تمر مصر بمرحلة صعبة وخطيرة من تاريخها، لا تبدو المقدمات حتى الآن دافعة للتفاؤل إلا أنه ينبغى التمسك بأى أمل للحفاظ على هذا الوطن فى ركب العصر ولا يضيع فى غياهب القرون الوسطى التى غادرتها معظم الأمم المتطورة. العالم المتطور يدور فى فلك بينما يدفعنا تيار إلى الدوران فى فلك آخر لا يمت بصلة للحاضر، فما بالك بالمستقبل. يصارع الوطن من أجل عدم الانزلاق إلى مجاهل أعراف وقوانين تناسب مجتمعات نقرأ عنها فى كتب التاريخ الصفراء. أظن أن إحدى أهم المعارك التى لا ينبغى الانحناء فيها هى معركة الدستور، فمن الواضح جلياً أن ما يتم حالياً هو محاولة لإجبارها على بلع الدستور الذى يتم طبخه داخل اللجنة المطعون فى شرعيتها وإطلاق قنابل دخان وخلق حالة ضجيج ممزوج بتخويف وتخوين ليتمكنوا من خلالها من تمرير دستور يزيد من الفجوة بيننا وبين العالم المنطلق ويرسخ من خلال مواد حمالة أوجه لسيطرة بلا نهاية للتيار الذى خطف اللجنة كما خطف مقاليد الدولة من قبل. وقبل أن يبادر من يدعى أن اللجنة المكلفة بصياغة الدستور تمثل «أطياف» الشعب المصرى، كما يتشدق قادة هذا التيار. ومع الاعتراف بأن اللجنة تضم بين أعضائها شخصيات جديرة بكل التقدير لما لها من مكانة وعلم إلا أن هناك من ضل طريقه ليشارك فى رسم وجه مصر المستقبل. ولكى نكون أكثر تحديداً فإننى أشير هنا إلى ما ذكره بعض الطاعنين فى قانونية الجمعية أمام القضاء بأن الجمعية التأسيسية تضم 24 عضواً من جماعة الإخوان المسلمين و18 من قيادات وأعضاء حزب النور والأحزاب والجماعات السلفية و3 من حزب الوسط الإسلامى و6 من شخصيات عامة معروفه بتوجهاتها المساندة للإخوان المسلمين. الإشارات الواردة حتى الآن غير مطمئنة، وكما ذكر حافظ أبوسعدة، رئيس الجمعية المصرية لحقوق الإنسان، أحد مقيمى الدعاوى، أنه يتم العمل داخل «التأسيسية» لصالح رئيس الجمهورية، والدليل على ذلك أن شروط ترشيح الرئيس فى الدستور الجديد لم تتضمن ألا يكون أبناؤه مزدوجى الجنسية، والمعروف أن أبناء الرئيس الحالى يحملون الجنسية الأمريكية، كما أن الدستور لم يحدد انتهاء مدة الرئاسة وذلك حتى يستطيع استكمال المدة الرئاسية كاملة. أحد المحامين ذكر أن عشرة من أعضاء «التأسيسية» تم تعيينهم مستشارين بمقابل مادى مجز للرئيس. الخطر الحقيقى هو ما تسرب من اتجاهات عن توجهات لمواد فى الدستور يمكن اعتبارها عبث ببنيان الدولة، وهذا البنيان يعتمد على أعمدة أساسية هى القضاء والجيش والشرطة والأزهر والكنيسة ومكونات الثقافة المصرية. وفيما يبدو فإن الرغبة فى الاستحواذ والسيطرة أقوى من كل أصوات العقل. فالمهم هو تمرير الدستور كما يرونه بأسرع وقت، فهم يمررون منذ أسابيع معلومات بأن مسودة الدستور انتهت وأن التصويت عليها خلال فترة قصيرة، المسألة أشبه بسباق مع الزمن لتمرير الدستور قبل أن يفصل القضاء فى شرعية لجنتهم. لقد بدأ الخطر مبكراً عندما تمكنت الجماعة من خداع المجلس العسكرى ومن بعده خداع ثمانية عشر مليوناً من المصريين صوتوا فى الاستفتاء لصالح تأجيل الدستور لما بعد الانتخابات. وفى ظل هذه الشرعية الممزوجة بخداع المجلس والمصريين انفردوا بتشكيل اللجنة ووضعها بالشكل الذى يحقق الغرض منها. ولكن حدث ما حدث وبتنا نواجه الواقع الذى نحن فيه، وأصبح أملنا الآن أن تأتى أحكام القضاء ببطلان «التأسيسية» للحد من هذا الاندفاع الذى يقوده التيار الحاكم من خلال التشكيل المشوه للجنة، وفى حال استمرار اللجنة فى العمل فإن هذا ينبغى ألا يكون حائلاً دون الاستمرار فى النضال فى معركة الدستور هذه بأى طريقة ممكنة، فهى ما تبقى من أجل استمرار الإحساس بأن هناك أملاً. نقلاً عن المصرى اليوم