درست العلوم السياسية والعلاقات الدولية فى واحدة من أرقى الجامعات الأوربية والبريطانية وحينها تدرك أنك أمام مجموعات من الأنظمة المختلفة جوهرها الشفافية وتداول السلطة وضمان الحريات العامة والخاصة واحترام دولة القانون حتى فى الدول التى ليس لديها دساتير مكتوبة. الفارق أننى لم أصبح عبدا لأى فكرة أو نظرية صنعها ويصنعها البشر وأدركت أن رغم أن هناك توافق على عدد من القيم البشرية المتوارثة إلا أن لكل شعب ودولة بصمتها وطريقتها وتاريخها وتقاليدها فى ممارسة تلك النظريات والقيم وفى مقدمتها الديموقراطية الغربية والقيم الغربية والأطر التقليدية للحكم والتى يلح كل المطالبين بالديموقراطية فى كثير من دول العالم بتطبيق هذا النموذج وأن لا ديموقراطية بغير النموذج الغربى فراح البعض يطبقها شكلا وليس موضوعا كالذى يحدث من حولنا فى الوطن العربى و عدد كبير من الدول الأفريقية وهناك من أضاف إليها قيمة و تميزا مثل الهند. لذلك كنت ومازلت مع ارادة الشعب المصرى فى 25 يناير و30 يونيو وترسيخه لشرعية من نوع جديد خارج الكتب والنظريات وهى: "شرعية الرضا"... وهو ما يدركه الرئيس عبد الفتاح السيسى نفسه ويقر بحق الشعب فى الثورة عليه مجددا ما لم يرضى عن أداءه... أزمة النخبة المصرية المرتبطة بالنموذج الغربى للديموقراطية أن لا ترى حقيقة ما حدث فى الشارع العربى والمصرى حتى لو كان الثمن مصير شعب فى لحظة أزمة وفى منطقة جغرافية تعج بالحروب والأزمات والأساطيل والجيوش الغربية والأطماع الإقليمية التى توظف كيانات وجماعات مسلحة وعقائدية على استعداد ان تضحى بارضها وشعبها فى سبيل أطماع مرشد أو أمير... أزمة نخب أرتبطت مصالحها بتمويل غربى أو وظيفة أو مكانة لا تستطيع أن تتخذ مواقف تخالف النموذج الغربى .... ازمة نخب لديها تراكمات من العقد والشك وفقدان الثقة نتيجة خبرات قديمة سيئة ومؤلمة من القهر والإقصاء... ازمات وازمات نخبوية لا تراعى ان هذا الشعب المصرى يصنع كل يوم نظرياته وتجاربه حتى ولو كانت مخالفة لم تعلموه وخبروه و نقلوه عن الغرب... وأنه يصبر عندما يحب ويثور عندما لا يرضى وصك فى ثورتين عنوان جديد اسمه "شرعية الرضا" التى تعد اكثر سلاح يخاف منه حاكم مثل السيسى ويحاول الأخوان اللعب عليه ونحن أمام؛ نخبة حبست نفسها خلف جدران صناديق الغرب الأنتخابية فى وجود شعب يغير فى الميادين والشوارع حتى أصبحت النخبة مثل الغرب غير قادرة على فهم ما حدث ويحدث فى مصر... انظروا هناك إلى تونس... حركة "نداء تونس" تأسست منذ عامين واستطاعت أن تتواصل مع الشارع وتحشد القوى وتخلق حالة وطنية تخوض بها الأنتخابات وتحقق الفوز فى الأنتخابات البرلمانية والرئاسية لتخلص تونس مرحليا من شبح سيطرة الأخوان بينما فى مصر عشرات الأحزاب القديمة و الجديدة حبيسة مقارها ونخب تجوب الفضائيات حبيسة القاهرة وندواتها وجرائدها والغرف المغلقة لا تعرف شىء عن القرى والنجوع والوديان والشوارع والحوارى والعشوائيات يتصارعون على قوائم انتخابية وفقا لقواعد اللعبة الديموقراطية الغربية تمنحهم مقاعد بلا حق أو مجهود... فبأى حقق تمثلوننا وأنتم فى عزلة عنا وعن كل قطاعات الشعب ولا تمثلون الا أنفسكم.. ما سبق لا يدعو لترك كل الميراث البشرى من نظم حكم وأدوات حكم وآليات ممارسة ديموقراطية و لا هو دعوى لحكم الفرد وخلق مناخ يشب فيه ديكتاتور أو فرعون جديد بعد سنوات من حكم الفرد وغياب المؤسسات؛ دعوتى هى حكم الشعب للشعب وبالشعب والكف عن ممارسة الشكل بعيد عن الجوهر والمضمون وتاسيس لمؤسسات حكم بعيدة عن الشعب ولا تمثله ليعود الشعب مجددا إلى الشوارع والميادين كى يسمع صوته ومطالبه؛ والبداية بأن تكف النخب المصرى بكل مستواياتها عن القول بأنها تمثل الشعب وتعبر عن رأيه وهى مازالت حبيسه مكاتبها ومقارها.. إنها الدعوة لدراسة واستيعاب ما حدث فى مصر من ثورتين وتغيير نظامين لأننا لن نستطيع التقدم للأمام قبل أن ندرك حقيقة ما جرى ولماذا؟ وكيف نؤسس لنظام حكم يحمل بصمة مصرية تعيد الكرامة ودولة القانون وتسمح بتداول السلطة وتخلق مناخ للتواصل بين النخب والقواعد فى كل بقاع المحروسة بأدوات تواصل مبتكرة تراعى نسبة الأمية واختلاف العادات والثقافات والاحتياجات من مكان إلى آخر ومن محافظة إلى أخرى مع الحفاظ على التنوع والأختلاف والتعددية فى أطار مجهودات لتوحيد الرؤى والأهداف القومية.