الإعلان عن التعديل الوزاري الأخير كان مفاجأة في توقيته – قبل المؤتمر الاقتصادي بأسبوع- وفي اختيار الوزراء الجدد أيضا، ومنهم وزير الثقافة الدكتور عبد الواحد النبوي ، الذي جاء خلافا للتوقعات والتكهنات طيلة 4 سنوات عقب خروج فاروق حسني من الوزارة بعد 24 عاما قضاها في منصبه تتغير من حوله الحكومات - وهو كما هو. مع كل إعلان عن قرب تغيير وزاري عقب ثورة يناير كانت تنطلق التساؤلات ويزداد الجدل حول شخصية الوزير القادم ليتغير على المنصب 6 شخصيات. منهم من لم يلبث سوى أيام ليستقيل أو شهورا ليخرج مع أول تغيير وزاري لعدم رضا من يسمون أنفسهم "النخبة المثقفة" عن معاليه أو بدعوى أنه من خارج نخبة المثقفين. الحقيقة أن "الشلة" لم تكن ترضى إلا من ترتضاه وزيرا، فإذا جاء الوزير من خارجهم صار سدنتها وكهنتها يحركون رجالهم ليهاجموا الوزير الجديد ويظل الاحتجاج شعارا في جلساتهم مع رجال الدولة ورئيس الوزراء للضغط على الوزير للحصول على ما يريدون من لجان ومناصب لهم أو لأتباعهم ووصل عنفوان البجاحة التحكم في جوائز الدولة، فتمنح لهذا دون ذاك. تاريخ "الشللية" داخل وزارة الثقافة يرتبط باسم وزير الثقافة فاروق حسني الذي تعرض لكثير من الهجوم من تيار المثقفين المعارضين لسياسات السادات ثم مبارك وأكثرهم من التيار الاشتراكي. كان يتعرض وقتها الوزير لأزمات عاصفة ، ولأنه رجل ذكي يعرف كيف يناور معارضيه تعامل معهم بسياسة "اطعم الفم" فصار يكرم هذا، ويتودد لذاك بكلمته الرقيقة أو مجاملات العلاج على نفقة الدولة للمثقفين، أو طبع كتاب أو تكريم في مهرجان أو منح جائزة. فسال لعاب الكثيرين ليرضى عنهم الوزير، وطفا على السطح مصطلح "حظيرة الثقافة" الذي تطور بفعل ازدياد الإقبال على الحظيرة إلى "الشللية" التي أرادت أن تغلق الباب على نفسها فلا تُدخل إلا من يُشير الوزير بقبوله عضوا بالشلة أو من يلمح بضرورة إخضاعه "بالرضا" لإسكاته بطريقة شيك. كلامي ليس جديدا ولا تفسيرا فذا لحال الثقافة في مصر طيلة 30 عاما، فالوزارة ظلت تعيد إنتاج ذاتها على مدار عقود، فلم تتصد يوما لفساد سياسات قياداتها أو إهدار المال العام على مكافآت ومنح تفرغ أو عقود مقاولي الوزارة ومسارحها وقصور الثقافة ، فهي وزارة مملوكية بامتيار ، عملها المؤسسي قائم على توزيع المناصب على نخبة تدافع دفاعا مستميتا عن مصالحها وهي حزمة معقدة يشترك فيها موظفين كبار وصغار أيضا داخل مؤسسات الوزارة في شكل كتائب دفاعية من نتاج الحظيرة. هناك الكثير من التحديات أمام الوزير النبوي لينطلق بمشروعه الثقافي الذي أعلن عنه عقب أدائه اليمين الدستورية. فنشر الثقافة هو قلب النهضة الحديثة لمصر فلولا تهميش الثقافة والفنون لعقود ما امتدت إلينا يد الإرهاب. الوزير الجديد يجب أن يعمل على التخلص من الروتين وإعادة النظر في مشروعات الثقافة الجماهيرية التي لم تعد تصل إلى الجمهور وطبع الكتب في سلاسل متكررة بمختلف هيئات الوزارة ، ووقف مجلات وصحف لا ترى النور ولا تجد قراء. فضلا عن ندوات تعلن عنها هيئات الوزارة بمنطق "العدد في الليمون" وأزمات تواجه المسرح والفرق الفنية . الملفات والمشكلات عديدة والثقافة تبحث عن سبل أفضل لتسويقها كمنتج قومي داخليا وخارجيا فهل ينجح الوزير الجديد أم ستعوقه "الشلة" بالتحكم فيه أو محاربته؟ الآن تتطلع النخبة أن يكون الوزير واحدا منهم، ليرضوا عنه. فهل سيكون الوزير عبد الواحد النبوي كسابقيه في سياسة إرضاء النخبة.. كيف ينظر إلى التحديات وهو واحد أعرف جيدا ويعلم الكثيرون داخل الوزارة أنه من خارج "الشلة"؟ .. والسؤال الصعب ..كيف يفتت الوزير الجديد كتائب الدفاع عن الحظيرة وسدنتها؟