البحر المحيط». ◄ كيف ترى الفتاوى المُثيرة للجدل الآن؟ الفتاوى المثيرة للجدل نوعان، النوع الأول: «فتاوى متطرفة» كمن يحرم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم مثلًا، والثاني: «فتاوى شاذة» وهي التي تعتمد على الفهم السطحي للنص متأثرة بالفكر الأصولي القديم الذي لم يتطور. والحقيقة أن هذا الفكر لم يكن نهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته ولا سادتنا الفقهاء الذين نقلوا إلينا تراثنا الحنيف، فما نراه الآن من تطرف في الفتوى ليس له أساس في الفق، فنجد هناك بعض المتشددين من يجهل الأحكام المندوبة واجبة، والمباح والمكروه حرامًا، بل ويجعل الإجماع هو الصواب وغيره منكرًا أو شاذًا وهذا هو ما يسبب المشكلة، فحلق اللحية مثلا واجب بالإجماع، ولكن الإمام الشافعي خالف غيره وقال بإباحة حلقها. وارتداء النقاب واجب بالإجماع، ولكن أبو حنيفة خالف هذا وقال فيه بالندب، فلما خرج علينا من قال إن النقاب واجب وغير ذلك حرامًا.. وقال إن اللحية واجبة وغير ذلك حراما، وفقط..!. وخرج علينا من ناحية أخرى من يقول إن الحجاب «الذي هو فرض» أنه ليس فرضًا، بل وقال إن اللحية حرام، وكلاهما متطرف، فالحق أو الحلال ليس واحدًا كما يزعم البعض، إنما هو متعدد، ففي حديث السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» وهنا نسأل هل يختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين أحدهما حلال والآخر حرام -حاشا لله-؟ بالطبع لا، ولكن يختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين كلاهما حلال، لذلك ففي كل مسألة أكثر من صواب، ومن قدر علي فعل أي صواب فيهم فليفعل، شريطة أن يتحرى الحِل قدر استطاعته، وألا يُكفر الآخر وإن كان عاصيًا أو على غير دينه، فعاليم الإسلام تتسع للجميع للمسلمين وغيرهم أيضًا. ◄ ما تقييمك للجهود المبذولة لتجديد الخطاب الديني؟ أرى الجهود المبذولة من الأزهر والأوقاف في تجديد الخطاب الديني محمودة ومن ينكرها جاحد وظالم، مثل نشر وعاظ الأزهر على المقاهي وأكشاك المترو لتصحيح صورة الإسلام، ولكن هناك قلة من بعض الشيوخ لم يؤدوا واجبهم تجاه الأزهر هذا البيت الذي علمهم، وأعتبر الهجوم الأزهر أكبر دليل على نجاحه. ◄ هل ترى البرامج الدينية تواكب المرحلة التي نحن فيها؟ محتوى البرامج الدينية لا يتماشى مع متطلبات العصر وضرورة تجديد الخطاب، ولا يوجد إلا برنامجان فقط نتعلم منهما وهذا العدد ليس كافيًا، فعلى القائمين على البرامج أن يقتحموا المناطق الخطرة عن الشباب ويحاولون علاجها بمنظور ديني.