اتفق جمهور الفقهاء على أنه لم يأت دليل من السنة النبوية على كشف رجلي الرجل المحرم إذا مات، وإنما جاءت السنة بوجوب كشف رأسه، وفي بعض الألفاظ: «ووجهه» وأما الرجلان فتستران كما يُستر سائر البدن. واستشهد جمهور الفقهاء بما روي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً» رواه البخاري (1206) ومسلم (1206)، وتفرد مسلم بزيادة "الوجه"، فرواه مرة: (وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ). وأوضح الجمهور، أن هذا الحديث يدل على أنه يستر بدنه كله بالكفن إلا الرأس والوجه، وقد نُقل عن الإمام أحمد أنه تكشف رجلاه أيضًا، غير أن علماء المذهب الحنبلي ضعفوا هذه الرواية عن الإمام أحمد، وجزموا بوهم من نقلها عنه. قال ابن قدامة: "واختلف عنه – أي : عن الإمام أحمد - في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه: "لا تُغطى رجلاه"، وهو الذي ذكره "الخِرَقي"، وقال الخلاَّل: "لا أعرف هذا في الأحاديث، ولا رواه أحدٌ عن أبي عبد الله [الإمام أحمد] غير حنبل، وهو عندي وهم من حنبل". والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه؛ لأن إحرام الرجل في رأسه، ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته، فكذلك في مماته" "المغني " (2 / 404). وذهب الإمام الشافعي إلى أنه يُكشف رأس المحرِم فقط، ويُغطى سائر بدنه، وأما مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك فهو: تكفين المحرم كتكفين غيره من الأموات فيستر جميع بدنه، وعندهم أن حديث ابن عباس خاص بذلك الصحابي. و"قال الشافعية والحنابلة: إذا مات المحرم، والمحرمة: حرُم تطييبهما، وأخذ شيء من شعرهما، أو ظفرهما، وحرُم ستر رأس الرجل ، وإلباسه مخيطاً، وحرُم ستر وجه المحرمة؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته فمات : (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، اللذين مات فيهما، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيّاً). وعند الحنفية والمالكية: يكفَّن المحرم، والمحرمة، كما يكفن غير المحرِم، أي: يُغطَّى رأسه، ووجهه، ويطيَّب، لما روي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود)، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في المحرم: (إذا مات انقطع إحرامه)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به»، والإحرام ليس من هذه الثلاثة".