منذ بدأ مجلس الشعب جلساته قبل خمسة أشهر، ونحن نعيش مع برلمان ما بعد الثورة فى مشاكل لا تنتهى، آخرها مشروع القانون الذى تقدم به نائبان من حزب النور السلفى الخاص بالمحكمة الدستورية العليا. مشروع القانون الغريب والمريب يقضى بحل المحكمة الدستورية العليا، وتسريح قضاتها، ثم إعادة تشكيلها من قضاة جدد، إضافة إلى نزع اختصاص المحكمة الدستورية فى الرقابة على القوانين والتشريعات الصادرة عن البرلمان والتى تتم الموافقة عليها بثلثى عدد النواب، وألا يكون من حق الدستورية النظر فى حل مجلس الشعب إذا كان انتخابه صدر بالمخالفة للدستور. هذه أهم التعديلات المقترحة على قانون المحكمة الدستورية، ومن يتأمل المشروع الذى رفضته الجمعية العمومية لقضاة المحكمة الدستورية، يجدد أنه ينزع صلاحيات المحكمة فى الرقابة على الدستور، ومدى توافق القوانين الصادرة مع الدستور، ويمنح مجلس الشعب حصانة مطلقة، ويجعله فوق القضاء الدستورى فى مصر، ما يحوله إلى أكبر سلطة ديكتاتورية فى البلاد. وخلال الثلاثين عاما التى حكم فيها الحزب الوطنى السابق مصر، لم يجرؤ الحزب ولا النظام الحاكم ولا البرلمان على الاقتراب من المحكمة الدستورية التى ألغت العديد من القوانين، منها ما كلف الدولة مليارات الجنيهات مثل قانون فرض ضريبة على المصريين بالخارج والذى ألغته المحكمة الدستورية، وحل مجلس الشعب الذى كان يسيطر عليه الحزب الوطنى مرتين عامى 1984 و1987، إضافة إلى مئات القوانين الأخرى التى حكمت فيها المحكمة استنادا إلى عدم دستوريتها. وحين يفاجئنا نواب بطرح مثل هذا المشروع من القانون الذى يشل المحكمة الدستورية، ويمنع رقابتها السابقة واللاحقة على القوانين، ويحصن مجلس الشعب أمامها، فإننا بالتأكيد أمام من هم أسوأ من الحزب الوطنى السابق.