في مشهد يخرج عما كان متبعا قبيل شهر رمضان الكريم ، بمنطقة الساحل شمال القاهرة، التي تعد السوق الرئيسي لبيع تمور وياميش شهر رمضان بأسعار الجملة في مصر ، يعرض التجار بضاعتهم دون وضع أسماء رؤساء أو فنانين أو رياضيين أو أي شخصيات مشهورة علي هذه التمور والياميش ، وهو ما كان متبعا من قبل التجار منذ سنوات طويلة طمعا في جذب أنظار المشترين وترويج بضاعتهم وإرضاء جميع الأشخاص باختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم. ويرجع إطلاق أسماء جذابة على أصناف التمور قبيل وأثناء شهر رمضان في مصر إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى القاهرة أواخر السبعينات من القرن الماضي ، حيث سعى التجار آنذاك إلى الاحتفاء به فأطلقوا اسم "جيمي" على التمر الفاخر، وهو ما لقى إقبالا كبيرا من الناس ، وصار الأمر منذ ذلك الوقت نوعا من الترويج والدعاية التي يحرص عليها التجار كل عام، ولم يأت إطلاق الأسماء على التمور عشوائيا ، ولكن من خلال مشاورات تجمع كبار تجار البلح في السوق لاختيار أسماء أحداث قريبة الصلة بالمواطن المصري وأثارت اهتمامه ويراعى أن يكون الاسم لافتا لجذب المشترين. وتوالت المسميات بسوق التمور في الأعوام التالية ، ففي الثمانينات كان مسلسل "ليالي الحلمية" الذي حقق نجاحا كبيرا ، واستطاعت صفية العمري بشخصية "نازك السلحدار" التي لعبتها أن تفرض نفسها بقوة على مسميات سوق التمور ، ثم توالت الأسماء بعد ذلك طبقا للنجاحات التي حققتها الأعمال الدرامية، فجاءت أسماء "رأفت الهجان" و"محمود عبد العزيز" لتفرض نفسها على السوق. ودائما ما كانت الأسماء التي تطلق على التمور خلال شهر رمضان تعكس الحالة التي يعيشها المواطن خلال الفترة التي تصادف اقتراب الشهر الكريم ، وكانت تعكس الأوضاع التي تمر بها البلاد ، فمثلا جاءت ثورة 25 يناير لتزيح اسم هيفاء وهبي ونانسي عجرم من على عرش أسماء تمور شهر رمضان بعد تربعهما على هذا العرش عدة سنوات وتم إطلاق "الثورة" ، "ارحل" و"الشهداء" على الأصناف الفاخرة من التمور وكانت هى الأعلى سعرا ، وبعد ثورة 30 يونيو كانت الأنواع الفاخرة يطلق عليها "السيسي" و"تمرد"، في حين تطلق أسماء الشخصيات غير المحببة لدى المواطن المصري على الأنواع الرديئة. ويبدو أن تركيز التجار هذا العام هو أن يأتي الزبون في ظل حالة الركود التي تشهدها الأسواق وارتفاع أسعار السلع والبضائع ، ولم يعد وضع الأسماء على بضاعتهم له أي أهمية لديهم خوفا من هروب المشترين بسبب تسمية التمور بأسماء لا يحبونها ففضلوا عرض التمور دون أسماء حتى لا تؤثرعلى قرارات الناس. ويقول أنور هلال تاجر تمور وياميش بالساحل ، لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، إن التجار قرروا هذا العام عدم وضع أسماء على التمور ، وكذلك عدم وضع لافتة بالأسعار ، مشيرا إلى أن أسعار التمر الشعبي هذا العام تتراوح بين 6 إلى 10 جنيهات، والتمر الأكثر جودة تبدأ من 10 جنيهات وحتى 30 أو 35 جنيها. ومن جانبها ، قالت السيدة هبه محمد ، خلال جولتها بسوق الساحل لشراء مستلزمات رمضان ، "إن أسماء التمور لا تفرق معي وأن الأهم جودة هذه التمور وأن تكون الأسعار مناسبة وفي المتناول في ظل الارتفاع الملفت لأسعار أغلب السلع". وعن اختفاء الأسماء من على التمور خلال رمضان 2015 ، قالت هبه "إنه من المحتمل أن يكون السبب الرئيسي وراء اختفاء الأسماء هو عدم وجود أحداث هامة تمس شئون المواطن المصري" ، مشيرة إلى أنه في عامي 2013 و 2014 كان الاسم اللامع للتمر وحقق نجومية كبيرة هو "السيسي". وبالنسبة لمستويات الأسعار ، قفزت أغلب مستلزمات شهر رمضان هذا العام بنسبة 50 في المائة، حيث تراوحت أسعار التمور بين 5 إلى 30 جنيها للكيلو ، و"اللوز" 90 جنيها للكيلو ، و"عين الجمل" المقشر 120 جنيها ، وتراوحت أسعار "قمر الدين" ما بين 20 و30 جنيها للكيلو ، و"البندق" 54 جنيها ، و"الفستق" 100 جنيه ، و"الكاجو" 120 جنيها ، و "جوز الهند" 18 جنيها للكيلو ، والزبيب 24 جنيها للكيلو. والمراقب جيدا لتاريخ الشعب المصري يعلم جيدا أن عاداته لا تندثر بسهولة ، فهناك الكثير من العادات موروثة منذ أيام الفراعنة حتى الآن ، فهل تعود لافتات أسماء الشخصيات المشهورة مرة أخرى على تمور شهر رمضان في العام المقبل ؟.