* التوافق الاستراتيجي بين أوكرانيا والغرب يتصاعد ويمثل ورقة توازن في الأزمة * سلوفاكيا كلمة مفتاحية في حصول أوكرانيا على إمدادات الغاز من الأسواق الأوربية * الاقتصاد الروسي بات محدودا في قدراته على دعم الاستثمارات داخل سلوفاكيا * حلفاء سلوفاكيا الغربيون بدأوا يدفعونها باتجاه القيام بدور أكثر قوة في خطط الناتو تٌعتبر إمدادات الغاز الروسي لأوكرانيا واحدة من أهم أدوات الضغط التي تٌلوح بها روسيا في وجه أوكرانيا سواء بتخفيضها أو قطعها نهائيا، لكن سلوفاكيا كان له دور فاعلا في حرمان روسيا من استخدامها بصورة مطلقة عندما ساعدت في دعم أوكرانيا بامدادات الغاز عبر خطوطها في الاتجاه العكسي.
وتزايدت أهمية سلوفاكيا في الصراع المتواصل بين روسياوأوكرانيا في ظل التوافق الاستراتيجي بين أوكرانيا والغرب، وهو ما وافق هوى كييف في الحصول امدادات غاز عبر الخطوط الواصلة بينها وبين أوربا في الاتجاه العكسي حيث تستورد الغاز من الأسواق الأوربية في الخطوط التي كانت تستخدمها في نقل الغاز الروسي إلى تلك الأسواق.
وتٌمثل سلوفاكيا كلمة مفتاحية في حصول أوكرانيا على امدادات الغاز من الأسواق الأوربية في تلك الخطوط التي تنقله عكس الاتجاه الطبيعي له، وهو ما دفع وزير الخارجية الروسي لافروف إلى القيام برحلته من أجل اقناع قيادة سلوفاكيا بالحد من تلك الامدادات ومعارضة العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي ضد روسيا.
ويبدو أن ضعف الاقتصاد الروسي الذي بات محدودا في قدراته على دعم الاستثمارات داخل سلوفاكيا يتناقض بصورة حادة مع التكامل الاقتصادي العميق لتلك الدولة التابعة لمنطقة اليورو.
وفي ظل سياسية سياسة براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا، الهادفة إلى خلق توازن استراتيجي في علاقتها بالغرب وروسيا، تجد الأخيرة صعوبة في دعم نفوذها داخل تلك الدولة.
ويوضح موقع سلوفاكيا الجغرافي أن تلك الدولة لا تدين بالولاء الكامل لأي من الغرب أو روسيا، وهو ما يبدو جليا في موقفها من دعم أوكرانيا في الحصول على امدادات الغاز عبر الخطوط العكسية إثر بدء أزمتها في حين بدت أكثر تحفظا في المشاركة في العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوربي على روسيا.
ولكن روسيا مازالت تواصل جهودها في محاولة منع سلوفاكيا من مواصلة دعمها لأوكرانيا في مجال الطاقة، حيث قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة رسمية إلى سلوفاكيا في الفترة من 3 إلى 4 أبريل.
ويبدو أن خيارات موسكو لدعم نفوذها في بارتيسلافا العاصمة السلوفاكية، محدودة، فسلوفاكيا هي دولة حدودية صغيرة ذات طبيعة جبلية وكانت تندرج تاريخيا ضمن حكم إمبراطوريات أوربا الوسطى.
لكن حدود سلوفاكيا المشتركة مع دولتين مهمتين استراتيجيا في الوقت الحالي هما بولندا وأوكرانيا جعل دورها أكثر أهمية، فهما عضوين في حلف الناتو والاتحاد الأوربي ومنطقة اليورو لكن طبيعتها الجغرافية منعتها من اتباع الغرب بلا تردد.
وبدلا من ذلك، وعلى غرار العديد من الدول المجاورة لها اتبعت سلوفاكيا استراتيجية متوازنة الموازنة بين روسيا والاتحاد منذ بدأ الأزمة الأوكرانية.
ومع ذلك، فإن حلفاء سلوفاكيا الغربيين بدأوا يدفعونها باتجاه القيام بدور أكثر قوة في خطط الناتو على طول المناطق الحدودية مع روسيا في ظل جهودهم الساعية لاعادة رسم قبلة أوكرانيا بعيدا عن روسيا.
ولكن لأنها تمتلك موقعا جغرافيا له مميزات سياسية مع جيرانها مثل المجر فإن سلوفاكيا عارضت خطط الاتحاد الأوربي الخاصة بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا لكن حكومتها صوتت في النهاية لصالح تلك العقوبات.
على الرغم من تصريح رئيس وزرائها روبرت فيكو علانية عن قلقه من أن تلك العقوبات ستكون غير مؤثرة لكنها ستفسد العلاقة بين روسياوسلوفاكيا، واختار أن تكون بلاده خارج خطة الولاياتالمتحدة لتقوية التعاون الدفاع معها عبر عملية المحيط الأطلنطي.
ويرجع أصل النفوذ الروسي في سلوفاكيا إلى صادرات الطاقة والاستثمارات والتجارة البينية التي تعتبر في حالة مزاجية، حيث كانت نسبة صادرات سلوفاكيا إلى روسيا في 2013 4% ودخلت 10% من الصادرات الروسية إلى سلوفاكيا، ومع ذلك فقد دخلت البنوك الروسية إليها في 2012.
وبحلول عام 2013 حصلت البنوك الروسية في سلوفاكيا على 2.9% من نسب المشاركة في السوق على الرغم من ظهور تقارير بعدها في فبراير 2014 تقول أن البنوك الروسية ربما تغادر سلوفاكيا، حيث أعلن "سبربنك" الروسي أنه أقرض كبرى شركات الطاقة في سلوفاكيا 1.18 مليار دولار، سلوفنسك إليكترارن التي ستنفق كما من هذا التمويل لتموي الوقود النووي.
وهو ما يحقق نفعا مزدوجا لروسيا فمن جهة هو يدعم تواجد البنوك الروسية في سلوفاكيا ومن ناحية أخرى يقوى روابط التعاملات في الوقود النووي مع روسيا بما يصب في النهاية إلى صالح دعم النفوذ الروسي هناك.
ومع ذلك فإن موقف سلوفاكيا في أي تفاوض مع روسيا أكثر قوة من غيرها من الدول لكونها ممر عبور للغاز الروسي والنفط لكبرى الأسواق الأوربية، إضافة إلى أن لديها ميزة أفضل من أوكرانيا وهي قدرتها على شراء الغاز الأوربي بمعدلات السوق ولديها تعاقدات أقل من 20 عاما مع شركة الغاز الروسية "جازبروم" والذي تم توقيعه في 2008، حيث يتم مراجعة أسعار الغاز فيه كل 3 سنوات.
وساعد امتلاك سلوفاكيا لامكانية تسويق الغاز في أسواق الطاقة في غرب أوربا وشمال غربها إلى دعم موقفها في التفاوض على أسعار جيدة، ويضاف إلى ذلك التقارب بينها وبين المجر يمنحها وضع أكثر تميزا.
وفي ظل تزايد النفوذ السلوفاكي في مجال الطاقة تعاني روسيا من مشاكل اقتصادية، وهو ما يمنع الأخيرة من تقديم مساعدات حوافز مالية إلى سلوفاكيا.
وبالنسبة للغرب، فإن سلوفاكيا أصبحت حليفا مهما يمكنه تقليل قدرة روسيا على فرض إراداتها بالقوة على أوكرانيا، خاصة عن طريق دعم كييف بواسطة امدادات الغاز التي تنقله عكس الاتجاه للتغلب على نقص الامدادات الروسية التي تعتمد عليها أوكرانيا بصورة مباشرة خاصة في التدفئة.
وفي سبتمبر 2014 بدأت محطة الربط بين سلوفاكيا ومحطة الغاز الطبيعي فوجاني في العمل ونتيجة لذلك تضخ سلوفاكيا حاليا 38مليون متر مكعب في اليوم إلى أوكرانيا والتي يصل إجماليها إلى 13.9 مليار متر مكعب في العام.
ويضاف إلى ذلك أن أوكرانيا يمكنها ادخال 4 ملايين متر مكعب في اليوم عبر الخطوط العكسية من بولندا و 16 مليون متر مكعب من المجر، وهذا يعنى أن سلوفاكيا ستظل أكبر مصدر للغاز إلى أوكرانيا في ظل أزمتها مع روسيا.
وتعتبر سلوفاكيا هي الدولة الأكثر قابلية لأن تكون سندا لأوكرانيا في أزمة الطاقة حيث أن موقف المجر متأرجح ويتغير وفقا لاعتبارات سياسية، فهو يقل في بعض الأحيان بصورة تصل إلى 3 ملايين متر مكعب في اليوم إضافة إلى أن رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان تعهد بأن امدادات الغاز العكسي عبر بلاده إلى أوكرانيا سوف يتوقف في ظل التحذيرات الروسية من أنه يتم بصورة غير شرعية.
ولكن سلوفاكيا مستمرة في دعم أوكرانيا باحتياجاتها من الغاز بصورة جعلت موقفها في التفاوض مع روسيا أكثر قوة هو ما تمثل في عقد الغاز الروسي الذي أبرمته أوكرانيا مع شركة جاز بروم في أكتوبر والذي توازي مع عقد الثلاثة أشهر الذي بدأته روسيا مع أوكرانيا بداية أبريل.
وهناك مؤشرات تقول أن سلوفاكيا لديها نية للتحرك نحو زيادة حجم تعاونها مع شركائها في حلف الناتو، ففي فبراير الماضي طالبت براتيسلافا من الحلف تشكيل وحدة تكامل قوى له في أوكرانيا تتكون من فرق صغيرة متعاونة، لكنه يبدو أن هذا التعاون سيتم ضمن استراتيجية التوازن مع روسيا.
وفي هذه الحالة ربما تعتمد سلوفاكيا على الناخبين وفقا لاستطلاع الرأي الذي تم إجراؤه أثناء الصراع الذي اشتعل في شرق أوكرانيا، حيث يعارض غالبية السلوفاكيين وجود أوكرانيا في نطاق النفوذ الروسي ويرفضون تدخلها في الأزمة.