يحفظ الله سبحانه وتعالى دائما آذان المجتمع الإيمانى من "قالات السوء" أى من الألفاظ الرديئة، لأننا نعلم أن الناس إنما تتكلم بما تسمع فاللفظ الذى لا تسمعه الأذن لا تجد لساناً يتكلم به، ولكن أباح الله عزوجل حالة واحدة يجوز للإنسان أن يجهر فيها بالسوء، وذلك مصدقا لقوله تعالى: «لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا»، سورة النساء:آية 148. وقال الإمام محمد متولي الشعراوي، في تفسيره للآية الكريمة، إن المقصود من الآية السابقة هى أن قالات السوء قد تكون بالحق وقد تكون بالباطل، فإن كانت فى الحق فإن النفس جُبلت على حب الانتقام وحب الدفاع عن النفس وحب الثأر وما يروح به عن نفسه ويخفف ما يجده من الغيظ، ولكن هل معنى ذلك أن الله يمنع الناس من قول كلمة سوء يُنفث بها الإنسان عن صدره؟، بالطبع لا لكنه سبحانه يضع شرطاً لكلمة السوء هو «إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» لأن الظلم هو أخذ حق من إنسان لغيره. وأوضح إمام الدعاة أن من وقع عليه ظلم له أن يجهر بالسوء والجهر وفى هذه الحالة له فائدتان: الأولى: أن يُنفث الإنسان عن نفسه فلا يُكبت، والثانية: أنه أشاع وأعلن أن هذا إنسان ظالم، وبذلك يحتاط الناس فى تعاملهم معه وحتى لا يخدع إنسان نفسه ويظن بمنجاة عن سيئاته فلو ستر كل إنسان الظلم الذى وقع عليه، لاستشرى الظلم فى عمل السيئات. وحذر الشعرواى المسلم من التوسع فى فهم معنى كلمة «ظُلِمَ»، هذه لأن الذى ينالك ممن ظلمك إما فعل وإما قول وعليك أيها المسلم أن تقيس الأمر بمقياس دقيق على قدر ماوقع عليك من ظلم. وبين إمام الدعاة أن الله تعالى يضع الضوابط الإيمانية والنفسية التى يسير عليها الإنسان فى حياته فيزيح الكبت عنه وفى الوقت نفسه لم يقفل باب الطموح الإيمانى، فلقد سمح سبحانه للعبد أن يجهر إن وقع عليه ظلم، لكن إن امتلك الإنسان الطموح الإيمانى فيمكنه ألا يجهر وأن يعفو، إذن فهناك فارق بين أمر يضعه الحق فى يد الإنسان وأمر يلزمه به قسراً وإكراهاً عليه فمن ناحية الجهر جعل الله تلك المسألة فى يد الإنسان، ولكنه تعالى يحب أن يعفو الإنسان لأن المبادئ القرآنية يتساند بعضها مع بعض.