رغم تكرار الأزمات بين السلطة القضائية ورأس الدولة الجديد في مصر إلا فإن أزمة إقصاء المستشار عبدا لمجيد محمود تعد واحده من أصعب المواجهات بين الطرفين خصوصاً أن النائب العام يعد أول مسئول يتحدى الرئيس محمد مرسي علنا برفضه القرار الرئاسي الذي صدر مؤخرا بتعيينه سفيرا لمصر لدى الفاتيكان الأمر الذي وضع مرسي في مأزق قانوني لم يجد أمامه بديلا غير التراجع عن قراره وإعلان إستمرار محمود في منصبه. مم اضطرت مؤسسة الرئاسة برمتها وحفظا لماء الوجه أن تعلن أن مجلس القضاء الأعلى قدم التماسا للرئيس للإبقاء على المستشار عبد المجيد محمود في منصبه علما بأن مستشاري الرئيس يعلمون مسبقا أنه لا سبيل لإقالة النائب العام في ظل الحصانة التي يتمتع بها منصبه قانوناً من العزل. أعادت هذه الأزمة إلى الأذهان قرارات أغسطس الماضي عندما أقصى الدكتور محمد مرسي رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وقادة الأسلحة الرئيسة رغم أن هذه القرارات كانت تمثل في حينها مخالفة دستورية في ظل وجود إعلان دستوري يحصن أعضاء المجلس العسكري ضد العزل ,ذلك الإعلان الذي ألغاه مرسي ليحتفظ لنفسه بكل السلطات التي حجزها هؤلاء القادة قد لأنفسهم مسبقا . وطرحت أزمة النائب العام تساؤلا في شأن أسباب نجاح محمود في ما فشل فيه قادة الجيش رغم ما كانوا يملكون وقتها من خيارات وقوة عسكرية ربما كانت تمكنهم من تحدي سلطة الرئيس ورفض قرارات عزلهم .من المحتمل أن تكون مؤسسة الرئاسة تسرعت في إقصاء النائب العام من دون تشاور مع السلطة القضائية الأمر الذي أدى إلى زيادة حجم التضامن الذي لقي النائب العام من أعضاء نادي القضاة والهيئات القضائية المختلفة على عكس ما حدث مع قادة الجيش إذ سبقت قرارات عزلهم مشاورات مسبقة مع قادة آخرين واتصالات لم يتم الكشف عن مضمونها لدرجة أن قرار إقصاء طنطاوي تبعه بدقائق أداء الفريق أول عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية وزيراً للدفاع وتسلم مقر الأمانة العامة فوراً. وكانت المؤسسة العسكرية قد حرصت على تأكيد أن قرارات إقصاء طنطاوي وعنان وآخرين تمت بالتشاور معها. وبدورنا فإنه يتحتم علينا أن نعترف أنه من أهم الأسباب التي ساعدت النائب العام على تجنب مصير طنطاوي تمتع السلطة القضائية في مصر بتقاليد وأعراف راسخة يأتي على رأسها التضامن مع أي تدخل سافر في شؤونها ,كذلك واجب علينا ألا نغفل دور الرأي العام ورفض معظم طوائف الشعب لتلك المحاولات من جانب السلطة التنفيذية للتغلغل والسيطرة على بقية السلطات.
وتعد هذه الأزمة صورة من صور الصراع بين السلطات فالمؤسسة القضائية تعتبر إحدى أهم القطاعات المصرية ولديها من الأوراق ما تستطيع من خلاله حسم أي صراع مع أى من السلطتين الأخريين لمصلحتها ,فليتنا ندرك أنه إذا أضرب القضاة مثلاً فالدولة ستصاب بالشلل وبالتالي لن تنفع أجهزة الدولة القمعية في التعامل معهم. كذلك فإن تصرف النائب العام ومن خلفه القضاة والمثقفون وبالطبع علينا ألا نغفل دور الإعلام يعد رسالة بالغة القوة والحسم للرئيس ولجماعة الإخوان المسلمين مفادها بأن لا استمرار لحكم الفرد بعد الثورة كذلك فإن خبرات النائب العام المتراكمة في التعامل مع السلطة وعلاقاته بالنخبة المصرية والمثقفين وإدراكه لقدرات القضاة ومؤسسة القضاء مكنته من حسن إدارة الصراع الذي لم يحسم في النهاية لمصلحته فقط ولكن لمصلحة هيبة الدولة على اختلاف طوائفها.