اتجهت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان للقيام بدور أكبر في حماية المدنيين الذين وجدوا أنفسهم وسط أتون حرب أهلية بدأت قبل أربع سنوات وذلك بعد انتقادات على مدى سنوات لفشل المهمة الذي أدى إلى عزل قائدها العسكري العام الماضي. وخلال العام الحالي أنقذت قوات الأممالمتحدة في جنوب السودان عاملين في مجال الإغاثة وموظفين في الأممالمتحدة خلال هجمات كما أنقذت مدنيين من الخطف على أيدي جماعات مسلحة واقتحمت حواجز أمنية لتتقدم إلى موقع مذبحة. وقال لوران سبينك خبير جنوب السودان في مركز المدنيين في الصراع (سيفيك) الذي يعمل انطلاقا من الولاياتالمتحدة "تم إنجاز الكثير ... لتحسين قدرة البعثة على تحقيق التكليف بحماية المدنيين". كان جنوب السودان أحدث دولة مستقلة في العالم عندما استقل عن السودان عام 2011 في أعقاب صراع طويل. غير أن الدولة الجديدة سرعان ما انزلقت إلى حرب أهلية بعد أقل من عامين وذلك بعد أن عزل الرئيس سلفا كير المنتمي لقبيلة الدنكا نائبه ريك مشار وهو من قبيلة النوير. ومنذ ذلك الحين سقط عشرات الآلاف من القتلى ونزح 3.5 مليون مواطن من سكان البلاد البالغ عددهم 12 مليون نسمة عن بيوتهم لتصبح تلك أكبر أزمة لاجئين في أفريقيا منذ أحداث الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. * حماية القواعد مع انتشار الحرب تدفقت الأسر على قواعد قوات الأممالمتحدة بحثا عن الحماية. وأصبح أكثر من 210 آلاف يعيشون في مثل هذه القواعد ويخشون العودة لبيوتهم. وفيما بين ديسمبر كانون الأول 2013 ويوليو تموز 2016 قتل أكثر من 100 مدني وأربعة من جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في هجمات على قواعد الأممالمتحدة لم يرد فيها جنود حفظ السلام على النيران أو فروا أو تأخروا في الرد وذلك حسب بيانات الأممالمتحدة ومركز المدنيين في الصراع. غير أن بعثة الأمم بدأت تأخذ تدريجيا موقفا أكثر تشددا وذلك بفضل وصول رئيسها الجديد ديفيد شيرر الزعيم السابق لحزب العمال النيوزيلندي في يناير كانون الثاني. وقال شيرر لرويترز "نحاول جعل حفظ السلام مهمة ردع أقوى." وتبرهن عدة حوادث على هذا التغيير. ففي ابريل نيسان انتشر جنود حفظ السلام في قرية آبوروك الواقعة على النيل. وبعد وصولهم انسحب المتمردون وتوقف هجوم للقوات الحكومية كان سببا في نزوح 20 ألفا من المدنيين. ثم تدخل رجال الإغاثة لوقف تفشي الكوليرا. وفي ذلك الشهر نفسه توجه جنود حفظ السلام إلى توريت في الجنوب الشرقي لحماية دار أيتام تأوي 250 طفلا. وتكرر تدخل جنود حفظ السلام من منغوليا في بنتيو الشمالية لإنقاذ مدنيين من الخطف على أيدي جماعات مسلحة هذا العام ومنها حادث أطلقوا النار خلاله. ولم تستطع رويترز التوصل إلى سجلات تدون مثل هذه التدخلات في السنوات السابقة. وقال بيتر راوش الذي يعيش في مخيم أمام قاعدة الأممالمتحدة في جوبا "حدث تحسن". وقبل عام اغتصب جنود من القوات الحكومية عشرات النساء اللائي غامرن بالخروج إلى ما وراء سور المخيم بحثا عن الطعام. وأضاف أن "الكتيبة الأثيوبية طهرت منطقة عازلة وتعمل على التأكد من حماية النساء عندما يخرجن لجمع الحطب". وقالت الأممالمتحدة إن عدد الجرائم الخطيرة مثل الاغتصاب والقتل بالقرب من المعسكر انخفض من نحو 48 جريمة في الشهر إلى ما بين واحد وخمسة جرائم منذ فتح المنطقة العازلة في نهاية نوفمبر تشرين الثاني. تعمل قوات حفظ السلام في جنوب السودان منذ ما قبل الاستقلال غير أنها وجدت نفسها موضع انتقاد كثيرا بعد تفجر الحرب من جانب جماعات إغاثة قالت إنها لا تبذل جهدا كافيا في حماية المدنيين مثل جماعة أطباء بلا حدود. وقبل عام تجاهل جنود حفظ السلام في قاعدة الأممالمتحدة الرئيسية في جوبا نداءات يائسة للمساعدة عندما هاجمت قوات حكومية فندقا على بعد ميل وقتلت أحد العاملين في مجال الإغاثة واغتصب جنودها عاملات أخريات. وفي الأيام التالية اغتصب جنود حكوميون عشرات من نساء قبيلة النوير خارج القاعدة نفسها. ونشرت عشر منظمات إغاثة بيانا مشتركا اتهمت فيه جنود حفظ السلام بالتقاعس عن تنظيم دوريات كافية في المنطقة. وقال فريدريك مكراي مدير جنوب السودان لدى منظمة كير الخيرية في ذلك الوقت "إن عجز قوة الأممالمتحدة عن حماية المدنيين يهدد بإضعاف أي محاولات لتحقيق السلامة والأمن في البلاد ويجعل من المستحيل على وكالات الإغاثة الإنسانية توفير المساعدة المطلوبة بشكل عاجل". وفي النهاية فتحت الأممالمتحدة تحقيقا أدى إلى عزل قائد قواتها الكيني الجنسية جونسون أونديكي في نوفمبر تشرين الثاني. وردا على ذلك سحبت كينيا قواتها من بعثة حفظ السلام. استمر العنف رغم تنشيط عملية حفظ السلام. وتضم بعثة الأممالمتحدة 12 ألف جندي مسلح وتزيد ميزانيتها على مليار دولار. غير أن هذا لا يكفي لتسيير دوريات في دولة يماثل حجمها حجم فرنسا ويقل طول الطرق الممهدة فيها عن 300 كيلومتر. وقال شيرر إن انتشار قوات حفظ السلام على مساحة شاسعة جعل من الصعب إرسال بعض الجنود إلى باجاك وهي معقل للمتمردين في الشمال الشرقي حيث أدى هجوم حكومي إلى نزوح الآلاف وأرغم عشرات من العاملين في مجال الإغاثة على الجلاء عن المنطقة منذ يوليو تموز. ولم تتدخل دوريات الأممالمتحدة في مدينة واو في الشمال الغربي في ابريل نيسان عندما قامت ميليشيا متحالفة مع الحكومة من قبيلة الدنكا بتفتيش البيوت وأعدمت 16 فردا على الأقل من أعراق أخرى. ومن أسباب المشكلة أن الأممالمتحدة تحتاج إلى موافقة حكومة جنوب السودان على وجودها. ومن الممكن أن يؤثر ذلك على سير التحقيقات أو التدخلات التي تستهدف قوات حكومية. وفي الأسبوع الماضي منعت الحكومة إقلاع طائرات تابعة للأمم المتحدة بعد نزاع على نشر قوات إضافية قوامها 4000 جندي لدعم مهمة حفظ السلام. وأضاف أن الحكومة ترفض قبول القوة الجديدة. وقال المتحدث باسم الرئاسة اتني ويك اتني "الأممالمتحدة لا يمكن أن تكون مستقلة بالكامل في بلد ذي سيادة ... ويتعين عليها أن تعمل بالتعاون مع الحكومة... فلا يمكنها أن تدير حكومة موازية". ونفى أن قوات الحكومة قتلت مدنيين أو أساءت إليهم. وقال اتني "الحكومة ... لا يمكن أن تفعل شيئا يضر بالمدنيين ويتطلب قدوم أحد لحمايتهم". وقد رد شيرر على بعض الحواجز الأمنية بضغط علني. كما لجأ إلى إذاعة الأممالمتحدة للمطالبة بفتح الطريق إلى ملجأ أيتام توريت وأمر جنود حفظ السلام بالتمسك بموقفهم عندما تعترض قوات طريقهم. غير أن البعض يرى أن تدخل الأممالمتحدة جاء متأخرا. فلم يصل جنودها إلى آبوروك حتى ابريل نيسان بعد فترة من بدء الهجوم الحكومي في يناير كانون الثاني. وفي الوقت نفسه قالت منظمة العفو الدولية إن قوات حكومية قتلت مدنيين وقصفت المنطقة وأحرقت البعض أحياء في بيوتهم.