الجدل الذي دار أثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بخصوص جزيرتي تيران وصنافير كشف عيوبا كثيرة في إدارة الدولة المصرية ونظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأظهر ثقوبا واسعة في الثوب المصري بسبب حالة الطناش والصمت المعيب الذي أصاب حكومة شريف إسماعيل، فأصبحت الحكومة تسير في واد والشعب في في واد آخر، وأصبحت العلاقة بين الشعب والنظام علاقة طردية لن تعود إلا إذا خرج رأس السلطة، وأقصد هنا الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتبرير ما يحدث وشرح أسباب الأنقسام المخيف الذي حدث في الشارع المصري. في البداية يجب أن نتفق على أن الجدل في المجتمعات المتحضرة حق أصيل لشعوبها، ولكن أن يزيد بهذه الطريقة، فإن الأمر يوحي بأن هناك من يحرك الأمور من حلف الستار عبر وسائل الإعلام وعبر المواصلات في الشارع المصري وعبر المقاهي والمنتديات، كما أن الجدل الطبيعي المحترم يفرز نتائج إيجابية ومؤشرا صحيا وجيدا شرط أن يبقى في نصابه القانوني، وألا يخرج عن نطاق الفوضى أو التخوين. هنا يحضرني استفسار بسيط للغاية وأسئلة عديدة تحتاج إلى استفسار حقيقي لكن دعنا نتفق.. لماذا هذا الجدال؟ ولماذا يحدث في هذا التوقيت؟ ولماذا لم ينتظر الشارع المصري حتى نهاية الزيارة؟ ولماذا أثير موضوع الجزيرتين أثناء وجود الملك السعودي؟ ومن المستفيد من هذه الفوضى المعلوماتية التي نجحت في التغطية على الزيارة الناجحة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. دعنا نناقش موضوع الجزيرتين اللتين تسببا في أزمة بين الشعب المصري ونظامه بعقلانية، أنا لست متخصصا في ترسيم الحدود ولكنني مجرد ناقل لآراء بعض الخبراء في هذا المجال، وأنقل لكم رأيين متضاربين، كل منهما يؤكد صدق وصحة موقفه، وأنه يمتلك المستندات التي تؤكد أن الجزيرتين سعوديتان والطرف الآخر أو الثاني يقسم أن الجزيرتين مصريتان.
الرأي الأول يقول: 1- إن المصريين هما اللي قالوا إن الملك السعودي 1950 طلب الحماية للجزيرتين لأن المملكة لا تمتلك أسطولا أو قوات بحرية. 2- إن الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق اعترف وأكد أن الجزيرتين موجودتان تحت الإدارة المصرية، وللمملكة الحق في استردادهما في الوقت الذي تشاء. 3- إن المنطقة العربية كلها كانت تحت الاحتلال لمدة أربعة قرون متتالية وكانت الحدود غير موجودة. 4- إن حدود مصر خلال فترة حكم محمد علي توسعت وتقلصت مرات عديدة وطلب منه حماية مكة والمدينة، وأن تكون البلدان تحت إدارة مصر أمنيا لحماية الحجاج، فهل معنى هذا أن مكة والمدينة تابعتان للدولة المصرية؟ 5- إن محمد علي حكم الجزيرة اليونانية كريت وحكم أثينا لمدة ثلاث سنوات من 1828م حتى 1831م. لكن الطرف الآخر يقسم بأغلظ الأيمانات أن الجزيرتين مصريتان 100%، وأن الخطابات المتبادلة ليست دليلا دامغا على صحة كلام الحكومة المصرية، لأن الحديث عندما يكون بالوثائق يجب أن نعترف بأن الجزيرتين مصريتان، وأن كل الوثائق التي تم تدوينها من القرن الثاني الميلادي تؤكد هذا الأمر وأن جميع الجزر الموجودة في خليج العقبة جزر مملوكة لسيناء كلها وبعدها خريطة "ألبي" وحملة نابليون بونابرت عام 1800م ثم خريطة بلمر 1868م، وتضم الخريطة تيران وصنافير بصفتهما مصريتين خالصتين، وكان يطلق عليهما جزيرة "التيران" أو "الثيئران"، التي كانت تأوي الجنود المصريين الذين كانوا يحمون الحجاج من غارات عرب "طنابير"، كل هذه الخرائط تثبت مصرية الجزيرتين وأن الجزيرتين كانتا مع المملكة العربية السعودية حتى عام 1948. وعندما نشبت الحرب ضد الدولة الصهيونية، اتفق الطرفان على تنازل السعودية عنهما تماما قانونيا وأصبحت طبق القانون الدولي ملك الدولة المصرية والسيادة والإدارة المصرية، ولم يثر هذا الموضوع من قبل، ولكن ما حدث كان عبارة عن مجرد استفسارات من المملكة حول وضع الجزيرتين حتى حضر الملك سلمان للقاهرة زاد النقاش والجدل حول وضع الجزيرتين واعتراف الدولة المصرية بأحقية المملكة العربية السعودية للجزيرتين أثار موجة من الغضب والاستنكار داخل الأوساط المصرية. أنتقل إلى قضية مهمة وغاية في الخطورة أهم من مصرية الجزيرتين أو سعوديتها، وهي كيف تدير الدولة المصرية حربا بحرية محتملة وقادمة لا محالة في هذا المكان، خاصة أن مصر فقدت سيادتها على الجزيرتين، وأصبحت السيادة للمملكة وكيف تواجه مصر الخطر الصهيوني المؤكد في هذه المنطقة. أكررها مرة ثانية وثالثة، أنا لست معارضا لما يحدث حاليا كما يفهم البعض، ولكنني أسأل أسئلة منطقة عقلانية أنا وجميع المثقفين في مصر بعيدا عن التعنت والتشدد الذي يستغله البعض في وضع فتيل أزمة بين مصر وشقيقتها المملكة العربية السعودية.. من حقي أن أحافظ على بلدي وحقوقها وحدودها ومن حقي أيضا طرح أسئلة استفسارية حول هذا الوضع؟ - هل هناك خطط عسكرية مصرية بديلة لحماية هذا المكان في ظل نشوب حرب مع الكيان الصهيوني بعد أن فقدت مصر موقعا استراتيجيا مهما؟ - هل كانت هناك أزمة حدثت بخصوص هاتين الجزيرتين؟ من حقي الإجابة عن السؤال الثاني من هذه الأسئلة كمواطن مصري متابع جيد للعلاقات المصرية السعودية التي لم يحدث أبدا أي خلل في علاقات البلدين الشقيقتين، وأن العلاقات المصرية السعودية على خير ما يرام سواء أثناء فترة حكم الملكية المصرية أو أثناء فترة حكم الرئيس محمد نجيب أو جمال عبد الناصر مرورا بالسادات ومبارك ومرسي، وانتهاءً بحكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وأن المحكمة الدولية لم تذكر يوما أن هناك نزاعا على هاتين الجزيرتين، رغم وجود أكثر من 123 نزاعا حدوديا بالمنطقة العربية، أكثرها ضراوة بالطبع القضية الفلسطينية التي تمثل عارا في جبين المجتمع الدولي كله. على الرئيس السيسي أن يخرج للشعب في خطاب صريح ويشرح ما حدث خلال الأيام الفائتة، وكيف أوقع الرسم الفني كما ادعت حكومته أن جزيرتي تيران وصنافير في المياه الإقليمية السعودية، رغم أنها لا تبتعد أكثر من 6 كيلو مترات عن الحدود المصرية، وما هي تصورات النظام الحالي والأمن القومي في مواجهة العدو الصهيوني بعد أن فقدت مصر السيادة على الجزيرتين. أعتقد أن هذه الأسئلة مشروعة، ومن حق المصريين أن يعلموا جيدا كيف يفكر النظام الحاكم في وضع بديل أمني قومي يضمن لهم حمايتهم مستقبلا من الهيمنة الصهيونية المتوقعة، لكن بقاء الجزيرتين تحت السيادة السعودية لا يضر مصر أو المملكة، لكن التخوفات كلها من مستقبل هذه المنطقة الحيوية في مواجهة التهديدات الصهيونية. - في النهاية أطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بطلبين مهمين للغاية: 1- أن يخرج للشارع المصري اليوم قبل الغد وأن يشرح حقيقة ما يجري وما جرى بخصوص الجزيرتين لأن الشعب المصري من حقه معرفة ما يجري وماذا يحدث، ويجب أن يعلم أن حالة "الطناش" التي تسيطر على نظامه لن تحل الأمور بل تزيدها تعقيدا. 2- أطالبه بإنشاء وحدة قضايا الحدود والسيادة الدولية والوثائق السيادية حتى نكون في حضرة التاريخ حينما نعقد اتفاقياتنا، وهناك قامات كبيرة أكدت لي أنها على استعداد في تقديم المساهمة الفاعلة في هذه الوحدة، واسألوا المستشارة الجليلة هايدي فاروق، مستشار قضايا الحدود والسيادة الدولية والثروات العابرة للحدود، ويجب الاستعانة بمثل هذه القامات التي أعلنت أنها مستعدة لتقديم كل ما تحتاجه الدولة لخروج هذه الوحدة للنور.. حفظ الله مصر وشعبها وأمتنا العربية.