قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، إن للنبي صلى الله عليه وسلم عند ربه مقامًا عظيمًا، وقدرًا جليلًا، فاق كل الخلائق أجمعين، فهو سيد ولد آدم، بل هو سيد الأكوان وصفوتها، فهو خير من الملائكة، وخير من العرش، ولا يعرف حقيقته وعظيم قدره إلا خالقه سبحانه وتعالى. وأضاف «جمعة» في فتوى له، أن الله تعالى خص سيدنا محمدًا -عليه الصلاة والسلام- بمزايا عديدة، ونوع أشكال المدح له، وذكره في قرآنه بأجل الصفات، فوصفه ربنا بالرحمة فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، وقال: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» [التوبة : 128]. وأشار المفتي السابق، إلى أن الله تعالى وصف سيدنا محمدًا -عليه الصلاة والسلام- بأنه النور الهادي للحق فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا» [الأحزاب :45، 46]. وقال سبحانه: « يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ» [المائدة :15]. ولفت إلى أن الله تعالى أثنى على أخلاقه -عليه الصلاة والسلام- فقال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» [القلم : 4]، وكما أخبر هو بنفسه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وألمح إلى أن الله تعالى فضل الرسول -عليه الصلاة والسلام- على الأنبياء قبله في النداء، مشيرًا إلى أن الناظر في القرآن الكريم يرى أن الله قد نادى الأنبياء عليهم السلام قبله بأسمائهم المجردة، فقال تعالى «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» [هود : 46] وقال: «يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا» [هود : 76]، وقال سبحانه: «يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ» [طه : 12 ،13]، وقال سبحانه وتعالى: «يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ» [آل عمران : 55]، وقال سبحانه: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ» [ص : 26]. وتابع: أما نبينا صلى الله عليه وسلم فما ناداه الله تعالى في كتابه العزيز باسمه مجردًا قط، بل كان دائما يناديه بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ»، أو «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ»، أو «يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ»، أو «يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ». وأكد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يستحق تلك المكانة التي جعلها الله تعالى له، ويستحق أن نحبه بكل قلوبنا، فهو الذي كان يتحمل الأذى من أجلنا، ولا يخفى ما يؤثر من حلمه صلى الله عليه وسلم واحتماله الأذى، وإن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرًا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلمًا. واستطرد: ويؤكد هذا الخلق العالي دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقومه الذين آذوه وعادوه، وما دعى عليهم، وإن كان الدعاء عليهم ليس بمنقصة، فإن الدعاء على الظالم المعاند لا شيء فيه وفعله أولي العزم من رسل الله كنوح وموسى عليهما السلام، مضيفًا: فكان دعاء سيدنا نوح فقد قال القرآن عنه في دعائه على قومه: «وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا» [نوح : 26]. واستكمل: وسيدنا موسى عليه السلام فقال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ» [يونس : 88]. ونوه بأنه كانا عليهما السلام على حق، ولكن كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحق، فقد روى الطبراني وذكره الهيثمي في مجمعه وقال رجاله رجال الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته، وشج وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم يوم أحد، شق ذلك على أصحابه شقا شديدا، وقالوا : لو دعوت عليهم. فقال : إني لم أبعث لعانا، ولكني بعثت داعيا ورحمة : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. واستدل بما أخرجه البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها (قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا». وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم- عفى على من جذبه من الأعراب جذبة شديدة، وأعطاه سؤاله وزاد، وعفى صلى الله عليه وسلم عن اليهودية التي سمت الشاة له بعد اعترافها، ولم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره، ولا عتب عليه فضلا عن معاقبته.